أصحاب المعاش المبكر.. نصف مليون أسرة.. 2 مليون مواطن هم ضحايا إعادة الهيكلة والخصخصة. شريحة جديدة ظهرت في المجتمع المصري لتنضم الي طابور البطالة الطويل الذي يتجاوز في بعض الأرقام 8 ملايين شاب وفتاة.. وكأن المجتمع المصري تنقصه الهموم والمشاكل لتضاف اليه هذه "الوجيعة" المسماة بالمعاش المبكر. بدأت الحكومة في تطبيق نظام المعاش المبكر تنفيذا لبرنامجها السريع للخصخصة وفق اتفاقها مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عام 1991 ووضعت الحكومة قواعد جديدة للتقاعد المبكر وتشجيع العاملين بشركات قطاع الاعمال العام علي ترك الخدمة اختياريا قبل بلوغ سن الستين، وصدر قرار وزير قطاع الاعمال العام ووزير الدولة للتنمية الادارية وشئون البيئة بتنظيم تعويض العاملين اختياريا قبل بلوغهم الستين.. ويتضمن القرار حوافز مشجعة للعمال لاغرائهم بالتقاعد مبكرا. في البداية لم يحظ القرار بقبول وترحيب من قبل العمال.. وأحجم المستثمرون عن شراء شركات قطاع الاعمال العام واشترطوا ان يتم الاستغناء عن العمالة الزائدة قبل عملية الشراء. وتحركت الحكومة وتحول القرار من اختياري علي الورق الي اجباري في الواقع واتخذت الحكومة اساليب مختلفة لإجبار العمال علي اللجوء الي المعاش المبكر من تلك الاساليب انها قامت بالغاء الامتيازات والحوافز المقررة للعمال بحجة ان الشركات تحقق خسائر.. ومنها ايضا ضغوط مباشرة وغير مباشرة في محاولة لتضييق الخناق علي العمال بوضع العراقيل والمشاكل ونشر الخلافات بينهم وبين رؤسائهم وايجاد مناخ غير صحي ليضطر العمال الي تقديم استقالاتهم وتسوية معاشهم المبكر. والمقصود بالمعاش المبكر هو قرار يتخذه العامل بالتوقف عن العمل وخروجه من المنشأة قبل بلوغه سن الستين مما يؤدي لظهور شريحة اجتماعية جديدة تؤثر سلبا علي المجتمع خصوصا ان هذه الفئة لا تزال قادرة علي العطاء حيث تتراوح اعمارها ما بين 45 و55 سنة اي انها لاتزال في عمر العطاءوالوهج وتملك خبرات طيبة. ويخرج العامل بعد ان يحصل علي عدة ألوف من الجنيهات سرعان ما تتبخر في أغراض استهلاكية منها مساعدة ابنته في الزواج وتغييرالثلاجة وبعض أثاث البيت.. ثم يجلس صاحبنا ويصبح مصيره كمصير عواد الذي باع أرضه.. وتستقبل المقاهي ضيوفا جددا بالآلاف لينضموا إلي آلاف الشباب الجالسين علي المقاهي والأرصفة في انتظار "جودو" الذي لا يأتي. المعاش المبكر أكذوبة لجأت اليها الحكومة لكي تبيع شركاتها.. رغم ان هذا الاتجاه يزيد من اعداد العاطلين ويتنافي مع البرنامج الانتخابي للرئيس حسني مبارك. صحيح ان تجربة المعاش المبكر موجودة في كثير من الدول الاوروبية.. ولكنها تطبق من خلال دراسة شاملة تراعي الجانب الانساني للعامل، حيث تقوم بتوفير فرصة عمل اخري في مجال آخر يحتاج الي خبرته وتخصصه.. اي انه يمكن اعادة توزيع خريطة القوي العاملة في مصر. ولكن ان نعطي العامل مبلغا من المال ونقول له اخرج مبكرا وقد يكون المبلغ مغريا للعامل في البداية فهذا ليس بالحل الانساني ولكنه يوجد مشكلة ويزيد من اعداد العاطلين وتزداد نسبة جرائم النصب والاحتيال والسرقات والادمان. وقد ظهر ان هناك 11 الف حالة انتحار حدثت خلال عام واحد من خلال تقرير حديث صدر عن مركز السموم التابع لجامعة عين شمس ويبلغ متوسط اعمار المنتحرين في العام الماضي ما يتراوح بين 15 و25 سنة بنسبة 65% للإناث و35% للذكور.. وفسر الدكتور احمد المجدوب استاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية هذه الظاهرة باتساع الفجوة بين الآمال التي تداعب مخيلات الشباب والظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها في الواقع والتي تهدم امانيه ورغباته. ويري د.المجدوب ان الشباب لا يقتلون انفسهم، بل ان القاتل هو المجتمع خاصة عندما يحرمهم من فرص الحصول علي وظائف مناسبة. يجب اعادة النظر في برنامج المعاش المبكر ووضع حلول له كما يفعل الكثير من الدول.. لان النظام الحالي يفتقد الانسانية واضاف فئة جديدة لم تكن موجودة بالمجتمع المصري وتتزايد مع استمرار بيع شركات قطاع الاعمال العام. وقد اصدرت جمعية التنمية الاقتصادية والاجتماعية لاصحاب المعاش المبكر بالتعاون مع مركز البحوث العربية والافريقية ومركز خدمات المنظمات غير الحكومية دراسة وافية شاملة عن احتياجات اصحاب المعاش المبكر ويمكن للحكومة ان تستفيد من هذه الدراسة اذا رغبت في تحسين احوال هذه الفئة لانها تحتاج الي خدمات صحية وثقافية واجتماعية واقتصادية. ونأمل ان تنظر الحكومة نظرة انسانية منصفة الي العمالة الزائدة حيث لا ذنب لهم.. وان تراعي الجانب الانساني وان يكون موازيا للهدف الاقتصادي وهي تبيع شركاتها. ان اصحاب المعاش المبكر فئة مغلوب علي امرها فهل يمكن انصافها؟!