دخل السيد جمال مبارك الأمين العام المساعد للحزب الوطني وأمين لجنة السياسات تحديا جديدا حين فتح ملف التأمين الصحي في مصر ووجه انتقادات حول قصور هذا النظام وتدني مستوي الخدمة وغياب الأسس الاقتصادية في إدارته. وباقتحام السيد جمال مبارك لهذا المجال الشائك يكون قد بدأ في مخاطبة القضايا الجماهيرية بشكل جاد وفتح الباب أمام مزيد من الاهتمام الشعبي بخطواته وتحركاته. فمن قبل كان له مشروع اسكاني طموح من خلال جمعية المستقبل التي يرأسها، والآن فان الاهتمام بالصحة يعني انه ينتقل بالحزب الوطني الي مرحلة جديدة يعالج فيها الحزب قصور بعض السياسات الحكومية التي نجم عنها ملفات مستعصية الحل كما في مجال الصحة. ويستطيع السيد جمال مبارك بتبني قضايا جماهيرية مثل الاسكان والصحة وتطوير التعليم والبطالة أن يعيد وضع الحزب الوطني علي خارطة التأثير الشعبي بعد أن شهدت الفترة الماضية تباعدا بين الحزب والقواعد التحتية، وهي قضايا تتيح أيضا للرأي العام التعرف علي جوانب جديدة في شخصية أمين لجنة السياسات وتقربه بشكل أفضل من المواطن واهتماماته ويكون قريبا من فكره وواقعه. فالواقع أن لجنة السياسات بالحزب الوطني التي تمثل العقل المفكر للحزب تضم الصفوة والنخبة من المفكرين وأساتذة الجامعات وهي لجنة ضرورية واساسية لأي حزب لوضع التصورات والخطط اللازمة ولكنها تفتقر الي وجود القيادات الشعبية القادرة علي الوصول إلي الجماهير والتحاور منها بلغتها وبمفاهيمها. لقد كان من بين الانتقادات التي توجه الي هذه اللجنة علي سبيل المثال انها لا تضم الا الأغنياء والقادرين والبعيدين عن الشارع والفقر وهمومه وهؤلاء يتحدثون بلغة فوقية تنظيرية بعيدة عن الواقع والممارسة الفعلية. وهو انتقاد فيه من الصحة الكثير ولكنه انتقاد افتراضي بحت فليس صحيحا ان الفقراء لا يستطيع ان يعبر عنهم إلا من كان فقيرا مثلهم يعاني من نفس مشاكلهم وان المريض لا يعبر عنه إلا المريض لاننا لو افترضنا ذلك دائما فان هذا يعني ألا نتحدث مثلا عن الموت وعن قضايا كثيرة لم نجربها في حياتنا، فليس مطلوبا من كل شخص قبل الحديث في قضية أن يكون طرفا فيها لأننا بذلك نلغي لغة العقل والمنطق والقياس والتاريخ. فمن المؤكد أن من أولويات لجنة السياسات والحزب الوطني هو العمل علي حل مشاكل المواطنين المزمنة من أجل الحصول علي الشعبية المطلوبة للحزب لضمان الأغلبية الدائمة في البرلمان والبقاء في السلطة والمؤكد أيضا أنهم يسعون في ذلك مثلما بدأوا في مخاطبة قضية التأمين الصحي، ولكن ما نتحدث عنه هو غياب التواصل بينهم وبين الجماهير فالخطوط متباعدة أو اللغة غير مفهومة، والتوعية الإعلامية ضعيفة وغير مؤهلة ولذلك تظل السلبيات هي الظاهرة الأوضح لدي الجماهير، وتبقي الايجابيات غائبة وغامضة أمام أعينها. وحتي الذين تطوعوا لكي يؤدوا الدور الإعلامي المطلوب لترجمة هذه السياسات كانوا من الاندفاع بحيث دخلوا في معارك جانبية عديدة والتفتوا إلي تصفية حساباتهم بسيف الحزب والسلطة فأدخلوا الحزب الوطني وشخصياته أطرافا في معارك لا علاقة لهم بها وأفقدوهم الكثير من رصيدهم الذي يحاولون بناءه لدي الجماهير. وأخطأ هؤلاء عندما تعاملوا أيضا مع السيد جمال مبارك علي أنه ابن الرئيس أو الرئيس القادم فأثاروا حساسيات ذات طابع معين، ولم يتعاملوا معه كشاب طموح دخل مجال العمل العام وخدمة المواطنين محاولا اضافة فكر جديد علي حركة الحزب الوطني من خلال لجنة للسياسات تدرس الأمور بعقلانية وهدوء وهو أمر يحسب له وكان يجب أن يظل التعامل معه في هذا النطاق حتي لا يصبح هدفا لحملات شخصية تابعنا كيف خرجت عن نطاق المألوف واستخدمت لأغراض أخري لاعلاقة لها بما يؤديه من عمل أو ما يبذله من جهد. وفي اعتقادنا فان هناك مهمة أساسية للسيد جمال مبارك لبناء التواصل المطلوب مع الجماهير من خلال تنقية الحزب الوطني من الداخل من الكثير من العناصر التي أساءت للحزب والتي رأت في الالتحاق بالحزب بابا ملكيا للوصول الي أعلي المناصب وهي عناصر استغلت موقعها الحزبي وقربها من أبواب السلطة في تحقيق الكثير من المكاسب التي ارتبط بعضها بالفساد أو بالتربح غير المشروع. وإذا ما نجح السيد جمال مبارك في عملية إعادة بناء الحزب الوطني من الداخل علي أسس وطنية وموضوعية فانه بذلك سيفتح الطريق أمام قيادات شعبية جديدة أكثر قدرة علي مخاطبة الجماهير والالتحام بها وأكثر فائدة للحزب لتحقيق وتنفيذ سياساته واكثر قدرة ايضا علي توصيل وايضاح وتفعيل الجوانب الايجابية التي لا يشعر بها أحد.. [email protected]