لدي حكومة الائتلاف بين المحافظين والأحرار الثقة في عبور الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها بريطانيا ، غير أنها تواجه الاحتجاج من نقابات العمال الشرسة ، الرافضة لخطط وزير المالية جورج أوسبورن وتخفيضه للموازنة العامة بمقدار 80 مليار جنيه استرليني علي مدي السنوات الأربع المقبلة . وقد انضم الطلاب الي صفوف المحتجين اذ تظاهروا أمام مقر حزب المحافظين الحاكم للتنديد بموقفه من زيادة نسبة المصروفات الجامعية. خطة أوزبورن تدفع نحو ارتفاع معدلات البطالة في البلاد ، مع تقليص فرص العمل والتعافي كما يقول حزب العمال المعارض بزعامة اد ميليباند ، غير أن الحكومة بجناحيها الليبرالي والمحافظ تقف وراء خطتها مؤكدة أنها الطريق الوحيد لتجنب الافلاس ، ومضاعفات أزمة ضارية تراكمت بفعل تراخي الحكومة السابقة ، التي كان يتزعمها جوردون براون . يسعي ديفيد كاميرون رئيس الوزراء لزرع الثقة داخل ضمير الرأي العام البريطاني ، بأن معاناة الخروج من الأزمة الحادة ضرورية لتهيئة الاقتصاد لاسترداد حيويته مرة أخري . ويتفهم كاميرون الاحتجاج القادم من صفوف العمال والنقابات والأوساط الطلابية . السوق الصينية ولدي الحكومة عشرات الخطط لتحفيز النمو ، وهي تنشط في عقد صفقات تجارية وتحالفات اقتصادية وتوسيع سوق الصادرات الخارجية، بما يعود بالنفع علي مجمل أداء الاقتصاد الوطني . وقد ذهب رئيس الوزراء ومجموعة كبيرة من رجال الأعمال الي الصين لعقد صفقات تجارية معها وجذب السوق الصينية الي المنتجات البريطانية . وحتي الآن يبدي الرأي العام ثقته في أداء الحكومة ، علي الرغم من متاعب في الطريق وشتاء قاسٍ للغاية يزحف الي الحياة العامة ، مع قرب الاحتفالات بأعياد الميلاد وتعثر الميزان الاقتصادي لأغلب العائلات البريطانية ، نتيجة ارتفاع فاتورة تخفيض الموازنة العامة وتراجع الأجور والاعانات الحكومية التي تقدمها الدولة ضمن نظام الضمان الاجتماعي . ويعد ديفيد كاميرون رئيس الوزراء بحزمة سياسات تخفف من وطأة التخفيض الحكومي لانفاق الدولة العام . ولم تمس الوزارة الائتلافية مرفق الخدمات الصحية ونظام التأمين الطبي ، كما أنها حافظت علي معدلات قائمة للانفاق علي نظم التعليم . وقد مست التخفيضات قطاعات الانفاق علي القوات المسلحة وهيئة الاذاعة البريطانية ، وتوفير الانفاق الحكومي مما يعني تسريح الآلاف من موظفي الدولة وانعكاس ذلك علي حركة البيع والشراء في الأسواق التجارية ، التي تعاني بدرجة كبيرة من الكساد . يعترف وزير المالية بأن خطته لتخفيض 80 مليار جنيه استرليني من موازنة الدولة ، ستكون لها توابع سلبيه خلال الفترة المقبلة ، غير أن هذه الاجراءات علي الرغم من قسوتها قد تحفز سياسة التعافي واسترداد الاقتصاد لصحته العامة ثم استعادة الرواج وطفرة اقتصادية جديدة متوقعة . الفقراء يدفعون علي الرغم من هذه التأكيدات فان القلق يسود دوائر النقابات التي تدافع عن مصالحها وتري أن تخفيض الموازنة ألحق أضراراً بالأقل دخلاً ودفع لارتفاع أعداد العاطلين عن العمل ، كما أن الحكومة تجاهلت توازن معدلات العدل الاجتماعي وحملت الفقراء فاتورة الاصلاحات لتخفيض الانفاق العام . وقد بدأت سلسلة من الاضرابات والاحتجاجات العمالية والطلابية ، مع توقف عمال قطارات الأنفاق عن العمل لعدة أيام ، ثم دخول عمال جهاز المطافئ في اضراب آخر ، والتهديد بالعودة مرة أخري للتوقف عن العمل في فترة أعياد الميلاد . وقد توقف بث نشرات الأخبار في هيئة الاذاعة البريطانية احتجاجاً علي تخفيض الموازنة وتسريح بعض الصحفيين والاعلاميين من وظائفهم ، وهو الأمر الذي يمس هذا الجهاز الضخم والذي يضم الآلاف من العاملين في أكبر خدمة اعلامية لها سمعتها الدولية وحضورها علي مستوي العالم . تعترف الحكومة علي لسان وزير ماليتها جورج أوزبورن بصعوبة الموقف ، لكنها تري أن الاجراءات التي بدأت تطبقها هي الحل الوحيد للخروج من عنق الزجاجة وتجاوز أضخم أزمة اقتصادية تذكر بما حدث في حقبة الثلاثينيات علي مستوي العالم الغربي الرأسمالي كله . وتعترض أصوات علي هذه السياسة بحدة شديدة وتري أن التخفيض الضخم في الانفاق العام ، سيساعد علي ازدياد قبضة الركود وبقاء الكساد كما هو في غياب سياسة التحفيز التي تتجاهلها الحكومة تماماً . بينما يري المحافظون ترك الأشياء تستمر كما كان الحال خلال حكم « العمال» سيؤدي الي كارثة حقيقية . ضعف المعارضة ويتمتع المحافظون مع الليبراليين في البرلمان بمساندة كبيرة لأن المعارضة العمالية بزعامة اد ميليباند غير قادرة علي التأثير أو الاحتجاج ، خصوصاً وأن حزب « العمال» عندما كان في السلطة اندفع نحو التراخي والاقتراض وترك الديون تتراكم. وفي محاولة للخروج من الأزمة استضافت المؤسسات البريطانية عشرات الوفود من منطقة الخليج وغيرها لعقد صفقات تجارية لخلق فرص العمل وتطوير الساحة التجارية لانعاش المحيط الاقتصادي . غير أن التحدي الذي يطرح نفسه هو غضب نقابات العمال واحتجاجها في الشارع واصرارها علي التمرد لدفع الحكومة لاتخاذ قرارات تخفض من الأعباء الراهنة وخلق فرص العمل بدلاً من حصارها. و علي الرغم من حلاكة الموقف وتوتره ، فهناك جهد حكومي وصناعي وتجاري للخروج من النفق الضيق ، وتشكيل أفق مستقبل علي أسس جديدة بدون ديون حكومية ولا تراكم في ميزان المدفوعات ولا انفاق حكومي لا يرتبط بتنمية تصب في الصالح العام .