الإضرابات تتزايد والدعم لايصل لطبقة العمال "العمال المصريون.. ضحايا الرأسمالية "كان هذا هو العنوان لندوة عقدها مركز الأرض لحقوق الإنسان بمقره بالقاهرة بحضور نحو 50 مشاركا من خبراء الاقتصاد وعمال النسيج والنقابيين وممثلي منظمات غير الحكومية المهتمة بحقوق العمال إضافة إلي عدد من الإعلاميين والصحفيين. بدأت فعاليات الندوة بكلمة الباحث العمالي أسامة بدير منسق الندوة، أكد فيها ان تدهور حقوق العمال جاء نتيجة تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي واقتصاد السوق الحر، حيث لم تراع البعد الاجتماعي والاقتصادي لاوضاع العمال المصريين مما أدي لتشريد وطرد الآلاف لينضموا إلي طابور البطالة المنتشرة أساسا في المجتمع، وزاد الأمر تعقيدا في ظل أزمة مالية طاحنة استغلها رجال الأعمال في مصر ، ما أثار حفيظة هؤلاء العمال في القيام بمئات الاعتصامات والاحتجاجات والتظاهرات لدرجة أنه خلال النصف الثاني من شهر يناير 2010 حدث 59 احتجاجا في 55 موقعا. الأزمة الجلسة الأولي تناولت المحور الأول للندوة والذي جاء بعنوان " الأزمة الاقتصادية العالمية .. امتحان لمبادئ اقتصاد السوق الحرة " وترأسها عبد الغفار شكر نائب رئيس مركز البحوث العربية، و أكد "شكر" أهمية عقد هذه الندوة التي تناقش موضوعا يهم نحو 35% من سكان مصر هم طبقة العمال. قال د.أحمد السيد النجار الخبير الاقتصادي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إن قضايا العمال في ظل التطور التقني أصبحت متشابة إلي حد بعيد علي المستوي العالمي، وأنه لا ينبغي الوقوف علي الحلول التقليدية، وأضاف "النجار" أن من أسوأ ما حدث في العالم وفي مصر سيطرة رأس المال علي الحكم لأن عادة الرأسمالية كانت تحكم من الطبقة السياسية بالتخلي عن المسئولية الاجتماعية، ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تأصلت فيها الرأسمالية كان الرئيس رأسماليا سياسيا فأصبحت الرأسمالية حيادية تجاه المصالح الاجتماعية، فالقاعدة الذهبية الأولي للرأسمالية المسماة " العلم المتزامن بظروف السوق" أي أن جميع الرأسماليين علي علم بظروف التغير في السوق في آن واحد ، إلا أن غياب هذه القاعدة في مصر وحدوث الخصخصة خالف الاتجاه العالمي. وعن الطبقة العاملة في مصر أكد النجار أن عليهم النضال من أجل ارجاع حقوقهم، وأضاف أنه تجب مساندتهم من الهيئات المعنية بحقوق الإنسان فهم أكثر بؤسا، رغم ما تروجه الحكومة عن قيمة الدعم الذي تقدمه - فالدعم في مصر يبلغ 6.2%، بينما في أمريكا 12.9%، وفي المانيا 25.9% ، وفرنسا 24.4%، وبريطانيا 24.4% وعليه فمصر اكثر البلدان بؤسا وتعاني طبقة العمال من فقر شديد نتيجة ضعف الدعم الحكومي للخدمات الأساسية مقارنة بدول اخري، إضافة إلي أن الدعم لايصل لطبقة العمال والكادحين بل يصل فقط للطبقة العليا الرأسمالية. الأكثر فقرا الجلسة الثانية كانت تناقش محور العمال والأزمة الاقتصادية العالمية في مصر برئاسة الباحث أسامة بدير الذي عرض نتائج لدراسة علمية أعدها البنك السويسري UBS حول "الأسعار والرواتب" في 73 مدينة في العالم بين شهري مارس وأبريل عام 2009، حيث كشفت أن العامل في القاهرة الأكثر كدحا في العالم يعمل أكثر من نظيره في أي مكان في العالم، بمتوسط ساعات عمل سنوية يصل إلي 2373 ساعة عمل، بواقع 600 ساعة إضافية سنويا عما يعمله نظيره في الدول الأوروبية، في حين أن متوسط العمل العادي للإنسان يبلغ 1902 ساعة سنويا. تحدث صابر بركات - عضو اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية والعمالية عن الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلي المزيد من اختناق سوق العمل المصرية، حيث ضربت الأزمة المالية العالمية ونتائجها علي الاقتصاد الوطني أساس الأمان الاجتماعي، وعصفت بالعديد من حقوق العمال وعلي رأسها الحق في العمل ذاته بتصفية وغلق كثير من المصانع، ما أدي إلي زيادة معدلات الفقر والبطالة التي قد تمتد لسنوات قادمة. وألمح بركات إلي أن جهاز المخابرات المركزية الأمريكية قدم توصية عاجلة للحكومة المصرية بضرورة وضع حد أدني عادل للأجور لأنه الأمر الذي يأمن حدوث انفجار الشعب في اللحظة الآنية، ولفت بركات إلي أن الحد الأدني للأجور يتحدد وفقا لمتوسط الثروة الوطنية - بواقع 900 جنيه شهريا لأسرة مكونة من 4 أفراد وفق البيانات الرسمية - الذي ينبغي أن يوزع بعدالة ليغطي الاحتياجات الأساسية لاستمرار حياة الإنسان بكرامة مؤكداً ان الحد الادني يجب أن يزيد علي ذلك لتلبية احتياجات المواطنين الاساسية . النسيج ودارت الجلسة الثالثة برئاسة كرم صابر المدير التنفيذي لمركز الأرض، والمعنونة ب«عمال النسيج نموذج للتحركات العمالية المناضلة وأوضح أن قطاع النسيج يعمل به حوالي مليون عامل وهو اكثر القطاعات العمالية تأثراً بسياسات الخصخصة ، كما أن هذا القطاع اتسم خلال السنوات الماضية بأن عماله كانوا في مقدمة مشهد المقاومة العمالية ، ثم تحدثت فاطمة رمضان الباحثة بمركز الدراسات الاشتراكية، مؤكدة أن حركة احتجاجات عمال النسيج في مصر كسرت الحدود والحواجز في التعبير عن حقوقهم أمام القوي السياسية، بعد أن شهدت انخفاض قوتها منذ التسعينيات، ومع تطبيق سياسة الاصلاح الاقتصادي والخصخصة وبيع الشركات لرجال الاعمال، اشتدت حركة احتجاجات عمال النسيج مع بداية الألفية الجديدة بعد الاعتداء علي حقوق العمال، ولفتت فاطمة الانتباه إلي أن احتجاجات العمال امتدت إلي الأمور السياسية مثل التضامن مع الشعب الفلسطيني، واحتجاجات اخري ضد توريث الحكم وتشويه صورة القضاء في مصر. وأوضحت فاطمة أنه طبقاً لتقارير مركز الارض لحقوق الانسان فقد وصل عدد الاحتجاجات في عام 2002 إلي نحو 96 احتجاجا، ثم ارتفعت إلي 226 عام 2004، ووصلت إلي نحو 222 احتجاجا عام 2006 ثم اخذت في التزايد حتي بلغت 756 عام 2007 إلي أن أصبحت 742 احتجاجا في عام 2009. وأرجعت فاطمة خصوصية قطاع الغزل والنسيج في تاريخ الاحتجاجات بمصر إلي أنه يعد القطاع القائد لكل الحركات العمالية الاخري، إضافة إلي أن أعمار العاملين به تتراوح ما بين 50 و 55 سنة غالبا ما يكونون قد عاصروا تغيرات سياسية كثيرة اكتسبوا خلالها خبرات منذ عام 1978. هذا وقد ركز معظم مدخلات هذه الجلسة علي قسوة الظروف المحيطة بعمال غزل المحلة علي اعتبارهم نموذجا قويا للاحتجاج والتظاهر علي الأوضاع المتردية التي يعانون منها، كتدني الأجور وافتقاد كل مقومات عناصر الأمان الصناعي والاجتماعي بصفة خاصة، تسببت في ضياع استثمارات قطاع النسيج بما يعادل نحو 40 مليار جنيه. الإنقاذ الجلسة الرابعة التي ناقشت برنامج عمل وطني دفاعا عن حقوق العمال أملا في إنقاذ عمال مصر من تدهور أوضاع صناعة النسيج في مصر واقتصاد مصر من الخراب تحدثت وفاء المصري محامية وناشطة حقوقية، مستعرضة تصاعد أزمة العمال مع دخول برنامج الخصخصة حيز التنفيذ، حيث أخذت الحركة العمالية أشكالا متعددة وجديدة مطالبة ببعض المطالب الفئوية أهمها الحصول علي الأجور العادلة التي تتوافق مع مستوي الأسعار وحصة عادلة في الأرباح. وشددت وفاء علي ضرورة مساندة القوي السياسية حركات هؤلاء العمال في مطالبهم والوقوف معهم ضد كل من اغتال حقوقهم المشروعة وفق القوانين والتشريعات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق العمال والتي وقعت عليها الحكومة المصرية سلفا، وينبغي عليها احترامها وتفعيل كل ما نصت عليه، وحذرت وفاء أنه مع غياب دور اتحاد العمال عن مساندة العمال في قضاياهم العادلة، ولتجنب شق الصف والقدرة علي توحيد الجهود ينبغي إيجاد قوة تستطيع الضغط والتفاوض أمام الحكومة ورجال الأعمال . وأكدت أنه لابد من أن يقوم العمال بتنظيم أنفسهم من الداخل والبحث عن أدوات القوة التي يمكن استخدمها ضد الحكومة، وكذا تحديد محاور التفاوض لديهم، فمثلا يمكن اللجوء الي اللجنة النقابية وإن لم تنجح في مساندتهم ورفع مطالبهم للسلطة وممارسة الضغط عليها، تشكل لجنة عامة لتحقيق مطالبهم.