هذا الحوار..لم يكن موضوعا علي جدول أعمالي.. ولم أفكر في إجرائه من الأصل. يوم الاربعاء قبل الماضي اتصل بي الزميل والصديق محمد حسن الألفي قائلا ان هناك موعدا له مع الجنرال "جون أبي زيد" رئيس القيادة الامريكية المركزية، المسئول عن العمليات العسكرية الامريكية من الرأس الافريقي الي آسيا الوسطي بما في ذلك قسم كبير من الشرق الاوسط، والذي يقود جحافل اكبر قوة عسكرية مدججة بترسانة من احدث الاسلحة التي عرفتها البشرية واكثرها فتكا ودمارا. قلت للاستاذ الالفي: كان الله في عونك! أجاب: المشكلة هي انني اعاني من وعكة صحية تمنعني من اجراء هذا الحوار.. وطلب مني ان أحل محله.. * متي يا أستاذ محمد؟ **غدا.. الذي كان يوافق الخميس الماضي. * أين؟ ** في فندق شيراتون هليوبوليس. واجب الزمالة، والصداقة، منعني من رفض طلب الاستاذ محمد حسن الألفي. وحسم ترددي فضلا عن ذلك قدر هائل من الفضول الصحفي لمقابلة هذا القائد العسكري الذي يحرك الجيوش ويصدر الاوامر باطلاق النيران هنا وهناك، ويحمل ترخيصا بالقتل بالمئات والآلاف، ويخوض حروبا ضارية في مناطق تفصلها عن بلاده بحار ومحيطات. فماذا عساه ان يقول عن الوضع الميداني في العراق الذي يصفه اهم المحللين العالميين بانه كارثة بالنظر الي الاخفاقات العديدة التي مازالت تتخبط فيها القوات الامريكية، فضلا عن الفشل الذريع الذي مني به المشروع الامريكي في منطقة الشرق الاوسط؟. وماذا عساه ان يقول عن اعلان الرئيس جورج بوش من علي منصة فوق احدي البوارج الامريكية في اول مايو 2003 انتهاء الحرب رسميا في العراق وان الجيش الامريكي انجز مهامه كاملة. ثم فوجئ العالم بان المعارك والمواجهات المسلحة ومختلف مظاهر العنف ظلت متواصلة؟ وماذا عساة ان يقول عن ان العراق في ظل وجود قوات الاحتلال الامريكية اصبح مرتعا للارهاب والارهابيين بعد ان كان مغلقا في وجههم بالضبة والمفتاح؟ وماذا عساه ان يقول عن قصف المدن والمدنيين العراقيين بالطائرات الامريكية؟ وماذا عساه ان يقول عن فضائح سجن أبوغريب وجوانتانامو التي ألحقت العار بشرف العسكرية الامريكية. وقبل ذلك كله.. كيف يبدو هذا الشخص الحائز لكل هذه السلطات والصلاحيات القاتلة؟ هل هو مثلنا، مثلي ومثلك، ام انه نوع آخر من البشر؟. في غرفة الاستقبال الملحقة بجناحه في الفندق.. دخل علينا بمشية عسكرية، رياضية، مفعمة بالنشاط والحيوية كما لو كان شابا في العشرين. مرتديا البدلة المرقطة الشهيرة التي نراه بها علي شاشات التليفزيون، يحيط به اثنان من الضباط الذين يرتدون نفس الزي. والرجل.. المدجج بكل هذه الصلاحيات والسلطات المخيفة، بما فيها سلطة القتل.. بشوش.. وسيم.. بسيط.. مهذب.. يتحكم في أعصابه جيدا امام الاسئلة التي لا تأتي علي هواه او التي تضغط علي الاعصاب المكشوفة. وعند اللزوم.. يقول بصراحة أنا أعرف أنني لن أقنعك. وفي مهنتنا.. نحن لا نجري الحوارات من اجل ان نقتنع او نقنع.. بل من اجل ان نفهم ما يجري.. وان يحصل القراء بالتالي علي حقهم في المعرفة. تعالوا.. نعرف الجنرال جون ابي زيد عن قرب من خلال اسئلتنا ومن خلال إجاباته. * جنرال جون أبي زيد.. ماذا تفعل في مصر؟ ** لدينا علاقات عسكرية متميزة مع نظرائنا المصريين وهذا منذ سنوات عديدة ولذا احاول القدوم هنا مرة كل ثلاثة او اربعة اشهر للتأكد من تطور علاقتنا وفهمها جيدا سواء كنا نعتقد انها تسير في الطريق الصحيح ام لا فنحن نسعي لاغتنام الفرصة كي نتحدث معا ونتبادل المعلومات، وقد التقيت بالمشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع المصري وبالامس التقيت مع رئيس الاركان سامي عنان لانه من المهم جدا لي ان تكون هناك علاقات جيدة مع العسكرية المصرية، خاصة انها الاكبر في المنطقة ومركز استقرار الاقليم، انا لا اجد كلمات تعبر عن مدي اهمية المحافظة علي علاقات جيدة مشتركة. فلدينا مستوي جيد من التعاون ونعمل معًا كثيرًا من خلال التمويل العسكري الاجنبي ومبيعات الاسلحة كما ان الكثير من الضباط المصريين يأتون للولايات المتحدة للتدريب ولدينا الكثير من الضباط هنا. ولذا فإن علاقة الامن مهمة جدا جدا لهذا الاقليم خاصة في اوقات عدم الاستقرار. * هل يشمل هذا التعاون شيئا متعلقا بالوضع الميداني في العراق؟! ** لا يتعلق الأمر كثيرا بالعراق بقدر ما يتعلق بالمنطقة بشكل عام. فالعراق يمثل مشكلة امنية سيحلها العراقيون في النهاية. واعتقد ان الفترة التي نمر بها هناك فترة حساسة سياسيا ومن الواضح انه بدون دعم امة مثل مصر فسيكون من الصعب ان يصل العراق الي مرحلة الاستقرار، ولذا ففي رأيي ان كل ما يحدث في المنطقة يترابط معا واعتقد انه من مصلحتنا ومصلحة مصر وشعوب المنطقة ان نخفض مستوي الانشطة العسكرية من خلال التعاون المشترك ولدينا طريق طويل يجب ان نمضي فيه من الآن.