لكل ثورة خطابها الإبداعي - الذي يتسم في بدايته - بطابع فطري يواكب ما يعتمل في صدور الثائرين وحناجرهم من الدعوة إلي الحرية بمفرداتها المتعددة وقيمها السامية. وهو إبداع - علي ما أري لا ينحاز كثيرا إلي الجماليات اللغوية والأدائية التي أسست لها النظريات الإبداعية، قدر انحيازه للحظة، فهو إبداع وليد اللحظة يكتسب إيقاعه من نبض الحشود الثائرة، ومع ذلك هو أقرب الأشكال الإبداعية وصولا إلي الوجدان، لأن ما ينبع من القلب يصل إلي القلب بسهولة. إذا كانت ثورة 25 يناير فريدة في نوعها، لأنها استمدت شرعية من كونها «ثورة شعبية» شارك فيها جميع أبناء الشعب بطوائفه المختلفة وتياراته المتعددة، فهي أيضا - علي المستوي الإبداعي الموازي - اتسمت بمصرية خالصة، حيث برزت الروح المصرية في الهتافات والأغاني، وأعادت كذلك روح الدعابة والسخرية التي اشتهرت بها الشخصية المصرية علي مر العصور وافتقادتها في الثلاثين عاما الماضية، وهذا ما رأيناه من عودة ما يسمي ب «النكتة السياسية» التي تقوم علي النقد السياسي والاجتماعي بطريقة رمزية وإشارية مغلفة بحس ساخر عميق، ومنها علي سبيل المثال لافتة رفعها أحد المتظاهرين في ميدان التحرير مكتوب عليها «اتنين ممسكوين في أمن الدولة: واحد بيقول للتاني.. منشورات ولا مظاهرات، قاله أجندة» وأخري في نفس الاتجاه بعد اتهام السلطة عبر إعلامها الرسمي للمتظاهرين بأنهم يحملون أجندة أجنبية تسعي لإسقاط النظام، تقول: «عاجل: من ميدان التحرير: تجمع أكثر من مليون أجندة للإطاحة بحسني مبارك، وأجند وأجندة يعقدان قرانهما وسط تهليل جموع الأجندات»، ولافتة أخري كتب عليها: «الدنيا كدة زي الأجندة يوم في إيدك ويوم علي المكتب». وقد ظهر في ميدان التحرير «نشيد» ردده بعض الشباب أسموه «نشيد الأجندة» يسخرون فيه من أكاذيب وادعاءات الإعلام الرسمي الذي أراد النيل من الثورة تقول كلماته: أنا مندس.. أنا مندس هات لي أجندة ووجبة وبس مش هارديز أو كنتاكي هات لي وجبة دينربوكس أو سوبر زنجر من غير خس هات لي أجندة من الفجالة أعمل بيها ثورة في مصر أنا مندس.. أنا مندس وكل الشعب كمان مندس كل الناس مش عايزينك وانت يا حسني مش بتحس كل فضايحك.. كل جرايمك كله موجود علي ويكليكس أنا مندس.. أنا مندس عندي أجندة مستر إكس إبداعات تشكيلية وقد حاول بعض الفنانين التشكيليين رسم أحداث الثورة فظهرت لوحات للفنانين محمد عبلة ومحمد حجي وطه القرني الذي رسم جدارية عن الثورة مساحتها 40 مترا، ومن المشاهد اللافتة أن ابن الفنان التشكيلي الراحل حامد عبدالله جاء بمجموعة من لوحات والده إلي ميدان التحرير، وهي عبارة عن مستنسخات من لوحاته الأصلية أتي بها سمير من فرنسا حيث يعمل هناك منذ أكثر من ثلاثين عاما مخرجا للأفلام الوثائقية، ووقف سمير ليعرض لوحات والده - أحد رواد الفن التشكيلي المصري - قائلا: «أنا لست هنا لأعرض لوحات أبي، ولكن أنا هنا لأن أبي لو كان علي قيد الحياة كان سيفعل ذلك». ورفع سمير لوحة رسمها حامد عبدالله في الستينيات تحمل عنوان «انهض أيها الشعب» وقد أهداها سمير لميدان التحرير. وقد بدأت الهيئات الثقافية في إقامة ورش فنية عن الثورة مثل الهيئة العامة لقصور الثقافة التي تقيم ورشة لفن الكولاج تحت عنوان «ثورة شعب» ببيت ثقافة دار الإشارة يوم الأحد 27 مارس الحالي، وورشة للفنون التشكيلية ببيت ثقافة نادي المرج يوم 17 مارس تحت عنوان «ترنيمة في حب الوطن». الأغنية الوطنية وعلي مستوي الأغنية الوطنية فقد ظهرت مجموعة من الأغاني، جاءت علي ثلاثة مستويات: المستوي الأول: عن شهداء الثورة، والثاني التأكيد علي وحدة الشعب والجيش، والثالث: الإشارة إلي أن المرحلة القادمة هي مرحلة العمل والبناء. من الأغاني المهداة إلي شهداء الثورة أغنية «أنا الشهيد» كلمات وليد جودة وغناء وألحان وليد سعد، وتقول كلماتها: «أنا اللي طول عمري ماقلتش لأ:/ دخل الرصاص قلبي/ وقلبي انشق/ ولما قلت فجأة لقيت باموت/ مبسوط عشان الحق/ أنا الشهيد كان اسمي فلان/ مصري ومصر الأصل والعنوان/ وصورتي آهة مرفوعة في الميدان/ بإيدين مني ومينا وعبدالحق/ أنا لحد ما كنت باموت/ كنت باشتكي مابينسمع لي صوت/ والظلم ياما فوق دماغي دق».. ومنها كذلك أغنية «يا بلادي يا بلادي» ألحان وغناء غريد الشافعي بالاشتراك مع رامي جمال تقول كلماتها: «يا بلادي يا بلادي/ أنا بحبك يا بلادي/ قولوا لأمي ماتزعليش/ وحياتي عندك ما تعيطيش/ قولها ماعلش يا أمي/ أموت أموت/ وبلدنا تعيش/ أمانة تبوسوا لي إيديها/ وتسلموا لي علي بلادي/ في جسمي نار ورصاص وحديد/ علمي في إيدي واسمي شهيد/ بودع الدنيا وشايفك يا مصر حلوة ولابسة جديد». وهذه الأغنية تنويع فني علي أغنية لحنها الموسيقار الراحل بليغ حمدي في نهاية الستينيات. أما أغنية «شهداء 25 يناير» كلمات ملاك عادل وألحان وغناء حمادة هلال فتقول كلماتها: «شهداء 25 يناير/ ماتوا في أحداث يناير/ راحوا وفارقوا الحياة/ شهداء لازم نتباهي بيهم/ وكمان مبروك عليهم الجنة والسما». ومن الأغنيات التي أكدت علي تماسك الشعب المصري وقت الثورة أغنية «الله حي» كلمات مدحت العدل ومنها «الله حي/ شعبنا حي وسع سكة لبكرة الجي/ ورد شبابنا لمصر البلدي». ولعل أغنية «محمد منير» «إزاي» كلمات نصرالدين ناجي والتي كتبت قبل الثورة ولم تظهر للنور إلا وقت الثورة لأسباب سياسية منعتها فتتحدث عن الإرادة المصرية المكبوتة لسنوات طويلة بفعل سياسات الإفقار والإذلال التي مارستها السلطة الحاكمة. ومن الأغنيات التي تدعو إلي العمل ومواصلة طريق الثورة بالإنتاج الأغنية التي كتبها نجم النادي الأهلي محمد بركات وغناها إيهاب توفيق ومنها: «هات إيديك يالله في إيديا/ شدوا حيلكم يا مصراوية/ يلاهمتكوا يا رجالة/ إحنا قد المسئولية»، وكذلك أغنية «قطر العمل» لمحمد ثروت، ومن الأغنيات المهداة للجيش أغنية تامر حسني «متشكرين يا جيشنا يمعلي راسنا في السما». تجارب درامية من ناحية أخري فقد أعلن بعض مخرجي السينما عن البدء في مشاريع سينمائية تؤرخ للثورة ومنهم المخرج مجدي أحمد علي والمخرج خالد يوسف الذي أعلن أنه سيبدأ في مشروع فيلم تحت عنوان «الشارع لنا»، وأعلنت مريم ناعوم التي تكتب سيناريو مسلسل «ذات» والمأخوذ عن رواية للروائي صنع الله إبراهيم بنفس الاسم، أنها تعمل - حاليا - كتابة حلقات جديدة منه عن ثورة يناير، وأعلنت الفنانة مني زكي أنها تنوي أن تجسد شخصية «سالي زهران» التي استشهدت في بداية أحداث الثورة.