الإسرائيليون يكذبون علي العالم ويخدعون مواطنيهم في الداخل كشف الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبريه في الحلقات السابقة من كتابه «إلي صديق إسرائيلي» أن الفرنسيين والمجتمع الدولي ركزوا خوفهم كله ضد العرب والمآذن كاشفا ازدواجية فرنسا في التعامل مع ديانات مواطنيها. وقال إن المجتمع الدولي يتآمر علي القضية الفلسطينية وأن اليهودي هو الأثير والمفضل في الجمهورية الفرنسية وتطرق دوبريه إلي الخلافات التي نشبت بين فرنسا وإسرائيل إبان حرب يونيو 1967، مشيرا إلي أن إسرائيل والجالية اليهودية هناك لم يغفرا انتقادات شارل ديجول التي وجهها لها، وشدد دوبريه علي أن موجات صدمة المحرقة انطفأت في أوربا، ولم يعد هناك معاداة للسامية وذكر أن ما كانت تفعله النازية ضد اليهود في أوروبا يشابه ما يفعله جيش الدفاع الإسرائيلي مع الفلسطينيين الآن تماما. خطر الانطواء علي الذات في هذا القسم من الرسالة يستخدم "دوبريه" لتحليل السياسة الإسرائيلية الاصطلاح الطبي "حالة الانطواء علي الذات" الذي يصيب الطفل ولا يتواصل مع العالم المحيط به ويتقوقع في عالمه الداخلي. يقول: "نسمع منكم عبارات ترددونها دائما:"ليس من حقنا ارتكاب أي خطأ فوضعنا السكاني لا يسمح لنا بمثل هذا" و"نحن في حالة هاشة وشديدو الضعف". فهل يعقل هذا الإقرار بالوهن لبلد هو مخزن سلاح ويهيمن فيه الجيش علي السلطة ؟ فالقول بالضعف تلاه مبالغة في التسلح واستخدام مبالغ فيه للسلاح في أي غرض وخلف مشاعر مبالغ فيها من كل نوع وبنفس المبالغة. أليس من الأفضل ان تهابوا من قوتكم ذاتها ؟" ويواصل مع محاولة التخفيف بوضع كلمات تقريظ للشخصية اليهودية ثم ليواصل انتقاداته فيقول: "الذي يخيف خائفا. أي تناقض ! فمجموعة من البشر لا نظير في عبقريتها الفردية جاءت نتيجتها عبقرية جمعية مؤسفة ومحزنة. فإذا قارنا قوة النيران بينكم وبين جيرانكم فهي واحد في مقابل مائة لصالحكم بما في ذلك القوة النووية. فانتم القوة الأعظم في المنطقة ومعمل تجارب التكنولوجيا الأكثر تقدما التي تمتلكها القوي العظمي ويحميكم حائط صواريخ مضاد للصواريخ أخر صيحة." صواريخ بدائية ويقول "دوبريه": "إذا كنتم بالفعل ضعفاء فذلك فقط فيما يخص التفجيرات الانتحارية ولكن "حماس" قامت بهدنة ليس بفضل "الجدار الأمني" الذي يمكن اختراقه بسهولة بحسب تجربتي الشخصية ولكن هدنة نتيجة عدم وجود ثمرة أو نتيجة من التفجيرات. هل أنتم ضعفاء أمام الصواريخ البدائية التي تطلق عليكم ؟ هذا لا يحتمل ! ويسخر دوبريه من ذلك قائلا : "وكيف يحق لنا ان نقيم عليكم هذه المحاكمة السخيفة والسمجة ؟ فانتم لا تسعون للاستحواذ علي ثروات جيرانكم : فهم لا ثروة لديهم. ولم تعودوا في حاجة لقوة عملهم : فقوة العمل الرخيصة تأتيكم من أماكن أخري، من إفريقيا والهند وأوربا الوسطي. وإذا كانت أراضيهم تهمكم فهو فقط لتحافظوا علي ذويكم من الشر الفادح. تقولون "غادرنا غزة بمحض رغبتنا فانظروا ماذا كان جزاؤنا : آلاف من صواريخ"القسام" تسقط في حديقتنا وجندي أسير لكي نفرج عن إرهابيين" ! ولكي يظهر "دوبريه" المفارقة بين ما تقوم به إسرائيل وانعكاسه علي الرأي العام الإسرائيلي يقص ما شاهده أثناء جولاته. ففي "بيروت" رأي ما بقي من "صبرا وشتيلا" وعشرات الأطفال الذين بترت أعضاء من جسدهم "بسبب قنابلكم العنقودية". ثم شاهد غرف التعذيب التي يستخدمها أعوان إسرائيل في معسكر "خيام" ودمار بالجولان ومعسكرات اللاجئين في الأردن. ثم بعدها ذهب إلي "القدس" وسمع ردود الفعل عن كل ذلك في إسرائيل من "أشخاص مهذبين" فكانوا يتحدثون "وكأن جنودهم قاموا بإنقاذ أطفال يهود من معسكرات الاعتقال النازية." ايجابيات الاستعمار ويضع "دوبريه" صبعه علي فلسفة المستعمرين في كل وقت وهو رد غير مباشر علي أطروحات "ساركوزي" والفلاسفة اليمينيين الذين أرادوا أن يدرس في الكتب المدرسية "أن الفترة الاستعمارية حملت ايجابيات للشعوب التي استعمرتها". وأثارت تلك القضية ضوضاء كبيرة في الوسطين الثقافي والتعليمي وتم التراجع عنها. يقول "دوبريه: "منذ زمن نتكلم عن الحضارة ونمارس الهيمنة. فالمستعمر الأوربي كان رب أسرة فاضلا وزوجا مثاليا إلا انه في يومه المعتاد مارس القهر علي شعوب المستعمرات بدعوي الدفاع عن الأرامل واليتامي وتحرير المرأة والقضاء علي العبودية. ويقود ذلك للتعريف الذي يعطيه المؤرخ "هنري لورانس" للامبريالي : "فهو الشخص الذي يخدع نفسه عندما يقوم بأفعاله ولا يري طبيعة سلوكه أي هو السقوط في أكذوبة لا يريد الاعتراف بأنها أكذوبة." ويتهكم "دوبريه" قائلا : "كادت دمعة تنحدر من عيني وأنا أشاهد سفير إسرائيل في باريس يتحدث في تلفزيون بلدنا. إذ في الوقت الذي كانت تتحول فيه غزة إلي حطام تحت نيران طائراتكم ومدافعكم وبحريتكم جاء السفير ليحدثنا عن رعب الحياة تحت وابل صواريخ "القسام" والخوف الجاثم علي مستعمرة "سديروت" والأطفال المجبرين علي الاختفاء بالملاجئ وهبوط أسعار سوق العقارات !" ويعلق "دوبريه" بأن صواريخ "القسام" قتلت 13 شخصا في عشرين سنة بينما قتلت الطائرات الإسرائيلية في 3 دقائق 16 شخصا في نوفمبر 2008 وذلك خلال الهدنة التي طبقتها حماس وهتكتها إسرائيل. وأنه "في الحروب التقليدية بين جيش نظامي وأخر غير نظامي تكون الخسائر واحد إلي عشرة أما أنتم فرفعتم النسبة لتكون واحدا إلي مائة في حربكم علي غزة. إذ مات 1450 فلسطينيا من بينهم 410 أطفال و104 سيدات مقابل موت 13 إسرائيليا.(طبقا لأرقام اليونيسيف)". العمي الأخلاقي يقول "دوبريه": "الإنسان اليوم هو ما يري. فمن فتحة دبابة لا يري الإسرائيلي إلا خيال رفاقه. أما جدار الفصل فهو عصبة علي العينين وكذلك يبعد الإغراءات أو المغريات الجسدية والنفسية. وهو أيضا يفرق بين الفلاح الفلسطيني وأرضه وبين التلميذ ومدرسته وبين المرضي والمستشفيات وبين اليتامي وملاجئ اليتامي المسيحية غير أنه يمنعكم أيضا من رؤية كل ذلك." ويبرهن "دوبريه" علي ما سبق بإدعاء أن: "ليس من النادر ان نتقابل في "القدس" مع أشخاص لم يروا في حياتهم نقط تفتيش إلا في السينما ولا يتخيلون أن في "رام الله" و"غزة" إلا مخلوقات غريبة أو حيوانات تمشي علي قدمين. هذا باستثناء الإسرائيليين المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يتجاوزون التعليمات ويرفعون الضمادة عن أعينهم."