مناضلون يساريون د. مصطفي هيگل «2» «عندما قرأت كتاب رأس المال لكارل ماركس وجدته شديد الصعوبة وقررت تبسيطه وتلخيصه فأصدرت في عام 1947 كتابا سميته خلاصة رأس المال لكنه جاء أكثر تعقيدا من كتاب ماركس». د. مصطفي هيكل «من حواري معه عام 1971» لكن جغرافيا المكان الذي تلتقي فيها هذه المجموعة في تلك الزاوية بين مسجدي الرفاعي والسلطان حسن، فرضت عليهم القرب من مقر المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين، وواحد من المجموعة أشار إلي الجماعة وإلي امكانية الحوار معهم. وعن طريق صلاح عبد الحافظ الذي أصبح فيما بعد كادرا إخوانيا مرموقا قابل مصطفي الشيخ حسن البنا، وبدأت المجموعة في حضور حديث الثلاثاء وأثاروا صخبا بأحاديثهم عن الحرية والديمقراطية والعدل وهجومهم علي الاغنياء وكان صوت مصطفي الجهوري يعلو فوق صوت الجميع. هذا الجمع الذي اعتاد الاستماع والاستماع فقط لما يقوله فضيلة المرشد وأمر المرشد بمنعهم من دخول المركز العام وكان ذلك عام 1942. فعاد مصطفي ليكتفي بمجموعته. وتقرأ في محضر نقاش آخر أجريته مع واحد من هذه المجموعة هو عبد العزيز بيومي المحامي «كان مصطفي ينطلق كالمدفع الرشاش سريع الطلقات يتحدث عن المجتمعات البدائية التي سماها الشيوعية البدائية ثم المجتمع العبودي ثم الاقطاع ثم الرأسمالية ثم الاشتراكية موضحا أن هناك قانونا يحكم هذا التطور وتناثرت منه عبارات وكلمات غير مألوفة مثل قوي الانتاج وعلاقات الانتاج والمادية التاريخية . واستوقفته كثيرا مستوضحا عن معني هذه الكلمات والمثير للدهشة انه استطاع أن يشرح ذلك ببساطة واقناع، وفي جلسة أخري تحدث عن الاستعمار وعن الكفاح المشترك مع الشعب السوداني وتحدث عن حق تقرير المصير للشعب السوداني. وكان مبهراً لنا جميعا وأصبحنا معه كدراويش يتلقون المعرفة من شيخهم، وأتي حادث 4 فبراير 1942 ليربكنا من جديد وليطيح بكل ما كان لدينا من ميول وفدية، وقررنا أن نؤسس تنظيما ماركسيا، ولم نكن نعلم أن هناك تنظيمات ماركسية أخري فقدكنا محاصرين في تلك الزاوية بين المسجدين. ويمكنني القول إننا اصبحنا في عام 1942 حلقة ماركسية. وحصل مصطفي عن طريق اصدقاء له (ربما كانا عصام الدين ناصف وعبد الفتاح القاضي) علي كتيبات مترجمة في الشام «البيان الشيوعي- رأس المال والعمل المأجور» و«القيمة والثمن والربح» وانهمكنا في دراستها. واتفقنا أن يجند كل منا عددا من معارفه» ونعود إلي مصطفي هيكل «في العام 42-1943 دخلت كلية التجارة ودخل عبد العزيز بيومي كلية الحقوق وأذكر أن عبدالعزيز لامني بشدة لأنني دخلت كلية البقالين بينما هو دخل كلية الوزراء لكنني افحمته بأننا ندرس في الكلية علم الاقتصاد والاقتصاد محرك التاريخ. وكانت مصر في شوق بالغ للتغيير وكان الباب مفتوحاً أمامنا للتجنيد واتسعت مساحة العمل إلي ما هو خارج حي القلعة0 وفي الجامعة حذرنا أحمد الرفاعي وعادل سيف النصر ومصطفي اغا وحمدي عبد الجواد وفؤاد عبد الحليم ونشط اخي فتحي وسط طلاب ببناقادن الثانوية ونشط الازهريان عبد الفتاح يونس ومحمد النجاري في الأزهر، وفي حي القلعة عديد من الحرفيين وضممنا بعض صانعي الأحذية وأقمنا علاقة بنقابتهم. وقررنا أن ننشط خلال الاجازة الصيفية في قرانا، أحمد الرفاعي في طناح وأنا وفتحي في كفر غنام. واتسع نشاطنا عبد العزيز بيومي في منطقة المحجر وسوق السلاح، وفي إحدي زياراتي لعمي هيكل باشا قابلت شخصية كانت لامعة جدا في ذلك الزمان هي محمد بك خطاب الذي أدرك هويتي وقابلني مرات عديدة ليشرح أفكاره عن الإصلاح الزراعي والعدل الاجتماعي، وقال لي عبارة لم ازل اذكرها «بدون اصلاح زراعي وعدل اجتماعي سينهار النظام القائم». وعن طريق خطاب بك تعرفت بالضابط احمد حمروش وانضم إلينا واتصلت نيقولا حداد في النادي الشرقي (حيث المقر المركزي لحزب التجمع الآن) ورفض الانضمام إلينا قائلا أنه ضد تأسيس حزب، وأعطاني كتبا كثيرة واتصلت بسلامة موسي الذي منحني كتبا عديدة وكذلك محمد عبد الله عنان الذي شرح لي أسس بناء تنظيم سري علي أساس خلايا منفصلة كل منها من ثلاثة اعضاء. وفي عام 1945 اصبح عددنا 150 عضوا، وسمع بنا أعضاء المنظمات الأخري ولأننا متمركزون أساسا في حي القلعة سمونا مجموعة القلعة ووجدت الاسم ملائما قبلت هذه التسمية ، ولأن عمي كان هيكل باشا سموني الباشا ورحبت بهذا الاسم وتركت اسمي «منصور» وأصبح اسمي الباشا باعتباره التسمية التاريخية لباشا القلعة، وأصبح الباشا مرموقا فقد أصدر عام 1945 كتابا بعنوان «مؤامرات في ميدان السياسة المصرية» ويتضمن تحليلا لحقيقة جماعة الاخوان وقد ساعده في طبعه عدد من الوفديين، وفي عام 1946 أصدر كتيبا بعنوان «قضيتنا الوطنية بين الحكومة والشعب» وكان عبارة عن برنامج علني لتنظيم القلعة وفي عام 1947 أصدر مع عبد الرحمن بصيلة كتيبا عنوانه «تطور المجتمع» وقد صدر باسم سري هو مصطفي عبد الرحمن، ومع عبد الواحد بصيلة أصدر كتابا بعنوان «لماذا أيدنا الاتحاد السوفيتي» وكان تنظيم القلعة يمضي في توسعه وتشكلت له لجنة مركزية من مصطفي هيكل سكرتيرا عاما وحمدي عبد الجواد واحمد حمروش وعبد الواحد بصيلة وفؤاد عبد الحليم اعضاء. ونعود إلي مصطفي هيكل في حوار آخر معه «سمعت أن المنظمات الأخري تتوحد فاندفعت للتوحد معها دون أن يطلبوا مني ذلك ورفعت شعار «ليس ثوريا من لا يوحد الثوريين. وانضم بعضنا إلي ايسكرا والبعض الآخر إلي الحركة المصرية للتحرر الوطني ثم التقينا جميعا في منظمة حدتو. لكن شهدي عطية وكان أول من اتصلت به من أجل الوحدة قام بتكتل ضد القيادة سماه التكتل الثوري. وطلب إلي الانضمام اليه مطالبا بابعاد الاجانب من القيادة فرفضت وبدأت مفاوضات بينه وبين القيادة، واقترحت اختيار شهدي سكرتيرا عاما ل«حدتو» وأن يتم تجميع الاجانب في قسم خاص بهم ورفض الاخرون الحل فكيف نكافئ المتكتل بتوليه موقع السكرتير العام. وباختصار كنا أنا ومجموعة كبيرة من كوادر حدتو في مأزق نحن نرفض التكتل وندينه ونرفض القيادة بتركيبها المثير للخلاف وقادنا هذا الارتباك إلي موقف أكثر ارتباكا فأصدرنا نشرة سرية عنوانها «صوت المعارضة» نعارض الطرفين ولكن نعلن في نفس الوقت عن خضوعنا التنظيمي لقيادة حدتو». وفي عام 1949 اعتقلت رغم أن عمي كان احد أقطاب الحكم آنذاك وبعد الافراج عني تفرغت بعض الوقت للكتابة فأصدرت «مذكرات معتقل » و«السلام وحرية الشعوب» و«أناشيد من فيتنام» و«كيف تكتب القصة القصيرة»، وكان الانقسام لم يزل ينهش الجسد الحزبي ودون أن أجد اي قدرة علي التبرير لما فعلت تركت مصر تاركا وظيفتي في مصلحة البريد ورحل معي أخي فتحي. حيث بدأ كل منا في إعداد رسالة دكتوراه وعملنا معا في الاذاعة العربية لفرنسا، وفي عدوان 1956 رفضنا اذاعة البيانات عن العدوان الثلاثي بل تمادينا فأذعنا بيانا باسمنا ندين فيها العدوان وهربنا من فرنسا إلي ألمانيا الديمقراطية» ليكمل كل منا الدكتوراه ولأعمل مدرسا في جامعة برلين ويعمل فتحي في جامعة ليبزج». وينتهي الحوار مع صاحب تجربة خصبة لا يمكن نسيانها.