.. هو نجم هذا العام، كما كان نجم العام الماضي، ومرشح ان يكون نجم العام القادم.. هو نجم لانه قادر حتي الان علي تحمل كل الضغوط التي يتلقي نتائجها التي تصل دائما إلي حد فقدان التوازن. تلك الحالة التي تصدمني كلما سرت في شوارع مصر أتأمل وجوه البشر، فتطالعني ملامح الحزن الممزوجة بالشقاء، وتصفعني احيانا ردود الفعل الثائرة، وغير المتوقعة والتي تفوق الحدث نفسه وذلك ازاء أي شيء حتي لو كان بسيطا.. اسمع سبابا وشتائم وعنفا لفظيا من كل القواميس غير الاخلاقية، وأري خناقات وضربا، وتكسير سيارات واعتداءات تصب في خانة "فش الغل" وفقد الأعصاب. وفي مقابل ردود الفعل العالية هذه.. أفاجأ في أوقات اخري كثيرة ب"تناحة" لا متناهية، وبتبلد للمشاعر.. حتي أني تساءلت مرة عن هذه الظاهرة وفسر لي أهل الاختصاص من علماء النفس بأن "البانجو" واخواته هي المسئولة عن عدم الاكتراث واللامبالاة. ولكني أضيف علي هذه الاسباب احساس المواطن بشدة الضغوط وبالقهر والظلم المسلط عليه في حياته اليومية. وهو كمن يجري في سباق.. لكنه واقف محلك سر.. مطلوب منه توفير الحياة الكريمة من مأكل وملبس وانتقالات وتعليم ودروس خصوصية.. وما يتقاضاه لا يكفي بندا واحدا منها.. ناهيك عن الاصوات التي تصرخ مطالبة المواطن بان يكون ايجابيا في الحياة السياسية ويبدي رأيه، وينتخب.. بينما يري نفسه مثل الأراجوز! إن المواطن مصري مازال يعتبر المشاركة السياسية من مظاهر الرفاهية التي لا يستطيع ان يحلم بها وله حق في ذلك لانه متورط في مشاكل حياته اليومية. وباختصار، فان المواطن منزوع من لدنه القدرة علي الحلم.. وقد تصادف ان قمت بتحقيق تليفزيوني بمناسبة رأس السنة وسألت الناس عن احلامهم ودعوتهم الي تخيل خاتم سليمان بين ايديهم، وقد نظروا الي طويلا مشدوهين، وقال بعضهم ساخرا: نحلم بإيه؟ وكأنهم يعتبون علي توجيهي مثل هذه الاسئلة التي لا يطمعون في التفكير بها.. هذا علي الرغم من أن أحلام غالبيتهم بسيطة بل شديدة البساطة: ثلاجة، بوتاجاز، يستّر البنات، غرفة بحمام تلمه مع أسرته، يشتري كرسيا متحركا لابنه المعاق، توفير دواء الأنسولين.. هل لدي حكومتنا أية فكرة عن هذه الأحلام؟ إن ابشع موت هو ذلك الذي يصيب المواطن وهو حي، ينظر الي نفسه وهو ميت، يتحرك ويمشي، وهو في مكانه.. هذا ما يجعله عديم الاكتراث او "يتخانق مع دبان وشه" وفي كل الاحوال سواء "تناحة" أو ثورة، فإن السلوك يعكس انعداما في التوازن داخل الشخصية. وهذه الحالة لن تنصلح إلا إذا شعر المواطن بانه مهم، وان الدولة تفكر فيه وانه في قلب أي مشروعات اصلاحية تتبناها وتطرحها. واذا شعر انه يمكن ان يستفيد مع حفنة المستفيدين ويجني ثمار تلك الاصلاحات التي تضيف أسقفها لتخدم فئة قليلة علي حساب عامة الشعب. والحقيقة انه رغم غيث التصريحات الرسمية - وما اكثرها في موسم تشكيل الوزارة الجديدة - المبشرة بالحفاظ علي الدعم وعدم المساس بمحدودي الدخل فإن ما يصطلح عليهم بمحدودي الدخل تتسع اعدادهم بعرض الوطن وطوله، ويعيشون اسفل خط الفقر، بل إن أي خبير بارع في عمليات قياس معدلات الدخل في العالم سيفشل في تحديد خط للفقر يعكس الدخل الحقيقي للفرد في مصر، فالمعدلات التي ذكرها تقرير التنمية البشرية وحدد فيها دولارين يوميا للمواطن المصري في شريحة "تحت خط الفقر" ليست واقعية، لأن من ينفق نحو 13 جنيها يوميا في مصر هم من المحظوظين في الطبقة المتوسطة.. وبالتالي فهذه المعدلات متفائلة.. جدا جدا! ولا يصعب علي أي متابع لاحوال الناس ان يلاحظ عمليات الافقار التي تعرضت لها الطبقة الوسطي، وهناك شرائح عريضة منها انضمت بفعل السياسات غير المدروسة الي الشرائح الفقيرة، وهذه بدورها تحولت الي شرائح اشد فقرا. وانا وغيري نتساءل: كيف يمكن لأي مجتمع ان ينهض بدون طبقة وسطي "عفية"؟ ولمصلحة من يتم ضرب هذه الطبقة وافقارها وتهميشها، خاصة انها بمثابة الطاقة او البنزين الذي يشغل وسيلة النقل؟ ثم متي تدخل الطبقة المتوسطة الخدمة؟ ومتي تصبح المحور الرئيسي الذي تدور حوله السياسات؟ ومتي تعود هذه الطبقة الي حسابات الحكومة بعد ان طردتها من جنتها؟! لهذه الاسباب، فان المواطن مصري نجم العام.. ابناء حي شبرا، الشرابية، الاميرية، الوايلي، الدرب الأحمر، بولاق، منشية ناصر، الدويقة، عزبة القرود، عزبة النخل، الخصوص، الوراق، إمبابة.. وكل هؤلاء من ابناء هذا الوطن وغيرهم في قري ونجوع مصر من البسطاء الذين يحلمون بمكان تحت الشمس، وليس في القبو، وتحت الأرض.. فمتي يكتسب هؤلاء النجوم صفة المواطن؟ هذا السؤال يظل معلقا في رقبة الحكومة!!