مرة أخري تطرح قضية السجون الطائرة والمعتقلات السرية التي اقامتها إدارة المخابرات المركزية الأمريكية. وكانت أوساط إعلامية وبرلمانية أوروبية قد أشارت إلي أكثر من 400 رحلة لطائرات المخابرات الأمريكية حملت متهمين بالارهاب ونقلتهم إلي سجون خاصة متواجدة في بعض الدول الأوروبية أو إلي بعض السجون في العراق وأفغانستان وبعض دول الشرق الأوسط. ويقول المجلس الأوروبي لحقوق الإنسان في تقرير نشر مؤخراً وأثار ضجة واسعة أن أكثر من 20 دولة أغلبها أوروبية تواطأت مع شبكة عنكبوتية عالمية من السجون السرية التابعة لوكالة المخابرات المركزية وقامت بعمليات نقل لمعتقلين مشتبه في تورطهم في أعمال ارهابية. ويؤكد التقرير الأخير لمجلس حقوق الإنسان في أوروبا أن 14 دولة تعاونت مع "سي آي ايه" في نقل المعتقلين، كما أشار إلي احتمال وجود معسكرات أو مراكز اعتقال في بولندا ورومانيا وأنه منذ 2001 جرت ما يقرب من ألف رجلة كما أن هناك دولا في الشرق الأوسط وفي آسيا الوسطي تفاونت مع شبكة المخابرات الأمريكية. والتقرير الذي يقع في 65 صفحة وجه اتهامات صريحة إلي دول مثل بولندا ورومانيا بإدارة معتقلات سرية علي اراضيها تابعة للمخابرات الأمريكية كما أن دولا مثل تركيا وقبرص واسبانيا واذربيجان شاركت في عمليات نقل غير مشروعة للمعتقلين بينما كان هناك تعاون نسبي في بريطانيا واسبانيا وألمانيا وتركيا والبوسنة كما كانت القاهرة وعمان وإسلام أباد والرباط وطشقند وكابول والجزائر محطات لعمليات نقل المعتقلين. وقد دفع التقرير عددا من أعضاء البرلمان الأوروبي في ستراسبورج إلي المطالبة بضرورة اجراء تحقيقات جادة حول هذا الموضوع والمطالبة بمعاقبة الدول الأوروبية والمسئولين الذين سمحوا للولايات المتحدة بإقامة معسكر اعتقال علي أراضيها وحرمانها من حق التصويت لفترة معينة اذا ثبت ضلوعها في هذا السلك الشائن. وكانت القضية قد بدأت منذ حوالي العام حين نشرت صحيفة دير شبيجل الألمانية أن رحلات جوية متعددة لطائرات تابعة للمخابرات الأمريكية عبرت الأراضي والأجواء الألمانية حملت معتقلين ومتهمين بالارهاب وهي طريقهم إلي بعض معسكرات الاعتقال الخاصة في العراق والشرق الأوسط وافغانستان وأشارت المجلة بشكل خاص إلي اختطاف مواطن ألماني من أصل عربي من مقدونيا حيث نقل إلي افغانستان للتحقيق معه في قضايا تتعلق بالارهاب وتنظيم القاعدة ثم ثبتت بعد ذلك براءته، واضطرت وزيرة الخارجية الأمريكية - كونداليزا رايس - أن تقدم اعتذارا رسميا عن ذلك وأبدت استعداد لولايات المتحدة لتعويض المواطن الألماني والعربي الأصل. وقامت ضجة كبيرة لم تهدأ بعد في أوساط الاتحاد الأوروبي خاصة في البرلمان الأوروبي وجمعيات حقوق الانسان حيث اعتبرت ما قامت وتقوم به الولاياتالمتحدة هو انتهاك فج لمواثيق حقوق الانسان الدولية والأوروبية حيث يجري تعذيب المعتقلين بشكل متصل الأمر الذي الحق أضراراً بالغة بسمعة الاتحاد الأوروبي. وكانت المفوضية السياسية الأوروبية في بروكسل قد أرسلت خطاباًَ رسميا إلي الخارجية الأمريكية تطالب فيه بعدد من التفسيرات والمعلومات حول هذه القضية، بينما شن عدد من صقور الادارة الأمريكية هجوما علي بعض القيادات الأوروبية خاصة في فرنسا وألمانيا وهولندا، واتهموا تلك الدول بأنها تتخذ موقفا يتسم بالشيزفرانيا والنفاق فيما يتعلق بقضية الارهاب العالمي. وكانت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية قد قامت بجولة أوروبية خصيصا لهذا الغرض في محاولة لشرح واحتواء الضجة أو التخفيف منها شملت رحلتها محطات أوروبية مهمة مثل برلين واورسو وبوخارست وكييف وانتهت في بروكسل حيث التقت بقيادات الاتحاد الأوروبي. وفي كل هذه المحطات الأوروبية المهمة حاولت رايس التأكيد علي أن أمريكا لم تنتهك القانون الدولي وسيادة بعض الدول الأوروبية، كما حاولت التأكيد أيضا علي أنه لم ترتكب جرائم تعذيب ضد المعتقلين أما فيما يتعلق بخرق سيادة الدول الأوروبية والشرق أوسطية التي مرت بها الطائرات الأمريكية الخاصة، ادعت وزيرة الخارجية الأمريكية أن ذلك أمر طبيعي حيث ان الطائرات المدنية بشكل عام غير مطالبة بإبلاغ الدول التي تمر بأجوائها أو تنزل في مطاراتها بأسماء الركاب وطبيعة المهمة. واضطرت رايس إلي تقديم اعتذارات وتنازلات حين اعلنت انه كانت هناك اخطاء تعمل الولاياتالمتحدة علي تداركها واصلاحها وضربت مثلا بخطف المواطن الألماني الجنسية والعربي الجذور واسمه خالد المصري وأكدت ان مثل هذه الاخطاء لن تتكرر مرة أخري. كما قدمت وزيرة الخارجية الأمريكية تعهدا أمام وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي بالتزام الولاياتالمتحدة بكل مواثيق الأممالمتحدة التي تنظم معاملة المسجونين والمعتقلين كما أعلنت موافقتها علي الاقتراح الذي تقدمت به بعض الدول الأوروبية بضرورة اخطار الصليب الأحمر والهلال الأحمر فور اعتقال أي مشتبه اضافة إلي التأكيد بألا تتجاوز فترة الاعتقال 96 ساعة يسلم بعدها المعتقل إلي سلطات التحقيق القانونية والمعنية. ويشكك الكثيرون في الأسباب الحقيقية للاتفاق الذي عقدته وزيرة الخارجية الامريكية مع الحكومة الرومانية لاقامة قواعد عسكرية وتسهيلات بحرية في نفس المواقع التي كانت تتواجد فيها قواعد حلف وارسو ويفسر هؤلاء هذه الاتفاقية بأنها محاولة لاعطاء شرعية المعتقلات الأمريكية ضد المشتبه فيهم كأرهابيين أسوة بمعتقل جوانتنامو الشهير والمتواجد في قاعدة عسكرية أمريكية علي الأراضي الكوبية. ومن الواضح أن تلك الفضيحة الجديدة والمثقلة اضافة إلي انتحار عدد من المعتقلين في معتقل جوانتنامو سييء السمعة وأيضاً القوانين الاستثنائية التي تعطي للسلطة التنفيذية حقوقا واسعة في الاعتقال والاستجواب والتعذيب بعيدا عن الاجراءات القانونية وتحت دعوي محاربة الارهاب، كل ذلك يصب ولاشك في طاحونة القوي المعارضة للادارة الامريكية ويقلل من قوتها داخليا وخارجيا ويكشف التناقض الواضح من الشعارات التي ترفعها الولاياتالمتحدة حول الديمقراطية وحقوق الانسان وبين الممارسات الفعلية والعملية لها. وفي كل الأحوال فمازال الملف مفتوحا، ومازالت أسرار شبكة العنكبوت تكشف عن محتويات جديدة كل يوم تفضح الانتهاكات الامريكية المعارضة ضد حقوق الانسان وحقوق الأوطان.