بعد فشل الاجتماعين السابقين لمنظمة التجارة العالمية والتعثر الذي تشهده جولة الدوحة اصبحت مصداقية المنظمة بل المجتمع الدولي بأسره بشأن الرغبة الحقيقية في تحرير التجارة العالمية موضع شك وحان الوقت لاختبار هذه المصداقية في محادثات هونج كونج من 13 إلي 18 ديسمبر الجاري. كان الهدف من اجتماع هونج كونج في الأصل أن تتوج أربع سنوات من العمل الشاق منذ بدأت جولة الدوحة في عام 2001 بالاتفاق علي مسودة معاهدة جديدة لخفض الدعم في الدول النامية وفتح الأسواق العالمية بهدف دعم الاقتصاد وانتشال الملايين من الفقر وأغلبهم من سكان افريقيا. لكن الآمال المعلقة علي الاجتماع تقلصت بدرجة كبيرة بعد خلاف حاد بين الدول الغنية الممثلة في تكتلين تجاريين أساسيين هما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة علي الدعم الزراعي وفشل عدد من اللقاءات والاجتماعات التحضيرية السابقة علي محادثات هونج كونج في احداث الانفراجة المطلوبة من أجل تحقيق نتائج ايجابية. غير انه يتعين الخروج من الاجتماع بشيء - أي شيء وإلا فقدت منظمة التجارة مصداقيتها تماما وربما يهدد ذلك بانهيارها فقد حذرت منظمة أوكسفام العالمية التي تعمل علي مكافحة الفقر من أن الخطط التي طرحتها القوي الكبري في جولة الدوحة لن تعود بفائدة تذكر علي الدول النامية بل وقد تدفع بعضها نحو الفقر بدرجة أكبر، وقالت المنظمة ان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حولا ما كان يطلق عليه في الأصل "جولة التنمية" إلي جهود لتحقيق مكاسب أكبر لهما. والدعم الزراعي الذي تقدمه الدول الغنية لمزارعيها هو نقطة الخلاف الرئيسية في المحادثات وترفض فرنسا أكبر المستفيدين من الدعم الزراعي تقديم أي تنازلات مما يضع بيتر ماندلسون المفوض التجاري الأوروبي في وضع سييء بعد ان حذرته فرنسا من تجاوز التفويض الموكل إليه من أجل انقاذ المحادثات في حين يتعرض لضغوط كبيرة من بقية الدول لعدم افشالها. وتطالب الدول النامية وبخاصة الدول الافريقية الاكثر فقرا بأن تخفض الدول الغنية الدعم الزراعي الذي يغرق اسواقها بالسلع الزراعية ويقضي علي صادراتها ويقول بعض المراقبين الافارقة ان الامتناع عن اتخاذ هذا الاجراء يكون انتصارا لعشرات الآلاف من المنتجين الزراعيين في الدول الغنية علي حساب القضاء علي عشرات الملايين من المنتجين الزراعيين في افريقيا التي تمثل الزراعة ربع صادراتها. ومن ناحية أخري تطالب الدول الغنية الدول النامية بفتح أسواقها بدرجة أكبر أمام المنتجات الصناعية والخدمات فحث ماندلسون المفوض الأوروبي البرازيل والهند وهما من أكبر الدول النامية علي تقديم عروض مناسبة لفتح أسواقها أمام المزيد من الواردات قائلا المطروح حتي الآن غير كاف بالنسبة للصناعات الأوروبية كي تتواصل الدول إلي اتفاق بشأن اصلاحات التجارة الزراعية. ومن ناحية أخري حث بعض المراقبين البراجماتيين الدول الافريقية الفقيرة التي تشكو من ان مطالبها جري تجاهلها علي نطاق واسع في اطار التحضير للمحادثات علي أن تنأي بنفسها عن بقية الدول النامية وان تسعي لإبرام اتفاقات منفصلة تضمن لها أي شيء تستطيع الحصول عليه لأن الدول الغنية تخشي منتجات الدول النامية الكبيرة مثل الهند والبرازيل اكثر مما تخشي افريقيا. وفي عام 2003 انهار اجتماع وزاري لمنظمة التجارة عقد في كانكون بالمكسيك عندما انسحب الزعماء الافارقة قائلين ان مطالبهم بشأن تجارة القطن لم تلق استجابة وفي عام 1999 في سياتل انهار اجتماع آخر للمنظمة وسط اشتباكات عنيفة بين متظاهرين مناهضين للعولمة وبين الشرطة. لكن هذه الصورة تغيرت بدرجة كبيرة هذا العام فلم يعد النشطاء من مكافحي الفقر ومناهضي العولمة يكتفون بالوقوف خارج قاعات المؤتمرات وحمل اللافتات وترديد الهتافات بل أصبح لهم صوت داخل القاعات بعد ان زادت قدرتهم علي الوصول للناس وكشف الحقائق وزاد تأثيرهم علي مجريات الأحداث ولكن هل تحذيرات منظمات مثل أوكسفهام وغيرها كافية لانجاح محادثات هونج كونج؟ الأرجح ان النتيجة لن تكون فشلا مطلقا او نجاحا مطلقا بل حلولا وسطا تبقي علي وجود الاطار العام لسياسات المنظمة وتعلق المشكلات أو ترحلها لمناسبات أخري.