يبحث الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن وألمانيا هذا الأسبوع الرد علي المذكرة الإيرانية حول استمرار طهران في تخصيب اليورانيوم. وكانت ردود الفعل الأولية لكل من واشنطن وباريس وبرلين هي ان الجواب الإيراني علي عرض القوي الكبري غير مرضٍ. واشار السفير الأميركي لدي الأممالمتحدة جون بولتون الي احتمال فرض عقوبات اقتصادية علي إيران، إلا أن نائب رئيس الوزراء الروسي سيرغي ايفانوف قال إنه من الباكر الحديث عن عقوبات وإن أجدي الوصول الي تسوية سياسية. من جانبه، حذّر وزير الخارجية الإيراني من أن سعر النفط يمكن أن يرتفع إلي 200 دولار للبرميل في حال فرض حصار نفطي علي بلاده .. هذا ما اوضحه تقرير لبورصة انفو. اذ يستبعد جداً في الوقت الحاضر، وحتي في المستقبل المنظور، أن يفرض مجلس الأمن عقوبات نفطية علي إيران. فمسلسل المفاوضات طويل ويتوقع أن يمتد إلي الصيف المقبل. وقد استوعبت الأسواق الدولية هذه الرسالة، فاستقرت أسعار النفط في الأسبوع الماضي.إن أسلوب الولاياتالمتحدة في معالجة الملف النووي الإيراني، علي عكس تعاملها المتفرد مع حليفتها بريطانيا مع الملف العراقي في عام 2003، هو التعاون المتعدد الأطراف في معالجة الأمر ومحاولة الوصول الي موقف دولي موحد في مجلس الأمن. كما أن مصالح الدول الصناعية تفرض عدم إدراج النفط علي جدول الأعمال في الصراع الحالي، علي الأقل في الوقت الحاضر. فعلي رغم وجود مخزون استراتيجي عند الدول الصناعية الغربية يزيد علي ثلاثة بلايين برميل، وعلي رغم أن هذا المخزون مضافاً الي الطاقة الإنتاجية الفائضة عند دول "أوبك" يستطيع تعويض صادرات النفط الإيراني (2.50 مليون برميل يومياً)، فإن الأسواق ستضطرب والأسعار سترتفع في حال فرض حصار نفطي، ليس الي مستوي 200 دولار كما صرح الوزير الإيراني، بل الي أعلي من 70 دولاراً التي هي عليه الآن. إذاً، ما الذي يمكن توقعه في حال قرر مجلس الأمن فرض عقوبات اقتصادية - الآن أو في الأشهر المقبلة؟ هناك احتمال فرض حظر علي المواد ذات الاستعمال المزدوج والتي يمكن أن تستعمل في تخصيب اليورانيوم. كما يحتمل فرض قيود علي سفر كبار المسؤولين الإيرانيين وتجميد حساباتهم في الخارج. وماذا عن النفط والغاز؟ يمكن اعتبار تطوير حقل غاز "جنوب بارس"، والذي هو امتداد لحقل "غاز الشمال" القطري، هدفاً مبكراً للعقوبات. ومحتمل أن تشمل العقوبات الاتفاقات الجديدة فقط، وذلك لوجود مصالح لشركات اوروبية وآسيوية في الحقل البحري العملاق في الوقت الحاضر. هذا يعني تأخير انشاء مشاريع جديدة للغاز الطبيعي. وهذا الأمر حيوي لإيران بالذات لأن هذا الغاز يستعمل في الحقن لزيادة الضغط والإنتاجية في الحقول النفطية القديمة. كما أن إيران، التي تملك ثاني احتياط غاز في العالم، تتطلع لتصبح دولة مصدرة للغاز المسال. وهناك كذلك امكان فرض حصار علي المشتقات البترولية، خصوصاً البنزين، الذي تستورده إيران. ومشكلة ايران أنها، مثل دول كثيرة منتجة للنفط، تبيع المشتقات البترولية بأسعار بخسة علي الصعيد المحلي، أقل بكثير من سعر الكلفة. ومن ثم فإن معدل استهلاك البنزين عالٍ جداً يفوق ما تنتجه المصافي الإيرانية. لذا علي ايران، التي تستهلك 420 ألف برميل يومياً من البنزين، أن تستورد نحو 200 ألف برميل يومياً من هذه المادة، أو تقريباً 48 في المئة من استهلاكها الإجمالي، لتعويض النقص الحاصل لديها. فهل يستطيع مجلس الأمن وقف هذه الشحنات؟ نعتقد ان هذا الأمر صعب، إذ من الممكن تهريب كميات لا بأس بها عن طريق البر والبحر، كما بينت التجارب السابقة، ناهيك عن تقنين الاستهلاك، وهذا ليس صعباً علي ايران. هل هناك عقوبات نفطية اخري يستطيع مجلس الأمن أن يفرضها علي ايران؟ طبعاً هناك امكان منع تطوير حقول نفطية جديدة. لكننا نستبعد أن يتخذ المجلس خطوة من هذا النوع. فقد دلت التجارب السابقة علي أن تأخير تطوير الحقول النفطية يتسبب في تقليص الطاقة الانتاجية لدي دول "أوبك"، ما يرفع الاسعار اكثر. كما أن عقوبات من هذا النوع تتعارض مع مصالح دول كبري لها شركات تتفاوض علي عقود مهمة، ما يعرقل الإجماع في اتخاذ القرارات. وفي حال ايران، هناك المفاوضات مع شركة "اينبكس" اليابانية حول حقل "ازاديغان"، و"سينوبيك" الصينية حول حقل "يادارفان"، اللذين يتوقع أن ينتجا في العقد المقبل نحو 600 ألف برميل يومياً. أين الخطر علي صناعة النفط الايرانية اذا كان مجلس الأمن لا يستطيع ان يفرض حصاراً نفطياً عليها كما حصل في العراق؟ إن الخطر هو في إحجام الشركات النفطية الدولية عن الاستثمار في ايران، في وقت تخسر فيه ايران سنوياً نحو 300 ألف برميل يومياً من طاقتها الانتاجية نظراً الي استنزاف حقولها القديمة وصعوبة تركيبة مكامنها. ومفيد التذكير بأن طاقة ايران الانتاجية في نهاية عهد الشاه كانت نحو ستة ملايين برميل يومياً، بينما طاقتها الانتاجية اليوم أربعة ملايين برميل يومياً، أي أنها خسرت مليوني برميل يومياً لم تستطع تعويضها. معني ذلك أن السلطات البترولية لم تستطع طوال أكثر من ربع قرن رفع الطاقة الانتاجية الي المستوي السابق. والسبب في ذلك فترة اهمال الصيانة الطويلة أثناء الحرب العراقية - الايرانية، والقوانين المتشددة التي شُنت ضد الاستثمارات الأجنبية في قطاع النفط.