العلاقة بين الإرهاب والإعلام.. علاقة معقدة.. وتعقد هذه العلاقة نابع من عدد من العوامل. العامل الأول: أنه ليست هناك "أحادية إعلامية" إذا جاز التعبير، بل توجد "تعددية" هائلة، سواء من حيث تنوع "وسائل" الإعلام، مكتوبة ومسموعة ومرئية، أو من حيث تنوع "رسائل" كل من هذه الوسائل، وتنوع موقف هذا العدد الكبير من "الوسائل" و"الرسائل" من الظاهرة الإرهابية. حيث تختلف مواقفها من تعريف الإرهاب أصلاً، فما تعتبره هذه الصحيفة عملاً إرهابياً قد تنظر إليه صحيفة أخري علي أنه عمل من أعمال المقاومة الوطنية. وما تعتبره هذه القناة الفضائية دفاعاً عن النفس قد يكون في نظر قناة أخري عملاً من أعمال العدوان.. إلخ. العامل الثاني: التداخل بين وظيفة الاعلام في التغطية الخبرية والتحليلية للعمليات الإرهابية وبين الترويج المقصود أو غير المقصود للإرهابيين وأفكارهم (حتي من خلال نقد هؤلاء الأشخاص وتفنيد مقولاتهم وتسليط الضوء علي المسكوت عنه في أجنداتهم). العامل الثالث: أن جانباً رئيسياً من التأثير الذي يريد الإرهاب تحقيقه جانب إعلامي بالدرجة الأولي، أو ما يسمي ب"دعاية العمل المباشر". ولذلك تحرص المنظمات الإرهابية علي أن تكون لها علاقات مباشرة وغير مباشرة، وقنوات مفتوحة مع هذه أو تلك من وسائل الإعلام لتنشر من خلالها بياناتها وتفاصيل عملياتها، وشروطها في بعض الأحيان، وغير ذلك من صور الدعاية مثلما نري من حرص تنظيم القاعدة علي إذاعة رسائل كاسيت أو فيديو من خلال كبريات الفضائيات كالجزيرة مثلاً. أضف الي ذلك اختراق المنظمات الإرهابية لبعض وسائل الاعلام لبث دعاياتها بصورة غير مباشرة من خلال البرامج التحليلية والحوارية والدفاع عن "منطقها" بصور متعددة.. صريحة ومبطنة. ناهيك عن أن ثورة المعلومات أتاحت للمنظمات الإرهابية وسيلة ذهبية لم تكن متاحة من قبل، وهي شبكة الإنترنت التي استطاع الإرهابيون أن يصولوا ويجولوا فيها وينشئوا مئات بل وآلاف المواقع الالكترونية التي يبثون أفكارهم وأخبارهم من خلالها دون رقيب أو حسيب، دون حواجز أو حدود جغرافية أو سياسية، حيث أصبحت هذه الصحافة الالكترونية قادرة علي الوصول إلي سائر أنحاء الكرة الأرضية بالكلمة والصوت والصورة الفوتوغرافية وصورة الفيديو. العامل الرابع: إن استخدام الاعلام، واستغلال وسائله وكوادره ومجالاته ونفوذه، يصبح أكبر بكثير من كل ما سبق في حالة "إرهاب الدولة". ففي هذه الحالة الأخيرة لا نكون بصدد محاولات "اختراق" أو "تسلل"، وإنما نكون إزاء توظيف مباشر، حتي للإعلام "المستقل" و"الخاص"، لأن من يقوم بالعمل الإرهابي هو الدولة ذاتها. وهذا ما رأينا تجلياته في كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل بالذات بصورة كبيرة، وفظة، في معظم الأحيان. حيث دأبت معظم وسائل الاعلام علي تبرير كل فظائع إرهاب الدولة ومحاولة تزييف وعي الرأي العام وقلب الحقائق وخلط الأوراق ولوم الضحية وتبرئة الجاني. وقد ثبت مؤخراً أن بعض الدوائر الرسمية -وبالذات الإدارة الأمريكية- لم تتورع عن كتابة مقالات تبرر جرائم عمليات إرهاب الدولة التي تقوم ضد هذا الشعب أو ذاك، والدفع بهذه المقالات الي كتاب محليين، من أبناء هذا الشعب المضطهد الذي يتعرض لإرهاب الدولة، وحثهم علي نشرها في صحافتهم "الوطنية" موقعة بأسمائهم (مقابل مكافأة مالية بطبيعة الحال!). فإذا وضعنا في الاعتبار كذلك أن التعبئة الاعلامية حقيقة أساسية تعاني منها وسائل الاعلام في معظم الدول النامية والعالم الثالث، حيث أكثر من 80% من المادة الاعلامية هي بمثابة اعادة إنتاج لمواد "مستوردة" من دول "المركز"، فان لنا أن نتصور مدي قدرة الدول الكبري التي تمارس إرهاب الدولة -وبالذات الولاياتالمتحدة- علي استغلال الاعلام في محاولاتها المستميتة لتسويق عملياتها الإرهابية وتبييض وجهها. يضاف إلي ذلك أن هذه الدول الكبري لم تكتف بكل ما سبق وإنما لجأت في السنوات الأخيرة إلي إقامة فضائيات تليفزيونية موجهة إلي منطقتنا وتتحدث باللغة العربية لكي تضمن الاتصال المباشر بالناس (مثلما هو الحال بالنسبة لقناة الحرة التليفزيونية الامريكية ومن قبلها إذاعة "سوا" الأمريكية كذلك). بل إن وزارة الخارجية الأمريكية لم تتورع عن كشف النقاب عن برنامج ميزانيته بملايين الدولارات لدعم إعلام "صديق" لها في العالم العربي. وكل ما سبق يصب في خانة توفير إمكانيات هائلة للدفاع عن أحد أخطر أشكال الإرهاب، ألا وهو إرهاب الدولة.