مناضلات يساريات فتحية العسال «1» «تحديت الأمية والتخلف الاجتماعي وعلمت نفسي القراءة والكتابة . ثم تحديت الجميع وأصبحت كاتبة ومؤلفة دراما. ثم تحديت السائد والمألوف وتلقنت الماركسية ». فتحية العسال «في حوارها معي» الأب رجل ميسور الحال، لكن المال عنده سبيل لإمتاع نفسه. والمتعة عنده أن ينفق ما يكسب علي زواج جديد. ويتنقل مع كل زوجة جديدة من بيت إلي بيت، لكنه يتنقل ومعه كل الأسرة الزوجة الأولي والأولاد إلي حيث الزوجة الجديدة ووفقا لمستواها الاجتماعي. فالزوجة الارستقراطية ينتقل بها إلي كوبري القبة ثم زوجة متوسطة الحال يعود بها إلي السيدة زينب، دخلت فتحية التي كانت مفعمة بالحيوية والنضوج المبكر إلي المدرسة الألماني ثم خلعت المريلة السوداء التي تفرضها مدرسة شديدة الوقار لترتدي مريلة عادية في مدرسة عادية تليق بحي السيدة زينب. سريعا بل سريعا جداً نضجت البنت التي لم تزل في الأولي الابتدائية أمها قالت «خراط البنات خرطها بسرعة »، فجأة وهي لم تزل طفلة في الأولي الابتدائية تقدم لها عريس، انتبه الأب المنشغل دوما بالبحث عن زوجة جديدة أن البنت كبرت، فأمر بأن تخرج من المدرسة وتحبس في البيت، في البداية فرحت فلا مدرسة ولا واجبات منزلية ، ثم بدأ المل. كانت تمسك الجريدة فلا تفهم شيئا، الملل كاد يقتلها وبدأت رحلة التحدي. تنطق الأحرف، تكتبها، تركب منها كلمات وأمها تساعدها.. وفجأة انتبه الأب أنها تقرأ وتكتب فبدأ يحضر لها جرائد ومجلات. وإذا كان الخروج ممنوعا فإن التلصص من الشباك يبقي المتعة الوحيدة «لتري أناسا يعبرون الطريق أو بائعا يصرخ علي بضاعته، لكن «عائشة » الأخت الصغري فتحت الشباك عدة سنتيمترات أزيد، فرآها عسكري انجليزي فصعد بغير تستر ليسأل عن البنت الجميلة ، الأم صرخت وتجمع الجيران وضربوه علقة ساخنة ، وينتبه الأب فيصدر أمرا ممنوع فتح الشبابيك لكن باب السجن يمكن أن ينفتح. تفجرت مظاهرات طلابية ، سمعت الأم من الجيران أن البوليس يضرب طلبة مدرسة الخديو إسماعيل (كان ذلك في عام 1946) فزعت الأم علي ابنها (حسني) صرخت ثم صاحت في فتحية «إنزلي يا بت شوفي أخوكي» وانطلقت البت ذات الثلاثة عشر عاما لتقفز بجنون في الشوارع ولتري ما لم تره منذ سنوات، اطمأنت علي حسني، لكن مظاهرة لبنات مدرسة السنية صادفتها فانطلقت معها وهتفت معهن «عاشت مصر حرة » و«الجلاء بالدماء» تدفقت فيها حيوية سنين من العزلة القاتلة وعادت إلي البيت، وقد أصبحت فتاة أخري، ومرة ثانية يفتح باب السجن، أختها في حالة وضع وأرسلت تستدعي الأم، أرسلتها الأم لتبقي مع الأخت حتي تستعد هي بشراء ما هو ضروري وتلحق بها. علي رصيف ترامواي 17، كانت هناك ابتسامة هادئة واثقة من نفسها، أرسل إليها قصائد عديدة من نظرات قالت كل شيء. ركبت الترامواي. ركب معها بابتسامته. نزلت نزل معها تابعها حتي دخلت بيت الأخت انشغلت عديدا من الساعات مع الأخت والطفل والأسرة ثم ألقت نظرة خاطفة من الشباك لتجده جالسا ومع ابتسامته علي رصيف القهوة المقابلة للبيت. من العاشرة صباحا ظلت هذه الابتسامة محلقة علي رصيف القهوة حتي السادسة مساء. عادوا إلي بيتهم وعاد خلفهم، وفي الصباح التالي تسللت نظرتها من شباك غرفتها لتجد ذات الابتسامة جالسة مع صاحبها أمام محل عم أحمد المكوجي. نسجت العلاقة نفسها بنفسها عبر إصرار لا ينقطع. وعبر وسيلة الاتصال المعتادة خادمتهم بسيمة تلتقي مع خادمه سعيد ليتبادلا الرسائل. هو كتب خطابا ملتهبا هي خافت. بل هي لا تعرف ماذا تكتب في خطاب غرامي، فكتبت قصة قصيرة وأرسلتها مع بسيمة وهكذا اندفعت بالحب عبر عالم الإبداع. والشاب الذي لم يزل في سنة أولي حقوق يستجمع شجاعته ليذهب للأب ويطلبها للزواج الأب يسأل فين أهلك؟ ويرد «أجيبهم حالا من المنصورة »، ويتململ الأب ويبدأ في فرض شروط قاسية لعل الولد المفعوص يتراجع فيقول المهر 100 جنيه والاجابة بلا تردد : موافق. والمتأخر 100 جنيه والاجابة لأ ألف جنيه وحتي مليون جنيه تزوجا وهو طالب . تخرج معه كل صباح إلي الجامعة ، وقاعة المحاضرات تتابع وتذاكر معه وتواصل تحديها للجميع. الحياة صعبة جداً. الشقة ضيفة في حارة ضيقة اسمها درب البهلوان. والطعام شحيح، وأمه ترسل له نقودا محدودة ، كلما جاعوا وشعروا بالحاجة إلي تغذية يدخرون بعض المال وإلي المنصورة ومنها إلي قرية ميت خميس الملاصقة حيث الأم والفراخ والبط والرقاق. ذات يوم حملا ابنهما ايهاب (6 اشهر) وذهبا إلي المنصورة بحثا عن مذاق البط. في ميدان المحطة وجدت أن كل ما معهما 12 قرشا ركبوا «حنطورا» وقالت للعربجي عايزين نركب ب 12 قرشا وأنزلهم في نصف الطريق ليكملوا الرحلة علي الاقدام. وفي ظل ذلك كله كان بيت درب البهلوان محطا لاجتماعات لا تنتهي. سألت . قال «عبدالله»: إننا بنشتغل ضد الانجليز. طبعا عرفتموه هو عبد الله الطوخي. وتمضي الحياة لتصبح قصة فتحية وعبد الله واحدة من أجمل قصص الحب اليساري. ونمضي مع رحلتهما.