ظاهرة محسن شعلان اقتراح السيد محسن شعلان وضع حراسة المتاحف تحت مسئولية الرئيس مبارك.. يعكس الخلل الذهني لبعض كبار الموظفين! فور الإعلان عن سرقة لوحة «زهرة الخشخاش» من متحف محمد محمود خليل وحرمه.. ترك أصحاب العقول الراسخة من أرباب المناصب العالية.. القضية الأساسية.. وهي تصريحات محسن شعلان والمقالات التي ينشرها في الصحف السيارة من محبسه.. والتهديدات التي يوجهها لوزير الثقافة والبلاغ الذي قدمه للنائب العام متهما فيه وزير الثقافة بالتأثير علي القضاء.. والشوشرة علي العدالة. وشغلوا الرأي العام بالقضية الفرعية التافهة.. وهي سرقة لوحة زهرة الخشخاش. وهي حالة تكشف ضعف إدراك أصحاب العقول الراسخة من أرباب المناصب العالية.. لسبب بسيط، هو أن تصريحات شعلان تفوق في خطورتها سرقة متحف محمد محمود خليل.. بكل ما فيه من لوحات نادرة.. وتماثيل ما قبل فتح مكةالمكرمة. تصريحات شعلان.. تكشف الخلل المروع في جهازنا الإداري، وفي المستوي الثاني المتدني لكبار الموظفين.. الذين لا يقدرون المسئولية.. ولا يشعرون بالانتماء.. ولا احترام المال العام.. ويعتبرون الرواتب التي يتقاضونها.. حلا لهم ولأولادهم. وشعلان.. ليس وحده الذي يستحل المال العام.. ولا يقوم بما يتعين عليه من مسئوليات. في بلدنا.. ملايين الموظفين من أمثال محسن شعلان.. يعطلون مصالح الناس وينتشر بينهم الفساد والمال الحرام انتشار النار في الهشيم.. ولا يخضعون لأي محاسبة. إنها ظاهرة محسن شعلان.. التي لم تلفت نظر أصحاب العقول الراسخة من أرباب المناصب العالية.. إلا أنها السبب فيما نحن فيه من تخلف وضياع. هي السبب في موت الضمير العام.. وهي السبب وراء فقدان الدولة هيبتها.. وانحطاط شأنها بين عباد الله. والعيب ليس عيب ملايين الموظفين.. وكبارهم بصفة خاصة.. وإنما العيب في اختفاء القوانين التي تحدد مسئوليات كل وظيفة.. وحدودها. ليس في بلدنا القوانين التي تضع الحدود والمسئوليات لكل وظيفة.. وبالتالي فلم يعد عيب أن يشغل الموظف العام عدة وظائف إلي جانب وظيفته الرئيسية.. ويلهث من وظيفة لوظيفة لقبض الرواتب والحوافز والمكافآت عن أعمال لا يقوم بها إلا علي الورق. الموظف الكبير يفعل ما يشاء بغير حساب.. في الداخل والخارج.. ولا يخضع لأي محاسبة.. لأنه لا يوجد في البلد قانون يمكن محاسبته علي أساسه. بلد سايبة، كما يقولون. ومنذ أيام نشرت الصحف أن النائب العام قرر منع السيدة نادية صبحي رئيس قطاع الاقتصادي باتحاد الإذاعة والتليفزيون السابق من السفر.. لماذا؟ لأنها باعت حق الاستغلال لأغان حديثة وأخري قديمة تعد من التراث من بينها أفلام وحفلات أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ.. إلخ.. لشركة روتانا.. بأقل من الأسعار المناسبة. ومعني الكلام أن الموظف العام في بلدنا يستطيع.. في غياب القوانين.. أن يبيع ما تحت يديه من تراث، أو غير تراث. بل إن الموظف العام يستطيع التفاوض مع شركة أجنبية دون العودة لوزارة الخارجية.. المسئولة عن جميع علاقاتنا الرسمية بالخارج. فالذي حدث أن السيدة الفاضلة.. اتصلت بالجهة الأجنبية وتفاوضت.. وتناقشت.. وقابلت.. وتخاطبت مع مسئولين أجانب.. دون علم وزير الإعلام.. علي أقل تقدير. ثم تعاقدت وسلمت البضاعة.. من تلقاء نفسها. وهي حالة.. لا تختلف كثيرا عن حالة رئيس المجلس الأعلي للآثار.. الذي قام من تلقاء نفسه.. ومن وراء ظهر الدولة الرسمية بالسفر إلي الخارج.. والتفتيش علي أقسام المصريات في المتاحف العالمية.. ومقابلة مديري هذه المتاحف.. بعد أن يقدم لهم جواز سفره.. تحت زعم استعادة آثارنا المسروقة.. مما أعطي الانطباع لدي هذه الدول بأن الحكومة المصرية تسعي لإغلاق وتصفية أقسام المصريات في المتاحف العالمية.. في الوقت الذي كانت فيه حكومتنا نائمة تأكل الكشري مع الملائكة. نحن لسنا بالطبع.. مع الزعم بأن هذه المحاولة جرت لحساب الآثار اليهودية.. ولكننا نتحدث هنا عن حدود الوظائف العامة.. أما ما يخرج علي ذلك فهو مسئولية غيرنا. أريد أن أقول إنه في الدول العادية.. تحدد القوانين طبيعة وحدود كل وظيفة ومسئولياتها.. ولا تترك كبيرة ولا صغيرة إلا وتحصيها.. وبالتالي تسهل محاسبة الموظف العام. في ألمانيا علي سبيل المثال تحدد القوانين.. حدود عمل ساعي البريد والدور الذي يقوم به.. والعامل الذي يستخدم السقالة.. والوزير.. والأمثلة لا تقع تحت حصر.. والحكايات التي يمكن روايتها في هذا الصدد وتشمل جميع الوظائف.. بما فيها حدود سلطات رئيس الجمهورية. عندنا لا توجد مواصفات.. لا للوظيفة.. ولا لشاغلها.. وكله ماشي يابا.. والحاج أحمد زي سي أحمد.. والمرتب ماشي.. والمسئولية تائهة.. والدليل علي ذلك ما يصدر عن شعلان من مقالات يكتبها وهو في السجن. يقول شعلان: عينت رئيسا لقطاع الفنون التشكيلية منذ أربع سنوات ووجدت نفسي ألهث وأركض (!!) في كل الاتجاهات (!!) لأنقذ ما يمكن إنقاذه (!!) وتركت بيتي وأسرتي ومرسمي وفني (!!) وتفرغت تماما لعملي الوظيفي!! ويمضي شعلان: إن وظيفتي لم تكن فقط رعاية المتاحف (!!) ولكن هناك أبعادا أخري تهدف لتفعيل الحركة التشكيلية المصرية بالداخل والخارج (!!) علاوة علي رسم سياسات للمجتمع بأسره ومجابهة القبح وانحدار السلوك الجمالي بالشارع المصري (!!). والكلام لايزال لشعلان شارحا أبعاد وظيفته وفقا لمقاله المنشور بالمصري اليوم يوم الأحد 12 سبتمبر 2010 فيقول: إن من بين مسئولياته دفع واكتشاف المواهب من الشباب، وإطلاق الفرص الكاملة لهم للإبداع والتواجد المحلي والدولي (!!) علاوة علي مشروعات المجتمع كمشروع المائة مدرسة الذي تعاون فيه بكل طاقاته.. وفتح أبواب المتاحف وقاعات المعارض لاستقبال أطفال مصر.. بهدف تنويرهم والسعي لنبوغهم لتحقيق تجربة رائدة تهدف إلي الوصول إلي الطفل النموذج رغما عن ظروفه المحدودة ومجتمعه البسيط وذلك بالتعاون الكامل مع المدارس (!!). وسوف أكتفي بهذا القدر من المسئوليات الملقاة علي عاتق شعلان.. وفق اعترافاته المنشورة بالصحف.. والتي يقول في نفس الاعترافات إنه كان يلهث ويركض في كل الاتجاهات (!!).. وأن وظيفته لم تكن.. فقط رعاية المتاحف.. وإنما اكتشاف المواهب (!!) والتواجد المحلي والدولي.. وتفعيل الحركة التشكيلية المصرية بالداخل والخارج. ليس هذا فقط.. وإنما «كما يقول شعلان» مجابهة القبح وانحدار السلوك الجمالي بالشارع المصري (!!) هل هذا معقول؟ هل هناك دولة في العالم تضم أكثر من 80 مليون نسمة ولا تجد بينهم 50 شخصا يؤدون الوظائف التي كان يقوم بها شعلان.. وتحدد لهم الوظائف بدقة لتسهيل عملية محاسبتهم. إنه الجنون بعينه.. ويسألونك بعد ذلك عن سر انتشار الفساد. ألا يوجد في مصر سوي شعلان واحد؟ فإذا كان في البلد شعلان واحد.. فهو دليل فشل حكامنا ضعاف الإدراك.. وإذا كان في مصر مليون شعلان.. وأسندت كل هذه المسئوليات لشعلان واحد.. فهو أيضا دليل فشل.. وتأكيد جديد علي التخلف العقلي.. وضعف الإدراك. ويضاعف من كوميدية الموقف.. وما يكتنفه من هزل.. إنه في الوقت الذي تقوم فيه الجهات العليا.. بتوزيع الاختصاصات علي المسئوليات الدنيا.. في كل دول العالم.. نجد أن شعلان يقترح وهو في محبسه بوضع تبعية المتاحف شديدة الأهمية تحت إشراف ورعاية الرئيس حسني مبارك.. أسوة بمكتبة الإسكندرية ومركز المؤتمرات! وهو كلام عجيب يكشف الفوضي العارمة في الأجهزة المسئولة عن اختيار كبار الموظفين.. أمثال شعلان. هل يمكن أن يخطر ببال مواطن يتمتع بالحد الأدني من الثقافة العامة.. إسناد المتاحف للرئيس مبارك كي تضاف لمسئولياته الكبيرة في تحريك عملية السلام؟ وكما قلت إن شعلان ليس وحده الذي يتمتع بهذا القدر من ضيق الأفق.. إن مثله الملايين الذين يشغلون المناصب القيادية. إن شعلان.. ليس شخصا!! إنه ظاهرة. وفي قضية سرقة لوحة زهرة الخشخاش تتجسد كل عيوب الإدارة في مصر.. وإسناد المواقع المهمة لأناس لا يحسنون تقدير المواقف.. ولا مجرد التفكير السليم.. كقول شعلان في مقاله: إن إسناد المتاحف للرئيس حسني مبارك سيؤتي ثماره وسيدر لمصر عائدا يكفي لحل «كل» مشاكلنا الاقتصادية علي حد قوله. هل هذا منطق يمكن أن يصدر عن مواطن تلقي الحد الأدني من كتاب «القراءة الرشيدة»؟ هل هذا معقول؟ هل يمكن أن يتصور مواطن يركض ويلهث، أن دخلنا من المتاحف سوف يفوق دخلنا من السياحة وتصدير الغاز الطبيعي.. وقناة السويس.. إذا تولي الرئيس مبارك الإشراف علي المتاحف خلفا لمحسن شعلان؟ هذه العينة من العقول كانت وراء «البلاوي المسيحة» التي نعانيها في كل قطاعات الدولة.. ابتداء من التعليم ومزلقانات السكك الحديدية.. وحتي تعيين علماء مصر في المصانع تحت شعار «أستاذ لكل مصنع». والعيب ليس في الموظفين أمثال شعلان.. الذين يقومون بدور الطابور الخامس لتدمير هذا الوطن.. وإنما العيب في القوانين التي تترك موظفا كبيرا.. يكتب في الصحف السيارة أنه كان يلهث ويركض. ألم يحن الوقت لاختيار مسئول في بلدنا.. لا يلهث ولا يركض؟ ألا يكفي هذا البلد ما عانيناه من الذين يلهثون ويركضون.. وينهقون؟! إن إصلاح حال البلد.. يبدأ من دراسة ظاهرة محسن شعلان.. وإعادة النظر في ثقافة السبهللة وعدم الاكتراث!