إذا الشعب يوما أراد الحياة في الأسبوع الماضي بدأت الحلقة الأولي من سلسلة لقطات بعنوان «الدفة والشراع»، الهدف منها وضع قضية إصلاح حزب التجمع علي جدول أعمالنا، لكن التطورات السريعة في تونس لا يمكن تجاهلها، فالأرجح أن تكون انتفاضة تونس هي البداية لعملية تغيير جذري في الوطن العربي من المحيط إلي الخليج، نعم، قطار التغيير قد انطلق من تونس، وسيتوقف في محطات أخري في المشرق والمغرب، ولا شك عندي أن محطته الرئيسية ستكون هنا في المحروسة، لأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر أسوأ كثيرا منها في تونس، كما أن مصر هي محور الارتكاز ورمانة الميزان للوطن العربي، وقلب العروبة الذي سيعاود النبض لا محالة. الشرارة التي أحدثت هذا الانفجار الهائل هي محاولة الشاب العاطل «محمد بوعزيزي» إحراق نفسه، وهناك أكثر من نصف مليون عاطل في تونس، وعشرات الملايين في الوطن العربي، كثيرون جازفوا بحياتهم يأسا عبر البحر المتوسط إلي أوروبا، لتنتهي رحلتهم إما في أعماق البحر أو في غياهب السجون، هؤلاء يطلق عليهم في المغرب العربي «الحارقون»، أي الذين يحرقون أوراق هويتهم وينخرطون في الهجرة غير الشرعية، وهناك من سبق أن حاولوا الانتحار إما حرقا أو غرقا أو شنقا، أو بالسم الزعاف، فلماذا إذن كانت حالة بوعزيزي هي الشرارة التي أطلقت تلك الطاقة الجبارة.. طاقة الجماهير؟ ولماذا كانت تونس هي البداية، وليس مصر أو الجزائر مثلا؟ لا شك أن تونس في وضع اقتصادي أفضل نسبيا من العديد من دول المغرب والمشرق، لكن المشكلة أن نظام الرئيس الهارب «بن علي» أفرز فسادا لا نظير له في دوائر السلطة وما حولها، والحديث لم ينقطع عن العمولات والسمسرة ونهب المال العام وانتقال مشروعات القطاع العام بطرق غير شفافة إلي أقارب الرئيس وأعوانه وزوجته وأقاربها، وقد لا يختلف في هذا كثيرا عن باقي الدول العربية، لكن الخطورة أن «بن علي» مارس قدرا رهيبا من القمع تراوح بين الزج في السجون والتصفية الجسدية، مرورا بالنفي خارج البلاد، ولم يقتصر هذا القمع علي النشطاء السياسيين، بل امتد إلي أساتذة الجامعات والقضاة والمثقفين والصحفيين ونقابات العمال. هل يتوقع أن تحدث ثورة شعبية في مصر أسوة بتونس؟ ونحن في الذكري ال 34 لانتفاضة 18 و19 يناير 1977، فهذا هو الأرجح، بل ربما يكون اندلاع ثورة شعبية في مصر في حكم المؤكد، المسألة مسألة وقت فقط، فأوضاع مصر الاقتصادية والاجتماعية أسوأ كثيرا من أوضاع تونس، بل وتزداد سوءا، فالفقر أكثر عمقا والبطالة أوسع انتشارا والغلاء أشد وطأة، والفوارق الطبقية اتسعت كثيرا نتيجة تركز الدخل والثروة، وفساد نظام «مبارك» لا يقل كثيرا عن فساد نظام «بن علي»، والوضع السياسي تدهور بشدة مع التزوير الفاضح للانتخابات في 2010 والتضييق المتزايد علي حرية التعبير والإعلام، تحية لشعب تونس الثائر، وتقديرا لشعب مصر الصابر، فدولة الظلم زائلة لا محالة. حكمة اليوم: إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلابد أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي، ولابد للقيد أن ينكسر