هل يمكن ان يكون الملف النووي الإيراني هو الذي دفع بوتين الي أن يوجه انتقادا لاذعا ولأول مرة الي أمريكا في خطابه السنوي الاسبوع الماضي؟ فلا شك أن الضغوط التي تمارسها امريكا علي روسيا كانت شديدة الوطأة خاصة بعد ان انبري ديك تشيني خلال زيارته للتوانيا مؤخرا - في توجيه انتقادات لاذعة الي روسيا حول تراجع الديمقراطية واتهامها بابتزاز الاَخرين بما تملكه من طاقة وكأن روسيا قد سئمت لغة ادارة بوش التي ما فتئت تمارس عليها ضغوطا سياسية شتي كي ترغمها علي تبني رؤاها بالنسبة لأكثر من قضية. تباين المواقف لقد تبنت روسيا منطقا مناهضا لامريكا مؤخرا في قضيتين.. الاولي موقفها من حكومة حماس فعلي حين تعمدت إدارة بوش عزلها وفرض حصار كامل حولها ومنع وصول أية مساعدات مالية لها بادرت روسيا باستقبال وفد حماس ثم مالبثت ان اعلنت تبرعها بعشرة ملايين دولار ادخلتها عبر الحقيبة الدبلوماسية. القضية الثانية الخاصة بملف ايران النووي، فلقد اتخذت روسيا موقفا معارضا لإدارة بوش عندما لم تدعم مشروع قرار بريطاني فرنسي تحت البند السابع الذي يجيز فرض عقوبات علي ايران واستخدام القوة العسكرية ضدها إذا لم توقف برنامجها النووي. الذئب الامريكي كأنما خرج المارد من القمقم، فلاول مرة يشرع فلاديمير بوتين في توجيه انتقادات لاذعة للولايات المتحدة عندما شبهها بالذئب الذي لايريد الاستماع الي احد والذي يتناسي خطاباته عن حقوق الانسان حين يدافع عن مصالحه. ويردف بوتين قائلا: ان الذئب يأكل ولا يستمع الي احد ولا نية لديه في الاستماع الي احد، فكل الكلام الذي كان يردده حول الدفاع عن حقوق الانسان والديمقراطية يختفي حين يتعلق الامر بالدفاع عن مصالحه الخاصة عندئذ كل شيء يصبح ممكنا ولا تعود هناك أية حدود.. لقد كان بوتين علي حق في كل ما قاله فأمريكا لايهمها غير تحقيق مصالحها ولاآدل علي ذلك مما فعلته بالعالم وكذبتها الفاضحة حول نشر الديمقراطية. ولقد رأينا ماحدث في العراق علي يد امريكا فهي لم تنشر الا الدمار والخراب والفوضي والفلتان الامني والابادة ولم تكرس الا الطائفية العرقية... رسالة بوتين! بوتين تحدث بلسان زعيم سئم الممارسات الامريكية وسلوك دولة تشعر بنفسها كقوة بطش بلا منافس ومن ثم تعطي لنفسها الحق في ممارسة الضغط علي الجميع بما في ذلك روسيا التي كانت تؤخذ من قبل في الاعتبار بوصفها قوة عظمي وكأنما اراد بوتين بخطابه السنوي ان يبعث برسالة لادارة بوش تذكر بان روسيا لن تذعن ولم تضعف وان عليها ان تدعم امكاناتها العسكرية للتصدي للضغوط السياسية. وتبدو الفجوة واسعة بين الدولتين بالنسبة للميزانية العسكرية فميزانية امريكا تفوق ميزانية روسيا بخمسة وعشرين ضعفا مما يرتب علي روسيا العمل لتعزيز قدراتها العسكرية لمواكبة ما يجري في العالم، وكذلك بناء جيش قوي لحمايتها ضد أية تهديدات محتملة ولمقاومة الضغوط السياسية من الخارج ولم ينس بوتين وهو يتحدث عن بلاده ان يحدد مهلة حتي الاول من يوليو المقبل - وهو الشهر الذي ستعقد فيه قمة الدول الثمانية الكبري - للانتهاء من عملية تحويل الروبل الي عملة قابلة للتداول دوليا بدلا من الدولار الامريكي. هناك فرق.. كانت كلمات بوتين ساخنة وتحمل الكثير من المعاني وتعكس حالة من المعارك الكلامية التي تثير تباينا في وجهات النظر بين دولة عظمي تهيمن علي العالم اليوم وتنتهز كل فرصة لاثبات سطوتها ودولة كروسيا تحاول اليوم استعادة مركزها في التعددية القطبية ومن ثم نجد بوتين يركز في خطابه علي ضرورة ان تكون روسيا اقوي مما هي عليه الاَن ورغم كلمات بوتين الحادة ضد امريكا التي سترفض بالقطع هذه اللهجة منطقا ومضمونا ورغم ان امريكا هي التي بدأت التصعيد الكلامي الذي اصبح مصدر قلق بالنسبة للامن والاستقرار العالميين الا ان هناك فرقا بين لهجتين.. اللهجة الامريكية التي عكسها تشيني بتصريحاته الفظة المشوبة بروح الازدراء والاحتقار لروسيا ورد بوتين الذي تحلي بالدبلوماسية والادب رغم صراحته ووضوحه. *ليست جمهورية موز... لابد لاي مراقب ان يفهم تصريحات بوتين في اطار ما يجري في المنطقة، فهناك التباين في وجهات النظر بين روسيا وامريكا بشأن العراق، وفي التهديدات الامريكية الحالية ضد ايران وهناك القضية الفلسطينية حيث اخترقت روسيا الحصار المفروض علي حكومة حماس وهناك الطاقة الروسية وتزويد دول العالم بها لاسيما أوروبا والصين، وهناك الافاقة التي طرأت علي روسيا وتحاول معها اليوم بناء سياسة جديدة تعتمد علي موقف أكثر استقلالية وهو ما لم تشهده منذ انهيار الاتحاد السوفييتي يحثها في كل ذلك محاولة الخروج من الصورة التي تريد أمريكا لها أن تكون عليها كجمهورية موز لتظل تحت سيطرتها. لذلك وجدنا روسيا اليوم تبعث برسالة تتحدي فيها محاولة أمريكا لابتزازها بمشروع الانضمام إلي منظمة التجارة العالمية عندما يؤكد بوتين بأن بلاده معنية بالانضمام إلي المنظمة المذكورة وفق شروطها هي لا شروط الاذعان من دولة أخري. لاشك أن رسالة بوتين قد تضمنت أطراً يمكن أن تكون حجر عثرة أمام أمريكا فالتباين في المواقف سيصعب علي أمريكا تنفيذ مخططاتها بالنسبة لحماس والعراق وايران كما أن ازدياده قوة موسكو السياسية من شأنه أن يعيد لها من جديد الصورة القوية التي ظنت أمريكا أنها طمرت منذ انهيار الاتحاد السوفييتي ولن تقوم لها قائمة..!