أحمد الألفي أصبح المعاش المبكر خياراً شبه إجباري يواجه قطاعا عريضا من موظفي وعمال مصر، كأحد تداعيات برنامج الخصخصة والتحول إلي اقتصاد السوق، ولاشك ان خروج قطاع غير محدود من العمال والموظفين وهم في سن تبدأ من الخامسة والأربعين وتحويلهم إلي طاقات عاطلة تنضم إلي صفوف العاطلين لتعيش علي عوائد مكافآت ومخصصات المعاش المبكر أمر ينطوي علي محاذير جدية وبصرف النظر عن مدي كفاية المزايا المالية لنظم المعاش المبكر لمواجهة متطلبات الحياة وتعرضها للتآكل بفعل معدلات التضخم المرتفعة بمرور الوقت والسنوات، فإن تهميش المحالين للمعاش المبكر علي هذا النحو قد أوجد ثقافة الكسل والاسترخاء وأعاد إلي الواقع والاذهان التحول إلي أو العودة لنمط المجتمع الريعي الذي يعيش علي ريع أو عائد المعاش المبكر وعلي هامش المجتمع دون ان تكون هذه الفئة فاعلة فيه، أو بالأحري دون أي مشاركة منها في النشاط الاقتصادي حيث تسود ثقافة المجتمع الريعي لدي هذه الفئة. وتكمن خطورة هذه الثقافة في أنها لا تشجع علي أداء أي عمل وتركن إلي سهر الليالي أمام القنوات الفضائية التي أصبحت متاحة لكافة كالماء والهواء بفضل (الوصلة) ولعل الأشد خطورة في ثقافة المجتمع الريعي ان هؤلاء المتقاعدين مبكراً مسئولون عن أسر ولدي معظمهم أبناء في مراحل التعليم المختلفة، وسوف يكتسب هؤلاء الابناء بدون قصد هذه الثقافة المسترخية والمدمرة، وما أخطر فقدان القدوة والمثل الأعلي فيما يتعلق بقيم العمل والانتاج والعطاء، والركون إلي الاكتفاء بالعيش علي هامش المجتمع. وهكذا يتحول المعاش المبكر إلي ممات مبكر - وإن بدا بطيئاً - ويفرز ثقافة ريعية مسترخية تزيد من التكلفة الاقتصادية والاجتماعية لفاتورة الممات المبكر علي المدي القصير والمتوسط والطويل وترفع من معدل الاعالة في الاقتصاد، وهو أمر له انعكاساته المتشابكة اقتصاديا واجتماعيا وصحيا ونفسيا وهي انعكاسات سلبية للغاية ويصعب قياس نتائجها مقدما بدرجة معقولة من الدقة. ومع تسارع تطبيق برامج الخصخصة بدأت تنال القطاع المصرفي وإن كانت لم تتوغل فيه بعد ودرءاً لتداعيات هذا التوغل، ثمة بعض الافكار التي مؤداها دراسة عمل البنوك العامة فترتين أو ورديتين 2shifts احداهما صباحية ولتكن من الثامنة صباحا حتي الثالثة ظهرا، والثانية مسائية من الثالثة ظهرا حتي التاسعة مساء ويكون لكل فترة طاقم الموظفين الخاص بها كفكرة لامتصاص العمالة الزائدة بالبنوك العامة ولزيادة معدلات الانتاجية. وثمة فكرة اخري مؤداها التوسع الافقي لنشاط البنوك العامة بإفتتاح فروع جديدة لهذه البنوك في المناطق التي تفتقر إلي الخدمات المصرفية كوسيلة لإمتصاص العمالة الزائدة بها وايجاد عمل حقيقي لها وكبديل آمن وغير فادح التكلفة الاجتماعية والاقتصادية بالمقارنة بنظام المعاش المبكر وسلبياته الكثيرة والعيش ريعياً علي هامش المجتمع. و قد تكون فكرة عمل البنوك فترتين يوميا أكثر ملاءمة للتطبيق في وحدات الجهاز الاداري للدولة الذي يعاني من التكدس الوظيفي والعمالة الزائدة بحدة بالمقارنة بالقطاع المصرفي العام، حيث سيؤدي عمل الجهاز الاداري للدولة فترتين ممتدتين علي مدار اليوم بواقع 12 ساعة يوميا إلي العديد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية الايجابية أهمها: 1- تيسير أداء الخدمات العامة للجماهير علي مدار اليوم. 2- ايجاد عمل حقيقي للعمالة الزائدة في الجهاز الاداري للدولة. 3- التخفيف من الأزمة المرورية وخصوصا في العاصمة. 4- رفع معدلات الانتاجية وخصوصا انتاجية الجنيه/أجر. 5- الحد من ظاهرة تزويغ الموظفين لأداء مصالحهم والنوم في المكاتب بلا عمل. وقد يري البعض ان هذه الأفكار غريبة وغير مطبقة في أي دولة ولكنها علي الأقل جديرة بالدراسة والتقييم فليس من الضروري أن تكون حلول مشاكلنا مستوردة من العالم الأول، فما يصلح للتطبيق هناك قد لا يكون بالضرورة ملائما للتطبيق هنا في مصر لاختلاف الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسلوكية والتي يجب ان تكون موضع اعتبار أولي بالرعاية والتمحيص عند اقرار حلول لمشكلاتنا الاقتصادية. ولا يجب النظر إلي قوة العمل البشرية الزائدة علي انها عبء علي الجهاز الاداري والانتاجي والخدمي للاقتصاد بل يجب تناولها علي انها عامل معطل وغير مستغل من عوامل الانتاج، بينما يتعين علي الدولة تهيئة مناخ العمل نظمه ولوائحه لتحويلها إلي عمالة منتجة بدلاً من بترها من الهيكل الاقتصادي مبكراً، وما العمالة الزائدة الا ضحية سياسات التوظيف الخاطئة التي سادت خلال العقود الأربعة الماضية ويتعين استيعابها بالحلول الواقعية بدلا من تهميشها خارج قوة العمل لتموت مسترخية أمام القنوات الفضائية الراقصة. وقد تطورت النظرة إلي قوة العمل البشرية - عالميا - في المؤسسات والشركات حيث سيشهد المستقبل القريب جداً ادراج قوة العمل البشرية لأي منشأة أو شركة أو مؤسسة في حساباتها الختامية