إرادة الحياة للمرة الثانية استأذنك عزيزي القارئ في قطع سلسلة لقطات «الدفة والشراع»، لأتابع ميلاد مصر الجديدة، في لقطات 19 يناير والتي كتبتها قبل اندلاع انتفاضة الغضب بأسبوع واحد قلت إن «الأرجح أن تكون انتفاضة تونس هي البداية لعملية تغيير جذري في الوطن العربي من المحيط إلي الخليج، نعم، قطار التغيير قد انطلق من تونس، وسيتوقف في محطات أخري في المشرق والمغرب، ولا شك عندي أن محطته الرئيسية ستكون هنا في المحروسة، لأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر أسوأ كثيرا منها في تونس، كما أن مصر هي محور الارتكاز ورمانة الميزان للوطن العربي، وقلب العروبة الذي سيعاود النبض لا محالة». وأضفت وقتها: «هل يتوقع أن تحدث ثورة شعبية في مصر أسوة بتونس؟ ونحن في الذكري 34 لانتفاضة 18 و19 يناير 1977، فهذا هو الأرجح، بل ربما يكون اندلاع ثورة شعبية في مصر في حكم المؤكد، المسألة مسألة وقت فقط، فأوضاع مصر الاقتصادية والاجتماعية أسوأ كثيرا من أوضاع تونس، بل وتزداد سوءا، فالفقر أكثر عمقا والبطالة أوسع انتشارا والغلاء أشد وطأة، والفوارق الطبقية اتسعت كثيرا نتيجة تركز الدخل والثروة، وفساد نظام مبارك لا يقل كثيرا عن فساد نظام بن علي، والوضع السياسي تدهور بشدة مع التزوير الفاضح للانتخابات في 2010 والتضييق المتزايد علي حرية التغيير والإعلام، تحية لشعب تونس الثائر، وتقديراً لشعب مصر الصابر، فدولة الظلم زائلة لا محالة». نعم، دولة الظلم زائلة لا محالة، فها هو الحريق الذي طالما حذرت منه قد اندلع، وأتمني أن يبقي علي الأخضر ويأكل اليابس فقط، وها هي أكوام الحطب الجاف التي طالما نبهنا إلي خطورتها قد اشتعلت في مفاجأة مدهشة لمن عجزوا عن قراءة التاريخ، لكن ما يزيد الغضب هو رد فعل النظام لهذا الانفجار المدوي، فبعد صمت رهيب دام أربعة أيام، خرج الرئيس ليعلن عن تعيين نائب له وإقالة الحكومة، ولكن هذا لا يحل المشكلة، بل إن النظام استنسخ نفسه علي طريقة «شالو ألضو وجابوا شاهين»! إننا نرفض هذا المنهج من أساسه، وبهذه المناسبة أقدم للشباب المصري الناهض تحية تقدير واحترام، فنحن معكم سنمضي إلي الأمام، وللشعب المصري الصابر أقول هيا التحم مع شبابك وقرر مصيرك بيدك، لقد سقط حاجز الخوف إلي غير رجعة. صباح الأربعاء الماضي كنت أقف علي حافة ميدان التحرير استرجع مشهد يوم الغضب، جلت ببصري في أرجاء الميدان وتداعت إلي الذاكرة مشاهد الانتفاضة الشعبية في 18 و19 يناير 1977، قارنت بين هتاف الجماهير وقتها: «سيد مرعي يا سيد بيه كيلو اللحم بقي بجنيه»، وهتافها اليوم: «متر مدينتي بخمسة جنيه وكيلو اللحم بمائة جنيه»، فجأة تقدم إلي شاب قائلا: أنا عمري 23 سنة، لكن ميلادي الحقيق كان أمس هنا في الميدان»، لمحت شعاعا نفاذا وبريقا أخاذا ينبعث من عينيه، قلت لنفسي: إنها تباشير الفجر، فقد بدأ العد التنازلي علي نظام مبارك. حكمة اليوم: وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة تدق.