لم تعد المساكن مجرد أماكن للاقامة وانما اصبحت اصولا ذات دور اقتصادي متزايد، ولهذا السبب بدأت مجلة "الايكونوميست" عام 2002 نشر مؤشراتها العالمية لأسعار المساكن لكي تتابع اكبر انتعاش للأسعار شهده هذا القطاع - قطاع الاسكان - في تاريخه كله علي المستوي العالمي. ورغم ان الانباء القادمة من أمريكا تشير إلي اننا ربما كنا بصدد انخفاض غير مسبوق في أسعار المساكن الا أن أخبار المساكن في باقي العالم تشير إلي أن أسعارها مازالت في صعود. لقد اصابت البرودة قطاع الاسكان الامريكي حيث تقول الارقام ان متوسط الزيادة في أسعار المساكن الأمريكية لم يتجاوز 1.2% في الربع الثاني من العام الحالي وهو اقل معدل زيادة منذ عام 1999 وربما يكون العام الماضي قد شهد ركودا حادا في معدل نمو قطاع الاسكان منذ عام 1975 الا ان أسعار المساكن زادت بنسبة 10.1% في المتوسط من العام الذي سبقه وتعتبر هذه الأرقام التي نشرها المكتب الفيدرالي للاشراف علي مشروعات الاسكان (OFHEI) أصدق من أرقام الرابطة الوطنية لسماسرة المساكن NAR التي قالت ان الزيادة في أسعار المساكن لم تتجاوز 0.9% خلال العام الأخير حتي يوليو 2006. والمشكلة الحقيقية هي ان اعداد الارقام يحتاج إلي وقت ولذلك فإن تطورات أسعار المساكن في الربع الثالث من هذا العام لن تنشر الا في ديسمبر القادم وهي أرقام يتوقع ان تكون اضعف كثيرا من ارقام الربع الثاني، فهناك رقم قياسي من المساكن التي لم تجد مشتريا وهو الأمر الذي سيقود الأسعار إلي الانخفاض بمعدل قد يصل إلي 5% في العام القادم علي حد تقدير بورصة شيكاغو ميركنتايل اكستشينج. اما خارج أمريكا فإن مؤشرات اسعار المساكن تتجه إلي أعلي في عشر دول من العشرين دولة التي يتابعها مؤشر الايكونوميست لأسعار المساكن العالمية ولا وجود لظاهرة انخفاض الأسعار - بعد أمريكا - الا في كل من اسبانيا وهونج كونج وجنوب افريقيا، أما الدول العشر التي تتصاعد فيها أسعار المساكن فإن تصاعدها يتم بمعدل ذي رقمين في حين كان التصاعد بمعدل ذي رقمين يتم في العام الماضي في 7 دول فقط. واذا أخذنا سوق المساكن الأوروبي فسنجد أن الدنمارك وبلجيكا وايرلندا وفرنسا والسويس تتصدر قائمة الارتفاعات وحتي السوق الألماني بدأ النشاط يدب فيه من جديد بعد عام من التراجع الجزئي للأسعار، ويري بعض الاقتصاديين ان سوقي بريطانيا واستراليا سبقا السوق الامريكي إلي الانخفاض، فالزيادة في أسعار المساكن في السوقين هطبت من 20% في عام 2003 لتصبح صفراً في الصيف الماضي. ومع ذلك فإن سوقي بريطانيا واستراليا عادا إلي النهوض ففي أستراليا زادت أسعار المساكن بمعدل 6.4% في العام الأخير وفي بريطانيا بلغت الزيادة في أسعار المساكن هذا العام 6.6% عن العام الذي سبقه. وربما كان ما يثير الجدل في الحالة الأمريكية هو أن انتعاش قطاع الاسكان قد ساهم مساهمة كبيرة في دفع معدل النمو الاقتصادي خلال السنوات الاخيرة اعتماداً علي الزيادة في إنفاق المستهلكين، وهبوط قطاع الاسكان الأمريكي سيعني بالضرورة تراجع معدل النمو الاقتصادي. ويمكن القول أن الارتفاع النسبي لمعدل الادخار الضروري في بريطانيا قد حمي الاقتصادي البريطاني من الآثار السلبية للهبوط في أسعار المساكن اما في استراليا فقد جاءت الحماية من الارتفاع الذي حدث في أسعار المواد الخام والزيادة الكبيرة في صادراتها خصوصا إلي الصين في حين ان النمو الامريكي سيكون ساحة مستباحة للتأثيرات السلبية الناجمة عن الانكماش في قطاع المساكن. وتري مجلة "الايكونوميست" انه من قبيل الخداع ان تتحدث عن هبوط آمن لأسعار المساكن في استراليا وبريطانيا، فأسعار المساكن في البلدين لا تزال تزيد والسوق لم يهبط بعد، وتشير الأرقام إلي أن أسعار المساكن لا تزال مقومة بأكثر من قيمتها في كل من بريطانيا واستراليا بنسبة تبلغ 35 - 50% في بريطانيا ونحو 20% في استراليا أما في أمريكا فإن أسعار المساكن لا تزال مقومة بأكثر من قيمتها بنسبة 50% هي الأخري ولذلك كله فإن الحديث عن هبوط آمن للأسواق حديث سابق لأوانه حيث لا تزال هناك مسافات كبيرة يتعين هبوطها قبل الوصول إلي أرض صلبة ولكن هذا لا ينفي ان أسعار المساكن تتراجع في السوق الأمريكي في حين انها لا تزال تصعد بوضوح في باقي الأسواق.