تكمن مشكلة الاقتصاد غير الرسمي في مصر كما هو الحال في العديد من دول العالم النامي في أنه لا يوجد تعريف جامع مانع له ولعل ذلك يتضح جليا إذا ما نظرنا له بعين أخري، فالاقتصاد الرسمي والمنشآت العاملة في نطاقه تحمل العديد من المسميات منها علي سبيل المثال لا الحصر: الاقتصاد الهامشي، والاقتصاد الأسود، والاقتصاد الخفي، والاقتصاد غير المنظور، والاقتصاد الموازي، واقتصاد الظل والاقتصاد غير المرئي، والاقتصاد الرمادي، وأخيراوليس آخر، في النسخة المصرية منه مصانع بير السلم. وبنظرة سريعة علي أدبيات اقتصاديات التنمية، نلاحظ أنه في أفريقيا في فترة التسعينيات اتضح الآتي فيما يتعلق بالاقتصاد غير الرسمي (ذلك إذا ما اتفقنا علي استخدام هذا المصطلح): تقع نسبة 68 76% من الأنشطة الاقتصادية في كل من نيجيريا ومصر في دائرة الاقتصاد غير الرسمي ومابين 40 60% في تونس والمغرب وفي أمريكا الوسطي والجنوبية مثل جواتيمالا والمكسيك وبيرو وبنما نسبة 40 60% وفي تشيلي وكوستاريكا وفنزويلا والبرازيل وباراجواي وكولومبيا بنسبة 25 - 35% وفي آسيا في دول مثل تايلاند 70%وفي الفلبين وسيريلانكا وماليا وكوريا الجنوبية نسبة 38 50% وهونج كونج وسنغافورة نسبة 13% وإذاما انتقلنا إلي الاقتصاديات المتحولة فالصورة لا تبعد كثيرا عما لاحظنا: أولا: في دول الاتحاد السوفيتي نجد أنه في جورجيا وأذربيجان وأوكرانيا وبيلاروسيا يحتل الاقتصاد غير الرسمي نسبة 28 43% وروسيا ولتوانيا ولاتفيا وأستونيا نسبة 20 27%. وثانيا: في أوروبا الوسطي: في المجر وبلغاريا وبولندا نسبة 20 28% وأخيرا في رومانيا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك فتتراوح النسبة ما بين7 16% ومما سلف نستنبط أن ظاهرة (مصانع بير السلم) ليست ظاهرة مصرية كما أنها تستحوذ علي نصيب ليس بالقليل من أداء الاقتصاد القومي لعديد من الدول وإن كانت تظهر بشكل أكثر وضوحا في دول العالم النامي والمتحول. وإذا ما انتقلنا إلي الواقع المصري نجد أن الحكومة السابقة قد أدركت مشكلة هذا القطاع الاقتصادي الزئبقي وقامت بالانتهاء من دراسة مستفيضة عن حال ومآل المنشآت العاملة في نطاقه ولعلها أدركت حينئذ إن هذا القطاع غير المنظوريقوم بسحب قاطرة الاقتصاد القومي إلي الخلف في وقت تسعي فيه الدولة بجميع أجهزتها ومرافقها للبحث عن قاطرة للتنمية تدفعه للأمام وقد أدركت تلك الحكومة وإن عانت من الكثير من النقد نتيجة لهذا التوجه أن منشآت القطاع غير الرسمي يجب أن تضمن في منظومة عمل الاقتصاد الرسمي حتي تتمكن الدولة من معرفة الحجم الصحيح لمواردها وامكاناتها (أي قيمة الناتج المحلي الإجمالي السنوي) وتركيب قاعدة بيانات قومية سليمة وكذا حتي يمكن دراسة أسباب خروج هذه المنشآت من عباءتها القانونية، وللوصول إلي السبل العلمية السليمة لإدماجها في الاقتصاد القومي من خلال محفزات ومزايا تؤدي إلي تحسين مناخ الاستثمار بوجه عام ولعل ذلك فيما يبدو لا يبعد عن التوجه السائد للسياسات الاقتصادية الحالية. فقد قامت الدراسة التي قامت بتنفيذها خبرات مصرية متخصصة بالتعاون مع خبرات دولية مشهود لها بل ولها باع طويل في هذا المجال المتخصص بعمل مسح ميداني تفصيلي في ست محافظات ممثلة في الجمهورية وكان ما يميز عينة البحث أنها عينة ممثلة انتبهت إلي تجمعات المنشآت غير الرسمية وتنوعت فيما بين محافظات الوجه القبلي والبحري حتي تتمكن من تعميم النتائج بصورة تنبع من واقع المنشآت. مشكلات جدية.. مطلوب مواجهتها ولعل أهم النتائج التي خلص إليها الفريق البحثي والتي أبقت علي تواجد منشآت القطاع غير الرسمي هي: 1- لا توجد أدوات تنظيمية قانونية كافية تتناسب مع حاجة المنشأة من حيث تقسيم العمالة المتخصصة بها وبذلك تكون إنتاجية العمالة في المنشآت غير الرسمية متدنية. 2- لا يثق السوق عامة في منشآت وتعاملات ومنتجات القطاع غير الرسمي حيث إنها لا تحتفظ بالوثائق والتعاقدات والمستندات وبالتالي لا يمكن لأي طرف خارجي الرجوع عليها قانونا في حالة الاخلال بأي من الاتفاقات الشفهية المبرمة.