تظل الاسكندرية هي بيت الامل الناعم ، اقول ذلك بعد خمسة ايام قضيتها مناقشا ومشاركا في مؤتمر الاصلاح العربي الثالث. واهم ما في مثل هذا المؤتمر هو هذا القلق الساخن علي المستقبل ، وهو قلق لا يقابله للأسف قلق مماثل عند العديد من الحكومات فأغلب الحكومات العربية تعاني اما من حالة فرح لا مبرر له، او حالة قلق غير مواجه بخطط عملية لكسر قواعد مسببات القلق. وحين التقيت بفكرة لي مطبوعة في كتاب توجهت بالشكر للصديق د. اسماعيل سراج الدين كانت الفكرة هي ان نتداول ونتناقش في التجارب الناجحة التي قامت بها الجمعيات الاهلية في مجتمعاتنا العربية المختلفة ..وكان حلمي البسيط هو أن نرصد تجارب غير مزيفة وغير مزوقة ، وغير كاذبة. هكذا تحدثت في مؤتمر الاصلاح الاول الذي انعقد من عامين ، وهاهو المؤتمر الثالث يستقبلنا وقد صارت الفكرة المقدمة من عامين قد شقت طريقها فقد تم رصد "التجارب العربية الناجحة" والتي تمت مناقشتها في العام الماضي، اي في المؤتمر الثاني للإصلاح وتمت طباعة تلك التجارب في كتاب. لم افتح الكتاب بعد وإن كنت سأناقش كل تجربة فيه ، لعلي استطيع ان اعثر علي مسار فكرة خرجت من قلب كاتب ، ليسمعها مؤسس عظيم هو اسماعيل سراج الدين ، فتتحول الفكرة الي خريطة لها خطة قابلة للتنفيذ. ودائما اقول "ليس المهم هو ان تقدم الفكرة ، ولكن المهم هو ان تجد من يحسن استقبالها وان يضيف اليها" فعلي مدي 43 عاما هي عمر عملي العام ككاتب صحفي قدمت وكتبت عشرات الافكار ، وقرأت مئات الآلاف من الافكار ولكن لم اجد الا قلة قليلة هي التي تحسن الاستقبال. ولان اسماعيل سراج الدين هو صانع مؤثر لقوة الامل فلست انسي كيف استقبل الفكرة حين نطقت بها منذ عامين وكيف وعدني وهو واقف علي المنصة ان قلقي علي الا نعرض تجارب مزيفة سيكون قلقه الشخصي. ودخلت الفكرة حلقات النقاش لتتبلور فلم تعد تلك الفكرة هي فكرتي بل صارت طاقة خلاقة تلف وتدور وتتبلوركي تستقر في اكثر من وجدان ولتخرج اخيرا الي الواقع بعد ان حرثت ارض هذا الواقع. ويبقي عندي حلم ثان اتمني ان اراه وهو ان ينعقد مؤتمر للرصد الاجتماعي وان يشترك العقل الكبير المفكر الفيلسوف سيد يس مع العقل الكبير المؤثر بجديته وعظمة ما اضافه وهو الاستاذ الدكتور احمد ابوزيد استاذ الانثروبولوجيا كي نستطيع اقناع وزارات التعليم العالي او مؤتمر رؤساء الجامعات العربية كي ندرس عمليا سلوكيات الواقع العربي من المحيط الي الخليج لان رصد هذا الواقع ومعرفة مسارات التفكير عند الاجيال والجماعات المختلفة المكونة للنسيج العربي ، يظل تحديا يليق بمكتبة الاسكندرية ان تتصدي له. قد تبدو الفكرة مخيفة لانها تحتاج الي مليارات والي اعداد باحثين من كل مجتمع عربي يتسمون بالامانة وهي مهمة صعبة الا ان مثل هذا الحلم يستحق ان تلمسه عصا اسماعيل سراج الدين كي يصبح واقعا وتتحول كما تحولت عصا موسي الي ثعبان يلقف ما يصدره البعض من اكاذيب مطبوعة علي اساس انه دراسات انثروبولوجية عن الواقع العربي ، فضلا عن اننا سنملك نسيجا من الدارسين والباحثين وبمثل هذا العمل يمكننا ان ننقل العمل السياسي من لغة الضجيج بالفخامة الكاذبة الي لغة الواقع الذي يمكن ان ننطلق منه الي الامام. اخي اسماعيل سراج الدين: شكرا علي جهدك الجليل.