عندما تحررت هونج كونج من الاستعمار البريطاني وعادت إلي الصين عام 1997 تشاءم كثيرون بشأن مستقبلها وتوقعوا أن تتحول إلي مدينة صينية عادية مثل باقي مدن الصين الأصغر حجما والأقل نظاما.. وشهدت هونج كونج موجات هجرة واسعة حيث استقبلت سنغافورة وحدها 40 ألفا من المهنيين معظمهم ممن يعملون في مجالات المال.. وفي عام 2000 تركزت الأنظارعلي شنغهاي المدينة الساحلية الصاعدة علي أرض الصين الأم باعتبارها المدينة التي ستتفوق علي هونج كونج. ومع ذلك تقول مجلة "نيوزويك" إن هونج كونج في عام 2006 وبعد نحو عشر سنوات من عودتها إلي الوطن الأم لاتزال علي القمة.. فقيمة بورصتها تتصاعد للعام العاشر علي التوالي واقتصادها ينمو بمعدل 5% سنويا منذ عام 1989 دون انقطاع.. وأسعار الممتلكات فيها تضاعفت وإن كانت سوف تهدأ قليلا هذا العام، والمهاجرون غيروا رأيهم فإما عادوا أوأنهم لم يغادروا هون كونج أصلا. أما شنغهاي فقد قنعت بدور ثانوي باعتبارها المركز المالي القائد في الصين وحدها.. ومنذ عام 2003 هبطت قيمة بورصة شنغهاي بمقدار 37 مليار دولار لتصبح 313 مليار دولار وتراجع نصيبها من القيمة الكلية لبورصات العالم من 1% ليصبح 0.7% فقط. وعلي عكس ذلك زادت قيمة بورصة هونج كونج خلال نفس الفترة بمقدار 500 مليار دولار لتصبح 1.2 تريليون دولار بنسبة 2.7% من القيمة الإجمالية لبورصات العالم.. ورغم أن قيمتها تعتبر محدودة بالمقارنة مع بورصة طوكيو أكبر البورصات الاَسيوية إلا أنها تعتبر البورصة المسيطرة في السوق الصيني. وهناك شيء لم يفطن إليه الذين تشاءموا بشأن مستقبل هونج كونج عند تسليمها للوطن الأم وهو أن هذه المدينة تمتلك مقومات المركز المالي العالمي وأن الصين ستكون في حاجة إليها بوضعها هذا لكي يمكنها التعامل مع العالم الخارجي سواء في مجال التجارة الدولية أو تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة.. ومثل هذه المراكز المالية العالمية قليلة وغير منتشرة وبعضها قديم وعريق مثل لندن وبعضها الاَخر مستجد مثل سيدني في استراليا وتعد هونج كونج دون جدال من المراكز المالية العالمية العريقة. وقد كتب ساسكيا ساسين أستاذ علم الاجتماع بجامعة شيكاغو في مجلة"فورين أفيرز" عام 1999 يؤكد أن وضع هونج كونج كمركز مالي عالمي يضمن مستقبلها فشنغهاي قد تتفوق علي هونج كونج في استخدام أساليب الاتصال الحديثة ولكن هونج كونج تتميز بتملكها لشبكات كثيفة من الأعمال وأنظمة للثقة وأطر للتنظيم وهي مقومات لاتضاهيها فيها أية مدينة أخري ولذلك لم يكن غريبا أن مؤسسة هيربتاج فاونديشان المؤيدة لحرية السوق قد اعتبرت هونج كونج المدينة الأولي في العالم من حيث الحرية الاقتصادية وتكرر ذلك سنويا خلال السنوات العشر الأخيرة. أضف إلي ما تقدم أن هونج كونج مدينة دولية بصورة أعمق من كثير من المراكز المالية الأكبر منها مثل نيويورك حيث إن زهاء 60% من العمليات المصرفية التي تتم في بنوكها تتم بالعملات الأجنبية. وتقول مجلة "نيوزويك" إن الصين كانت الأمة الوحيدة بعد الولاياتالمتحدة من بين الأمم التجارية الكبري في العالم التي صنعت لنفسها مركزين ماليين أو عاصمتين ماليتين لكل منهما خصائصه المميزة. فهونج كونج مثل نيويورك مدينة دولية في حين أن شنغهاي قاعدة وطنية ذات وجه عالمي متزايد وهي في ذلك تشبه مدينة شيكاغو الأمريكية بحيث يمكن اعتبارها شيكاغو الصين، وهذا معناه أن المنافسة بين المدينتين "هونج كونج وشنغهاي" أو "نيويورك وشيكاغو" ليست معادلة صفرية.. وعلي سبيل المثال نجد نيويورك تبدو بالنسبة لشيكاغو مركزا ماليا عملاقا في حين أن شيكاغو تتفوق كمقر عالمي لبورصات السلع الزراعية. ونجد أن هونج كونج لها دوران متميزان أولهما أنها بوابة الصين إلي صناعة المال العالمية وهذا الدور سوف تتزايد أهميته مع تصاعد أنشطة الاندماج بين البورصات العالمية مثل عرض بورصة نيويورك لشراء بورصة يورونكست التي تضم بورصات باريس وبروكسل وامستردام ومدريد ففي مثل هذه البيئة ترتفع أهمية دور بورصة هونج كونج. أما الدور الثاني فهو أن تقوم بورصة هونج كونج بدور أقوي في جهود الصين لتنمية سوقها المالي الوطني.. ومن العلامات البارزة في هذا الشأن أن بنك الصين الصناعي والتجاري قرر في سابقة هي الأولي من نوعها أن يسجل نفسه في بورصة هونج كونج لجمع 12 مليار دولار وفي بورصة شنغهاي في نفس الوقت ليجمع 3 مليارات دولار أخري، فشركات الصين عادة ماكانت تسجل نفسها في بورصة هونج كونج ثم تبحث بعد ذلك أن تسجل نفسها في بورصات الولاياتالمتحدة أو أوروبا.. ولكن هذا التسجيل المزدوج في بورصتي هونج كونج وشنغهاي معا له دلالة أكيدة تنم عن قوة سوق المال الصيني ككل، وأن هونج كونج تلعب فيه دور البورصة الأكثر ثراء في حين تتعلم منها بورصة شنغهاي فنون الاتصال الدولي وجذب الثروات. يبقي أن نقول إن صعود الصين كقوة اقتصادية سيدعم دور بورصة هونج كونج ولن يكون أبدا خصما من هذا الدور مهما كانت وجهات نظر المتشائمين.