رصدت دراسة مهمة صادرة عن كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالقاهرة آراء العديد من علماء الإسلام حول التعامل بالسندات الحكومية وسندات الشركات بأنواعها المختلفة سواء أكانت سندات عادية أو سندات قابلة للتحويل إلي أسهم أو سندات مضمونة بفوائدها من أحد البنوك أو من الحكومة أو من أي هيئة عامة. الدراسة التي أعدها د.محمد حلمي عيسي الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر ناقشت بموضوعية شديدة وجهتي النظر التي تبيح التعامل بالسندات ذات العائد المحدد مقدما والتي تحرم التعامل بها. في البداية حرصت الدراسة المقررة علي طلاب كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة، علي تقديم تعريف محدد واضح للسند حين ذكرت أن السندات هي: "صكوك متساوية القيمة تمثل دينا في ذمة الشركة التي أصدرتها، وتثبت حق حامليها فيما قدموه من مال علي سبيل القرض للشركة وحقهم في الحصول علي الفوائد المستحقة دونما ارتباط بنتائج أعمالها ريحاً كانت أو خسارة.. واقتضاء قيمة الدين المثبتة علي الصكوك في مواعيد استحقاقها..". كما رصدت الدراسة - كما يقول د.محمد حلمي عيسي الفروق الجوهرية بين السهم والسند في عدة وجوه أو أوجزتها علي النحو التالي: * ان السند يعتبر جزءا من قرض أي أنه دين في ذمة الشركة فالعلاقة بين حامل السند والشركة هي علاقة الدائن بالمدين بينما السهم جزء من رأسمال الشركة. * حامل السند ليس له أي حق في التدخل أو الاشتراك في إدارة الشركة بعكس حامل السهم فله الحق في إدارة الشركة والرقابة علي هذه الإدارة من خلال الجمعيات العمومية للمساهمين والتي له حق التصويت فيها. * حامل السند من حقه الحصول علي الفوائد الثابتة من الشركة سواءحققت أرباحا أم لا.. أما حامل السهم فيحصل علي عائد ليس ثابتا يرتبط بنتائج أعمال الشركة.. إلي جانب ذلك فأصحاب الاسهم لا يمكن أن يستردوا قيمة أسهمهم عند حل الشركة وتصفيتها إلا بعد الوفاء بقيمة السندات والفوائد المستحقة عليها. توزيع الأرباح * ليس هناك ميعاد محدد لتوزيع الأرباح علي المساهمين لأن ذلك مرتبط بانعقاد الجمعية العامة للمساهمين والمصادقة علي الميزانية والحسابات الختامية للشركة بينما تدفع الفائدة علي السندات في ميعاد دوري ومبين علي الكوبون المرفق بالسند. أنواع السندات ورصدت الدراسة أنواعا عديدة من السندات منها السندات الحكومية: المضمونة من الحكومة والتي تعطي عائدا ثابتا ولها آجال محددة ومعلومة ويتم طرحها للاكتتاب العام وسندات الشركات التي تنقسم بدورها إلي أنواع خمسة هي: - السندات العادية والسندات بعلاوة اصدار، والسندات القابلة للتحويل إلي أسهم والسندات المضمونة من أحد البنوك أو من الحكومة أو من أي هيئة عامة والسندات ذات الجوائز. عقد قرض ويري د.محمد حلمي عيسي معد الدراسة أن كل أنواع هذه السندات التي سبق الاشارة إليها لا تخرج عن كونها عقد قرض فيه عناصر ربا الدين الثلاثة وهي: الدين والأجل وزيادة مشروطة في الدين مقابل الأجل.. وإذا كان الأمر كذلك فإن هذه الزيادة علي أصل القرض تعد من قبيل الربا المحرم شرعا. استند د.محمد حلمي عيسي فيما ذهب إليه إلي قرارات المؤتمر السادس لمجمع الفقه الاسلامي المنعقد في جدة عام 1410 بشأن السندات والتي أكد فيها: ان السندات التي تمثل التزاما بدفع مبلغها مع دفع فائدة منسوبة إليه محرمة شرعا من حيث الاصدار أو الشراء أو التداول لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة مرتبطة بالدولة". آراء معاصرة وفي الجانب الآخر رصد د.محمد حلمي عيسي آراء أخري تبيح أخذ الفوائد المحددة مقدما علي القروض وبالتالي تبيحها علي السندات باعتبارها عقد قرض. واستندت هذه الآراء وهي لعلماء معاصرين منهم د.محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر إلي عدة أمور منها: 1- أن التعامل بالسندات ليس من قبيل القرض وإنما هو من قبيل الاستثمار ولا مانع من تحديد نسبة الربح مقدما طالما أنها تتم بالتراضي. 2- إن المشترين لهذه السندات لم يدفعوا أموالهم لمصدر هذه السندات سواء أكانت شركة أو حكومة بقصد الاقراض أو الايداع، وإنما بقصد توكيله عنهم في استثمارها لهم مع رضاهم التام بما حدد من عوائد.. وتأسيسا علي ذلك يكون التعامل في سندات التنمية الدولارية حلالا وكذا بقية أنواع السندات. إلي جانب ذلك فالسندات التي تصدرها الحكومة أو المؤسسات الخاصة تعتبر بمثابة عقد أو اتفاق بين طالب التمويل والمستثمر. يقوم المستثمر بمقتضاه بتقديم مبلغ معين من المال للمنشأة أو لمصدر السند الذي يلتزم برد أصل المبلغ وعوائده المتفق عليها. البديل الشرعي وطالب د.محمد حلمي بضرورة أن تتحول هذه السندات من الجهة المصدرة لها إلي أسهم وأن تباع وتشتري بحيث يشارك حاملوها في الربح والخسارة مثلما يحدث في الأسهم.. ذلك لأن التكييف الصحيح للسندات أنها من قبيل القرض حسبما يري معد الدراسة وأن العلاقة بين أصحاب السندات والبنك أو الشركة التي أصدرت السند هي علاقة دائن بمدين وليست علاقة صاحب مال ومضارب. وليس هذا هو التكييف الفقهي فقط، بل القانوني أيضا.. فكل القانونيين متفقون علي أن السند صك قابل للتداول يعطي صاحبه الحق في الفائدة المتفق عليها بالاضافة إلي قيمته الاسمية عند انتهاء مدة القرض. وهنا شبهة أخري تمسك بها من قال بحل السندات منها: أن الضرورة والحاجة هي الداعية إلي جواز القرض بفائدة وفي هذا يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الازهر الاسبق إن: السندات وهي القرض بفائدة معينة لا تتبع الربح والخسارة فإن الاسلام لا يبيحها إلا حيث دعت الضرورة الواضحة التي تفوق أضرار السندات التي يعرفها الناس ويقررها الاقتصاديون". ويؤكد د.محمد حلمي في نهاية دراسته أن التعامل بهذه المحرمات ومنها السندات لم يكن ضرورة ولن يكون لأنه بعيد كل البعد عن مصطلح الضرورة.. لأن السندات تستخدم في تمويل مشروعات للشركات أو للحكومة.