ودعت مصر كاتبنا الكبير نجيب محفوظ وداعا يليق بتاريخه وعطائه ودوره في حياتنا الثقافية، كان في مقدمة هذا الوداع المهيب مشاركة الرئيس مبارك في الجنازة العسكرية التي حملت نجيب محفوظ بكل العرفان والتقدير الي مثواه الاخير.. ولا شك ان مشاركة الرئيس في الجنازة كانت لفتة طيبة وكريمة من الدولة ومن الرئيس شخصيا لرمز كبير من رموزنا الثقافية.. وكان حزن المصريين علي محفوظ حزنا صادقا ونبيلا ابتداء بالاعلام المصري الذي واكب الحدث بكل العرفان والتقدير وانتهاء بمشاعر الحارة المصرية التي اعطاها نجيب محفوظ عمره وحياته بكل سخاء وتجرد.. ولا شك ان خسارتنا في نجيب محفوظ خسارة كبيرة.. انه آخر رموز جيل ثورة 19 وهو لا يمثل تاريخ كاتب عظيم فقط ولكنه يمثل جيلا رائعا وضع اسس الثقافة الجادة والفكر المستنير والابداع الراقي في تاريخ هذه الامة.. ولهذا ودع العالم العربي نجيب محفوظ علي اساس انه عميد الادباء العرب واكثرهم تأثيرا واكبرهم رصيدا علي المستويين العربي والعالمي.. لقد كان نجيب محفوظ فخرا للعرب جميعا ولم يكن لمصر وحدها.. وما احوجنا الان ان نراجع تاريخ نجيب محفوظ وقد استكمل صفحات حياته لان فيها دروسا كثيرة.. هناك دروس في الاخلاص للعمل والاخلاص للوطن والاخلاص للابداع.. كان نجيب محفوظ راهبا في مملكة ابداعه الروائي ولم يبخل بعمر او شباب او شيخوخة.. وظل يعطي الرواية العربية حتي آخر ايام حياته.. وقد اخلص نجيب محفوظ لقضايا وطنه وعاش همومه بكل الصدق واخذ موقعه دائما مع البسطاء من ابناء الوطن مدافعا عن حقهم في الحرية وفي حياة كريمة.. واخلص نجيب محفوظ لابداعه الروائي وكان حريصا علي ان يطور اسلوبه وكتابته ومعالجاته وقضاياه وفي كل مرحلة من مراحل ابداعه اضاف الكثير من حيث اللغة والقضايا والشخصيات وكان دائما يتحدي نفسه من اجل الوصول الي ابداع افضل.. يجب ان نعلم ابناءنا في المدارس درس نجيب محفوظ وحياته، لان مثل هذه النماذج الرفيعة من البشر ينبغي ان تبقي سيرتها للاجيال القادمة حتي تتعلم منها.. وسوف يبقي ادب نجيب محفوظ وتبقي حياته قدوة لكل عشاق الابداع الجميل.