أثار حصول الحزب الممثل للتيار السلفي علي نحو20% من مقاعد البرلمان الأول بعد الثورة العديد من التساؤلات عن أسباب هذه النسبة ومدي تأثيرها علي البرلمان خاصة أن المفاجأة ليست بسبب قلة عدد أنصار هذا التيار وإنما لقلة خبراتهم علي الساحة السياسية سواء فيما يخص الممارسة أوالخطاب السياسي. ويؤكد دكتور «حسن نافعة» أستاذ العلوم السياسية أن التيار السلفي له قاعدة عريضة في المجتمع المصري ورغم أنه غير منظم بنفس قدر التنظيم المعروف لدي جماعة الإخوان المسلمين ولكنه موزع علي فرق كثيرة معظمها يحمل السلاح ويستخدم العنف وقد اختفت هذه الفرق لبعض الوقت ثم عادت للظهور مرة أخري بالإضافة إلي وجود رموز مهمة أغلبهم يعملون خطباء بالمساجد ووعاظ، وجزء يعمل بالدعوة الإسلامية وبناء عليه أصبح لهم جمهور يستمع إليهم من خلال المنابر والشرائط المسجلة حتي كون حشدا. ويري «نافعة» أن خطورة هذا التيار ليس في كونه منظما أولا وإنما في الخطاب الموجه للجمهور العام والذي في معظمه جمهور غير واع وغير مثقف من الأحياء الشعبية البسيطة. ويضيف أن هذا التيار استغل اللحظة التاريخية التي جاءت في أعقاب ثورة كبري (25 يناير) والتي فجرت كل ما في أحشاء المجتمع المصري بما فيهم التيار السلفي ورموزه من الذين شاركوا في نهاية أحداث هذه الثورة. عكس الإخوان بينما يري دكتور «عمروهاشم ربيع» رئيس مركز البحوث البرلمانية والخبير الاستراتيجي أن هناك اختلافا للتيار السلفي عن جماعة الإخوان حيث كانت بدايتهم بالعمل الاجتماعي فقط ثم توجهوا للعمل السياسي بينما بدأت الإخوان بالسياسة مباشرة موضحا أن هناك وجودا طاغيا في بعض المحافظات كالإسكندرية والبحيرة وكفر الشيخ متوقعا زيادته في الجولات المتبقية من الانتخابات. ووصف «هاشم» هذا التيار بأنه جماعة إسلامية وليس مجرد حزب النور أوالفضيلة فحسب ولها معاقلها في شتي المحافظات بشكل أساسي حتي وإن كان دخولهم للساحة السياسية من بوابة السلاح باستثناء حزب النور، وكان لهم الغلبة في أحداث 1981 بأسيوط وسوهاج ومن المتوقع استمرارهم لشعبيتهم وليس لتنظيمهم وسوف تكون جولات الإعادة معركة شرسة بينهم وبين الإخوان حتي وإن كان بينهما تنسيق في بداية الانتخابات. خلفية دينية عامة الشعب من المصوتين لصالح هذا التيار يختارونه فقط لمجرد خلفيته الدينية حتي وصل الأمر إلي أن التصويت قد يأتي لصالحهم أكثر من الإخوان فيما بعد، هكذا تري دكتورة «جورجيت قليني» عضومجلس الشعب السابق حيث ارتبطت صورة التدين في نظر الناس باللحية وهنا يكون السلفيون ملتحين أكثر من جماعة الإخوان فالمظهر العام للبس والالتحاء هودلالة التيار الإسلامي. ولا يعرف أحد من بسطاء الشعب أن يفرق بينهما وهوما يعني أن أحزاب التيار السلفي استفادت من شعبية الإخوان، فلولا الإخوان في الانتخابات ما حصل السلفيون علي هذه النسبة التي لا تعبر عن وجود حقيقي لهم في الشارع السياسي وإنما مجرد كتلة تصويتية دينية. القوي المدنية ودائما ما يتحدث دكتور «عمروالشوبكي» الخبير الاستراتيجي عضوالهيئة الاستشارية لحزب العدل في مقالاته عن قوة الإسلاميين بشكل عام ولكن هذه المرة أرجع تقدم السلفيين في كثير من الدوائر الانتخابية إلي بعض أخطاء القوي المدنية والتي جاءت لتصب في صالح القوي الإسلامية فاختيار النظام الانتخابي المختلط بين الفردي والقوائم انعكس بالسلب في أكثر من نقطة منها إضعاف تأثير العصبيات العائلية في الأرياف لصالح الخطاب الديني وليس الخطاب المدني بالإضافة إلي قلة فرص الشباب والأحزاب الجديدة والشخصيات المستقلة لصالح تلك القوي الأكثر تنظيما. علاوة علي عدم قدرة بعض التيارات المدنية والائتلافات الشبابية علي امتلاك قدرات التواصل مع بسطاء الناس في الشارع ولذلك لا يمكن تجاهل هذه الأخطاء ولكن علي الناخب أن يعطي صوته لمن يعبر عن اتجاهاته وأفكاره. المتابعة الأمنية يؤكد «ناصر أمين» مدير مركز استقلال القضاء علي أن هذا التيار لا يستهان به رغم عدم ظهوره إلا مؤخرا ورغم أنه لا يحظي بالتنظيم مثل باقي التيارات السياسية ولكنه استطاع في وقت قليل تنظيم صفوفه نوعا ما خاصة وأنه يختلف عن الإخوان في كونه ملتصقا بالناس ومشاكلهم الحياتية سواء عبر المساجد أوصناديق الزكاة أوحتي تقديم الخدمات بشكل أوبآخر خلال فترة المتابعة الأمنية لهم بالإضافة إلي أن بعدهم الواضح عن السياسة لفترة طويلة نتيجة للقمع الأمني أكسبهم درجة من التعاطف بين المواطنين البسطاء في معظم المناطق المهمشة وانعكس ذلك علي صناديق الانتخاب. ويتوقع «ناصر» أنه في جولات الإعادة سيكون لقانون الوحدة والصراع التطبيق الأول بين تحالف الإخوان والسلفيين بعدما أصبحا يتنافسان وجها لوجه. ويضع «نبيل عبدالفتاح» خبير الحركات الإسلامية بمركز الأهرام الاستراتيجي عددا من الأسباب وراء تقدم التيار السلفي في المرحلة الأولي للانتخابات منها استخدام نظرية «ملء الفراغ الديني» والتي ظهرت في مصر بعد القمع الواضح في عصر السادات ومبارك حيث تم السماح للسلفيين بالتمدد داخل المجتمع لقطاعات كبيرة خاصة في الأرياف بالإضافة إلي تركيزهم علي المرأة والطقوس الشكلية للممارسة الدينية، علاوة علي امتلاكهم لغة دينية وسياسية بسيطة يسهل علي المواطن العادي من غير المتعلمين أوحتي محدودي التعليم فهمها حتي بنوا صلات معهم. ويضيف «نبيل» أنهم يمتلكون قدرا من التمويل كبيرا ومخيفا ولا أحد يسأل عن مصادرها مثلهم مثل الإخوان المسلمين وكذلك نجحوا في التمدد داخل الفراغات التي غابت عنها التيارات اليسارية والليبرالية التي قمعها مبارك فحققوا انتشارا في المرحلة السابقة علي ثورة يناير. أما عن المرجعية الدينية فيقول «نبيل» إنه رغم الصراع السياسي والديني والأيديولوجي بين السلفيين والإخوان فإن كليهما جاء علي ذات المصادر الفكرية فالإخوان أحد أهم مكوناتهم الأيديولوجية السابقة هي المرجع السلفي فحسن البنا اتبع خط رشيد رضا المحافظ ولكن كل ذلك لا ينفي أن البرلمان القادم انتقالي بامتياز وربما يحل بمجرد وضع الدستور القادم ولا ننسي الإشارة إلي أن جولة الإعادة بين الإخوان والسلفيين سيكون مستخدما فيها كل الأساليب حتي تكسير بعضهما البعض.