استطاعت قوي المعارضة بقيادة حزب الله في معسكر (8 آذار) إسقاط حكومة الأغلبية برئاسة رئيس كتلة المستقبل سعد الحريري «معسكر 14 آذار»، والخطوة الثانية هي محاولة المعارضة نفسها بعد أن اقتربت عبر انضمام كتلة الرئيس الحزبي التقدمي وليد جنبلاط إليها من حيازة الأغلبية (65 نائبا) من تشكيل الحكومة حيث من المقرر أن تكون جلسات البرلمان قد انعقدت أمس و أمس الأول - للتشاور حول من سيشكل الحكومة وبالتالي اللجوء إلي التصويت في مجلس النواب، حيث بدت فرص المعارضة في تشكيل الحكومة برئاسة عمر كرامي نجل رئيس الوزراء الأسبق رشيد كرامي، وقد سبق لعمر كرامي أن شكل الوزارة التي أعقبت انتقال رفيق الحريري عام 2004، واضطر إلي الاستقالة بعد اغتيال الحريري في فبراير 2005. أو فيما تم ترشيح النائب نجيب ميقاتي لتولي الموقع مع غياب ممثلي حزب الله وتيار المستقبل كحل وسط. وإذا نجحت قوي 8 آذار في تشكيل الحكومة، فإن خطوتها التالية هي الانقضاض علي المحكمة الدولية، التي من المقرر أن تبدأ أولي جلساتها في 8 فبراير المقبل وبعد أن أعلنت قرار الاتهام «الظني» حول اغتيال الحريري و22 من السياسيين اللبنانيين كلهم من جبهة الحريري السياسية. والخطوات المتوقعة هي إصدار قرار حكومي بفك أي ارتباط بين لبنان والمحكمة الدولية وسحب القضاة اللبنانيين وإيقاف مساهمة لبنان في نفقات تلك المحكمة، واعتبار أن قراراتها لا تلزم لبنان بأي صورة من الصور، علي أساس أن المحكمة «مسيسة» وأنها تعمل تحت توجيه من جهات غربية تدعمها جبهة الحريري بغرض توظيف عملية اغتيال الحريري للانقضاض علي المقاومة اللبنانية وتجريد حزب الله من سلاحه، عبر توجيه اتهامات للحزب أو أعضاء منه بالضلوع مباشرة في عملية اغتيال الحريري، وذلك بعد أن سقطت محاولة اتهام سوريا وعدد من القادة العسكريين في لبنان بذات التهمة، ولكن تحقيقات المحكمة اكتشفت عدم وجود دلائل علي تلك الاتهامات فتم الإفراج عن الجنرالات اللبنانيين الأربعة المحبوسين، وكذلك إهدار شهادات قرابة 60 من المسئولين اللبنانيين، وهو ما تم إطلاق اسم «شهود الزور» عليهم من قبل حزب الله وحلفائه مطالبين بمحاكمتهم. هل تنجح خطة إسقاط المحكمة؟ وإذا كان إسقاط حكومة سعد الحريري قد تحقق عبر سحب حزب الله وحلفائه وزرائهم من الحكومة، علي الرغم من أن اتفاق الدوحة 2009 نص علي عدم اللجوء إلي مثل هذه الإجراءات فإن محاولة إسقاط المحكمة الدولية ونزع الشرعية عنها تبدو مخاطرة في غاية الصعوبة، لأنها ستضع لبنان كدولة وكذلك حكومتها الجديدة بقيادة حزب الله إذا نجحت في تشكيلها في مواجهة أخطر مع الشرعية الدولية، خاصة أن المحكمة مشكلة بقرار من مجلس الأمن، وفقا للفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة كما جري الحال مع المحكمة الدولية التي شكلت لمحاكمة مجرمي الحرب في يوغسلافيا. وتبدو الأمور في اتجاهها نحو مواجهة إقليمية بعد نجاح معسكر 8 آذار في تغيير موازين القوة في الداخل بانضمام وليد جنبلاط إليه، إذ تساند سوريا وإيران بشدة موقف هذا المعسكر سياسيا وعسكريا، في ضوء استفادة حزب الله لقدراته العسكرية التي تحطمت في العدوان الإسرائيلي عام 2006، بل ونجاح حزب الله في تطوير قدراته العسكرية إلي حد بعيد وهو ما يشكل تهديدا حقيقيا لإسرائيل إذا قررت معاودة عدوان 2006 من جديد. نهاية معادلة س. س وقد رفضت السعودية وفقا لتصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الاستمرار في ممارسة جهود سياسية بلا جدوي بعد أن تحدث الملك عبدالله بن عبدالعزيز بنفسه مع الرئيس بشار الأسد، وبالتالي فإن الجهود السعودية وصلت إلي طريق مسدود، بعد حدوث خلافات بين سوريا والسعودية أساسا حول كيفية حل الأزمة التي نشأت عن قرب إعلان قرار المحكمة الدولية. وكان الاتفاق السوري - السعودي يقوم علي حل وسط يسمح باتخاذ إجراءات بناء الثقة بين الجانبين (معسكر 8 آذار ومعسكر 14 آذار) بأن تعلن حكومة سعد الحريري إنهاء الالتزام تجاه المحكمة الدولية، مقابل الاستمرار في تطبيق اتفاقي الطائفوالدوحة وإنهاء تواجد حزب الله العسكري في بيروت وتركيز سلاح المقاومة في الجنوب وعدم استخدامه إلا ضد إسرائيل وإخراج سلاح المقاومة من المخيمات، والاستمرار في دعم الحكومة المشتركة التي تضم جبهتي المعارضة والأكثرية، إضافة إلي الاستمرار في الحوار الوطني برئاسة العماد ميشال سليمان لحل مشاكل الحكم المختلفة. الدور الأمريكي وفي الوقت الذي كان فيه رئيس الحكومة سعد الحريري في واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما، جاء الرد في لبنان بانسحاب وزراء المعارضة وهو ما أسقط الحكومة، وجعل الحريري بلا غطاء سياسي في الخارج أثناء لقائه بالرئيس أوباما. وحين عاد الحريري ونشطت الجهود السورية - السعودية وكذلك الجهود السياسية التي قامت بها تركيا وقطر وبدا أن هناك فرصة للتوصل إلي تسوية سياسية، أعلنت المحكمة الدولية توصلها إلي القرار الظني «قرار الاتهام» ولكنها أبقته سريا، وبالتالي فإن معسكر 8 آذار وجد أن التوقيع علي اتفاق تسوية لا معني له بعد أن أصبح قرار الاتهام حقيقة واقعة. الدور العربي وإذا كانت قوي المعارضة قد عاقبت الحريري الذي حاول كما تقول الاستقواء بالولاياتالمتحدة وبفرنسا، فإن الدور العربي ممثلا في الجامعة العربية يبدو في حالة شلل تام، وأصبحت الساحة اللبنانية مفتوحة علي كل السيناريوهات المحتملة في ضوء ممارسة كل القوي الإقليمية والدولية لنفوذها لدعم حلفائها في الداخل بداية من الولاياتالمتحدة وإسرائيل وفرنسا وصولا إلي سوريا وإيران وحتي السعودية ومصر التي اكتفت باستقبال رئيس حزب الكتائب الرئيس الأسبق أمين الجميل ومظاهرات السلاح والتهديد بحرب جديدة ليس بعيدا عن الواقع اللبناني، ولكن المشكلة هذه المرة أن السلاح في يد قوتين فقط وهما الجيش وحزب الله، فيما تم حل الميليشيات المسيحية واكتفت الأحزاب المنضوية في تحالف 8 آذار بحماية أمنية لن تستطيع أن تصمد في وجه أي اجتياح من جانب حزب الله. ولا يتوقع أن يدخل الجيش اللبناني في مواجهة مع ميليشيات حزب الله إذ سيعني ذلك جر لبنان إلي حرب أهلية أكبر شراسة مما حدث في الحرب التي امتدت 15 عاما من (75 إلي 1990) فهذا يشكل سيناريو الرعب، في وقت تحتاج فيه لبنان إلي أكثر من معجزة هذه الأيام لإنقاذها مما هي منزلقة نحوه بقوة هائلة، خاصة أن قوي إقليمية ودولية مستعدة هي الأخري للتدخل حيث لن تسمح إسرائيل ولا الولاياتالمتحدة وفرنسا بقيام دولة جديدة في لبنان يقودها حزب الله، علي أنقاض دولة التعايش بين الطوائف والأديان والتي تتعرض لأخطر امتحان لها منذ استقلال لبنان عام 1942.