صدر الاعلان التأسيسي لحركة "كفاية"، منذ ما يقرب من العامين، وبالتحديد في 22 سبتمبر ،2004 وبعد أقل من ثلاثة شهور علي صدور هذا البيان قامت "كفاية" بأول أنشطتها الجماهيرية، حيث قامت في 12 ديسمبر 2004 بتنظيم مظاهرة اليوم العالمي لحقوق الانسان أمام دار القضاء العالي. وكانت هذه المظاهرة هي أول تعارف بين الرأي العام المصري والعربي والعالمي وبين هذه الحركة الاحتجاجية الفريدة من نوعها. وبمناسبة مرور سنتين علي تأسيس "الحركة المصرية من أجل التغيير" - الشهيرة بحركة "كفاية" - أصدرت الحركة كتابا وثائقياً عكف علي تحريره أحد مؤسسيها وأحد أبرز نشطائها، المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، وكتب مقدمته منسقها العام جورج اسحاق، وحمل الكتاب عنواناً تمهيدياً أدبيا هو "رفة الفراشة" وعنوانا رئيسياً تقريريا هو "كفاية.. الماضي والمستقبل". والعنوان التمهيدي مستوحي من أدب ديفيد ثورو الذي قال: "خفيفة هي الفراشة لكنها عميقة جداً بدلائلها تطير بحذر وتحط بحذر لكنها تدير حواراً جميلا علي الهواء فيضطر معها أن يكون خفيفا عليها إنها سيدة الهواء وهو بلاشك قابل بهذه السلطة الجميلة" وليست المسألة مجرد استلهام لأبيات من قصيدة، فها هو أحمد بهاء الدين شعبان يفسر التأثير الذي أحدثته "كفاية" في مصر بنظرية "تأثير الفراشة" Butterfly effect وهي النظرية التي يقول إنها برزت في السنوات القليلة الماضية لتفسير ظواهر الترابطات والتأثيرات المتبادلة، والمتواترة، التي تنجم عن حدث أول، قد يكون بسيطاً ورهيفاً في حد ذاته، لكنه يولد سلسلة متتابعة من النتائج والتطورات المتتالية، والتي يفوق حجمها حدث البداية، وبشكل قد لا يتوقعه أحد، أو يتنبأ بحدوثه انسان، وفي أماكن أبعد ما يكون عن التوقع وهو ما عبر عنه مفسرو هذه النظرية بشكل تمثيلي يقول ما معناه ان رفة جناحي فراشة في الصين قد تتسبب عنها فيضانات وأعاصير ورياح هادرة في أبعد الأماكن.. أمريكا أو أوروبا أو بلدان عالمنا الثالث علي سبيل المثال. وبصرف النظر عن أن نظرية "تأثير الفراشة" برومانسيتها، ليست فوق مستوي الجدال، فإن أحمد بهاء الدين شعبان يطبقها علي مسيرة حركة "كفاية" التي لم تكن وقت انطلاقها تملك ما كانت تملكه الأحزاب السياسية القائمة مما يوصف بالمشروعة، ولا كانت تملك مقدرات هذه الأحزاب أو مقارها، أو جرائدها ومنابرها الأخري، وهي كذلك لم تضم في عضويتها الآلاف المؤلفة التي ضمتها عضوية جماعة الاخوان المسلمين علي سبيل المثال أو كان لديها امكاناتها المادية الهائلة، أو شعارها التعبوي "الإسلام هو الحل"، وهي أيضا لم تكن تملك جهاز الدولة وقدراتها وإعلامها وسلطاتها التي كانت يملكها الحزب الوطني الديموقراطي.. ومع هذا فعلت حركة "كفاية" ما لم يفعله كل هؤلاء مجتمعين: استطاعت أن تهز ركود مجتمع ران عليه الجمود حتي كاد يدخل في غيبوبة أبدية وتسببت رفة جناحي "فراشة كفاية" في إيقاظ قطاعات متعاظمة من المجتمع وحفزها علي الحركة، كالقضاة وأساتذة الجامعات والصحفيين والادباء وبنفس الطريقة التي تجعل رفة جناحي الفراشة الصينية الرهيفة قادرة علي الدفع بالامواج العاتية الي اجتياح أبعد الحدود. وبصرف النظر أيضا عن مضمون هذا التشبيه ومدي صحته فإنه من حق حركة "كفاية" أن تحتفل باعتزاز بعيد ميلادها الثاني لانها حققت في هذين العامين -وهي فترة قصيرة جدا- انجازات مهمة اشار جورج اسحاق الي بعضها في مقدمته لهذا الكتاب الوثائقي المهم، منها: * ان الحركة استطاعت ان تصبح مركزا لحالة من الصخب والحراك السياسي كسر حاجز الصمت وأحدث ثقبا في جدران ثقافة الخوف واعطاء قوة دافعة لثقافة التعبير من خلال حق التظاهر المصادر منذ عقود. * ساهمت "كفاية" في إثارة الحماس والرغبة في بناء مؤسسات سياسية شعبية مستقلة برز نشاط بعضها بالفعل علي ساحة العمل العام والاجتماعي مثل حركة 9 مارس الداعية إلي استقلال الجامعة والحرية الاكاديمية. * رفعت "كفاية" سقف النقد والمطالب السياسية. * استطاعت "كفاية" ان تعيد الاعتبار الي الكفاح الديمقراطي السلمي بعد أن تمت مصادرته عبر اكثر من خمسين عاما وبعد ان أصبح عنف التنظيمات الراديكالية التي ترفع الشعارات الإسلامية يبدو انه الطريق الوحيد رغم فشله ورغم ما خلفه من ضحايا والآلاف من المعتقلين. * دفعت حركة "كفاية" الوضع السياسي الراكد في احزاب المعارضة إلي مزيد من النشاط استجابة أو ردا.