المرور أصبح من الأزمات المزمنة في وسط المدينة حتي ان الوزارات المتعاقبة قد فشلت في حل هذه الأزمة فتكدس السيارات وكثافة المرور اصبح من السمات المميزة لشوارع وسط المدينة خاصة في شهر رمضان وفترات الصباح والظهيرة حيث موعد ذهاب وعودة الموظفين.. حتي أن القاهرة هي من أكثر عواصم العالم اكتظاظا.. فلم تجد الحكومة بدا من اتخاذ قرار نقل 13 وزارة الي مدينة 6 أكتوبر كحل أخير لتقليل الكثافة المرورية الخانقة، وعلي الرغم من الأصوات المؤيدة لهذا الحل علي اعتبار انه سيعيد الهدوء والنظافة لشوارع وسط المدينة الا ان هناك آراء أخري تري أن هذا المشروع سيؤدي الي كارثة محققة وخسائر مادية هائلة.. "الأسبوعي" سألت الخبراء حول هذه القضية، خاصة من ناحية الجدوي الاقتصادية ومدي تأثيرها علي جذب المستثمرين خاصة العرب والأجانب. لعل البعض يتذكر أحد التعليقات الصادرة من لجنة تنظيم كأس العالم عندما اعترضت شخصية في اللجنة علي اختيار مصر لتنظيم هذه البطولة وعللت ذلك بشدة الازدحام وفوضي الشارع وارتفاع نسبة التلوث نتيجة عوادم السيارات والازمة المرورية شبه الدائمة هذا عن أحد الآراء التي أدت الي صفر المونديال. ولا تختلف الصورة كثيرا بالنسبة للمستثمرين العرب والأجانب الذين يحسبون ألف حساب لمشكلة المرور قبل اتخاذ القرار الاستثماري في مصر.. فضياع الوقت يقدر بالمال لأن الوقت عند هؤلاء من ذهب، أما عندنا فلا ثمن له يذكر. ولأن المشروع الطموح لحكومة الدكتور نظيف يحاول ان يعيد للوقت قيمته فقد تصدي لمشكلة عمرها خمسون عاما، وتكررت المشروعات والدراسات التي حاولت تفريغ العاصمة ونقل المصالح الحكومية.. نذكر من بين الدراسات المميزة في هذا الاطار تلك التي قدمها مبكرا المهندس الراحل سيد كريم احد رواد العمارة المصرية والعربية. ولكن رغم الجدية التي يطرح بها المشروع هذه المرة وإرادة حكومة نظيف في تنفيذه إلا أن المخاوف كثيرة بعضها ناجم عن فشل مشروعات سابقة وبعضها الآخر مصدره إهدار أموال طائلة في تجارب سابقة مثل بناء المدن الجديدة التي لم تحل مشكلة السكن بقدر ما أهدرت أموال البنوك علي مشروعات ظلت شاغرة بدون سكان في ظل عدم ربطها بشبكة مواصلات. ومن الآراء المعارضة التي تتصدي بشدة لهذا المشروع د.سعد الدين عشماوي استاذ تنظيم النقل وعميد كلية التجارة جامعة الأزهر الاسبق والرئيس الفخري للجمعية العلمية العربية للنقل الذي يري أن هذا القرار يركز علي أعراض المشكلة وليس اساسها فالمشكلة في انخفاض كفاءة أداء الاجهزة والمؤسسات وتكدس تلك الوزارات والمؤسسات بالموظفين فبدلا من التفكير في توزيع الوزارات والاجهزة المركزية علي مدن الضواحي بالقاهرة لابد ان تؤخذ خطوات جادة لخفض حجم العاملين في ديوان كل وزارة او جهاز مركزي إلي العشر كما يؤكد ان نقل الوزرات سيؤدي إلي كارثة كبري وليس حل أزمة المرور كما يعتقد. يري عشماوي ان هناك تجارب سابقة فاشلة قامت بها الحكومة مثل قرار نقل بعض الوزارات لمدينة السادات الذي لم ينفذ نتيجة ما ظهر من مشاكل اذا تم ذلك مما أدي إلي آهدار مبالغ طائلة علي انشاء مباني تلك الوزارات ومن الصعوبة استغلالها في نشاط بديل وبشكل اقتصادي حيث انها مبان متخصصة أعدت لغرض محدد. ويلفت عشماوي الي وجود ثغرات وأمور غير واضحة في هذا القرار. حيث لم يتضح بعد أين سينتقل مجلسا الشعب والشوري والبنك المركزي ورئاسة مجلس الوزراء وهل سينقل ديوان محافظتي القاهرة والجيزة علي اطراف كلتا المحافظتين تبعا لنفس السياسة وينبغي ان ندرك أن دواوين الوزارات والأجهزة المركزية سواء حكومية أم قطاع اعمال وادرات عليا لشركات كبري أو لمؤسسات خدمية مثل البنوك وشركات التأمين والاستشارات هي أجهزة اقرار سياسات ووضع خطط واتخاذ قرارات ومتابعة تنفيذها وأداء هذه المهام كثيرا ما يتطلب الاتصال الشخصي المباشر لتبادل الآراء ومعرفة الاتجاهات والحصول علي معلومات، كما يقتضي التعامل المستمر بين تلك الأجهزة المركزية والادارات العليا من جهة والمنشآت والوحدات التابعة والمستقرة في مختلف ارجاء التجمع السكاني كما يتطلب التعامل مع بعض المنظمات الدولية والممثلين التجاريين والمراكز الاقليمية للشركات العالمية ومن البديهي ان تكون رئاسة مجلس الوزراء والوزارات المختلفة ومجلس الشعب والبنك المركزي والمؤسسات الاقتصادية والاجهزة الاستشارية ومراكز المعلومات ان تكون كل هذه الجهات علي اتصال شخصي سريع ومباشر.