ولد الموسيقار محمد عبدالوهاب في بداية القرن الماضي يقال إن تاريخ ميلاده هو 1908.. وفي رواية أخري 1910 وعاش أكثر من تسعين عاما ولكنه استطاع أن يبدع طوال قرن كامل من الزمان أي أنه عاش مبدعا مائة عام كاملة فمازالت هناك أسرار كثيرة وألحان لم يسمعها أحد.. كان عبدالوهاب يخاف من النسيان ويعتقد أننا شعوب تنسي رغم أن كلمة الذكري من أكثر الكلمات تداولا في الأدب والشعر والغناء العربي.. وكلمة الوفاء استخدمها الإنسان العربي عصورا طويلة ولكنها الآن قليلا ما تتردد لأن الجحود سيد هذا الزمن ومنذ أيام مرت ذكري عبدالوهاب في هدوء شديد كما عبرت من قبل ذكري ميلاده في مارس الماضي.. ويوم أن رحل عبدالوهاب كنت في زيارة إلي باريس وقد رأيته قبل أن أسافر بأيام قليلة كان يعيش أزمة صحية عابرة بسبب بسيط.. كان يتمشي في بيته وسقط علي الأرض وأصيب اصابة بسيطة في رأسه ولكن بعد أسبوعين اتضح أن الاصابة البسيطة كانت سببا في حدوث نزيف بالمخ ورحل عبدالوهاب أشهر إنسان تعامل مع الاطباء.. وقد ترك عبدالوهاب تسجيلات كثيرة بصوته هي مشروعات أغنيات أو قصائد وقد ظهر بعضها ومازال البعض الآخر حبيس أوراق عبدالوهاب وربما ظهرت يوما.. كان عبدالوهاب يخاف من الزمن والجحود والنسيان ولهذا ترك الحانا لم تكتمل ربما وجدت طريقها بوجدان الناس يوما.. لقد ملأ عبدالوهاب حياة الناس بالفن الجميل أكثر من ستين عاما ما بين الغناء والالحان والموسيقي واستطاع أن يقيم لنفسه امبراطورية واسعة الأطراف امتدت عبر أجيال كثيرة سواء من المطربين الذين شدوا بألحانه أو الجماهير التي رددت هذه الألحان وفي آخر أيامه كان يشعر بغربة شديدة لأنه يغني في زمان لم يعد قادرا علي أن يتعايش مع الجمال.. وعندما يسود القبح في السلوك والأخلاق فإن الفنون تضل طريقها وتفقد دورها ومع الأيام يتحول الفن إلي وجبات سريعة مثل التي نستخدمها الآن وهناك فرق كبير بين فن يعيش وفن آخر ينتهي مع اللحظة.. وقد ترك عبدالوهاب لنا فنا جميلا عاش مائة عام كاملة وسوف يبقي قرونا أخري من الزمان.