لم تتأخر منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) عن تلبية مطالب أمريكا وأوروبا بزيادة إنتاجها عدة مرات في الفترة الأخيرة لمواجهة أي زيادة في الطلب العالمي حتي أصبحت تنتج بكامل طاقتها تقريباً، ومع ذلك لم تنخفض أسعار البترول بل ارتفعت مقتربة من أعلي مستوياتها علي الإطلاق، وفي الوقت نفسه ارتفعت مخزونات الخام الأمريكي إلي أعلي مستوياتها منذ ست سنوات واختنقت مصافي التكرير في العالم وبخاصة الولاياتالمتحدة بما يتدفق عليها من خام لا تقدر علي تكريره في حين يزيد الطلب علي المنتجات المكررة فترتفع أسعارها ويإثر ذلك بدوره في سوق البترول الخام فترتفع أسعاره وتدور الدائرة المفرغة. ويعني ذلك أن أوبك المسئولة عن 40% من إنتاج البترول العالمي يزيد إنتاجها إلي أقصي حد تحت ضغوط من الدول الصناعية الكبري أكبر مستهلك له لكن هذه الزيادات تتدفق علي المخزونات التي تزيد إلي مستويات قياسية (أعلي مستوي منذ عام 1999)، أما المصافي التي تلبي احتياجات المستهلكين من بنزين وزيت وقود وزيت تدفئة فلا يزيد انتاجها لأنها تنتج بكامل طاقتها بالفعل فتظل أسعار البنزين ترتفع في أمريكا أكبر مستهلك للبترول في العالم وبدلاً من أن تحل أمريكا مشكلة المصافي قررت أن تكثف ضغوطها علي أوبك بدرجة أكبر لتزيد الإنتاج. وكانت أحدث وأقوي هذه الضغوط قرار مجلس الشيوخ الأمريكي السماح بمقاضاة المنظمة بناء علي قوانين مكافحة الاحتكار، ويمنح هذا الإجراء الذي أضيف إلي تشريع شامل لقطاع الطاقة وزارة الطاقة أو لجنة التجارة الفيدرالية حق مقاضاة المنظمة بتهمة التلاعب بالأسعار. ولم تفت غرابة هذا القرار حتي علي أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي ذاته، فقال السيناتور بيت دومينيش الذي وصف الإجراء بأنه لا يصدق وقال: "هذه حكومات ذات سيادة، وأن نقرر نحن هنا في قاعة مجلس الشيوخ أننا سنؤسس محكمة ما أو شكلاً من أشكال مقاضاة تكتل أوبك أمر لا يصدق"، وأضاف أنه يستبعد أن يظل هذا الإجراء قائماً في القانون النهائي عندما يتم التوفيق بين المشروع الذي يبحثه مجلس الشيوخ وبين المشروع الذي أقره مجلس النواب في ابريل الماضي. وحتي إذا لم يبق أليس هذا تضليلاً فجاً وتأكيداً علي عامل العرض وكأنه السبب الوحيد في ارتفاع الأسعار مع تجاهل العوامل الحقيقية التي تدفع إلي ذلك رغم تأكيدات العديد من المحللين والخبراء أن سوق البترول لا تشهد اختلالاً بين العرض والطلب ولا ينقصها المعروض بل علي العكس يزيد علي الطلب بما يسمح بملء الخزانات. واتخذ الأمريكيون هذا القرار غير عابئين كالمعتاد بأن أوبك تتكون من دول ذات سيادة وليس من مجموعة شركات تتكتل لاحتكار سوق ما ولكنهم في المقابل لم يتخذوا أي إجراء لزيادة طاقة المصافي الأمر الذي قد يسهم بشكل مباشر في حل مشكلة المستهلك الأمريكي. لكن سوق البترول العالمية تظل أعقد من ذلك بكثير وتتحكم فيها العديد من العوامل المتداخلة لم يستطع المحللون والخبراء التوصل بشكل قاطع إلي سر ارتفاع سعر الخام. حاول وزير البترول السعودي علي النعيمي الذي تملك بلاده الطاقة الإنتاجية الزائدة في أوبك إقناع العالم بأن زيادة الإنتاج يجب أن تأتي استجابة لزيادة الطلب وليس لتحركات الأسعار، وأشار الشيخ أحمد الفهد الصباح رئيس أوبك ووزير البترول الكويتي إلي معلومات تشير إلي أنه لا توجد زيادة في الطلب مشيراً إلي أن الإمدادات ستزيد بأكثر من مليون برميل يومياً في الربع الثالث من العام، ومع ذلك بدأ رئيس أوبك التشاور مع وزراء آخرين من أعضاء المنظمة علي زيادة إضافية في الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يومياً إذا ظلت أسعار الخام مرتفعة، ألا يبدو ذلك غريباً فهو الذي أكد أنه ليس هناك زيادة في الطلب فلماذا يسمح بزيادة العرض؟ وما السبب في ارتفاع الأسعار أصلاً، تري أوبك أن اختناقات صناعة التكرير هي السبب في ارتفاع الأسعار لأنها السبب في نقص منتجات مكررة مثل وقود الديزل ووقود الطائرات وزيت التدفئة، لكن المنظمة مع ذلك تواصل استجابتها لأي مطلب أو ضغط بزيادة الإنتاج. وارتفعت أسعار البترول ليبلغ سعر الخام الأمريكي الخفيف 60 دولاراً للبرميل وتوقع شكيب خليل وزير البترول الجزائري أن تظل الأسعار مرتفعة علي مدي هذا العام فلا تقل عن 50 دولاراً للبرميل حتي نهاية 2005 بسبب نقص طاقة التكرير. وكان المحللون من قبل يتحدثون عن عوامل أخري منها المخاوف الأمنية علي الإمدادات لكن لم يعد أحد يذكر هذا العامل الآن فالإمدادات لم تتعطل وكانوا يتحدثون كذلك عن علاوة حرب أضافت للسعر ما بين ثلاثة وخمسة دولارات للبرميل لكن هذا العامل لم يعد أي من المحللين يذكره في التحليلات اليومية لحركة الأسعار، لكن ربما كان هناك عامل آخر مازال قائماً وهو إحباط الولاياتالمتحدة بشأن بترول العراق فقد كانت تتوقع أن تتمكن خلال عامين من الغزو من ضمان عودة الإنتاج لما كان عليه قبل الحرب لكن ذلك لم يحدث وحتي بعد ثلاثة أعوام وكانت تتوقع زيادة الإنتاج بدرجة كبيرة لم يحدث شيء بسبب عدم القدرة علي السيطرة علي الأمن هناك ولا تشير أية بيانات أو معلومات إلي احتمالات زيادة كبيرة متوقعة في إنتاج العراق، وحتي لو زاد إنتاج العراق من الخام وتدفق المزيد من الخام علي الغرب فأين المصافي التي ستستوعبه؟ ولماذا لم يتخذ أحد أي إجراء ملموس لحل هذه المشكلة؟ وهل من مصلحة أحد أن يبقي الوضع علي ما هو عليه لإغراء الدول المنتجة بالأسعار المرتفعة ودفعها لما يطلق عليه الإنتاج الجائر حتي تمتلئ مخازن الغرب بالخام أم أن هناك تفسيرات أخري؟