رغم مرور أربعين يوما علي رحيل جودة الهادي الذي كان من أوائل الذين التحقوا بصفوف التجمع من اللحظة الأولي لتأسيسه وليست بعد الإعلان عنه.. وكان في وقتها مازال طالبا بكلية التجارة - جامعة الزقازيق ولم يتجاوز العشرين من عمره.. ولكنها كانت لحظة اختبار حقيقي أمام الجميع عند بدء تجربة التعددية.. حيث اختلطت الأمور لدي البعض.. لكنها كانت واضحة لدي جودة الشاب ابن الطبقة الوسطي الذي كان يساريا بالفطرة.. والنشأة.. ولم يتنكر لأهله بحثا عن مكانة أو سلطة.. ولكنه كان يجسد نفسه وبشكل حقيقي لا يقبل التزييف.. أو التجمل.. حيث كان منحازا لحق الفقراء والمنتجين في نيل نصيب عادل من الثروة.. تربي جودة بمنظمة الشباب الاشتراكي.. وحمل المقشة دفاعا عن حق المجتمع في بيئة نظيفة جميلة، كما حمل السلاح دفاعا عن حق الوطن في الاستقلال بمواجهة الأعداء.. حيث ذهب جودة الهادي ابن السابعة عشر ربيعا وبالتحديد عام 1973 وقبل أن ينتهي شمس أكتوبر ضمن كوكبة من أبناء تنظيم ليقيموا بمدينة بورسعيد الباسلة ويمضون عيد الفطر بين الجنود وشوارع بورسعيد المدمرة بفعل آلة السطو الصهيونية ليضيفوا الجهد الشعبي إلي جوار الجهد العسكري تعبيرا عن ملحمة الصمود والمقاومة التي تحقق بفعلهما النصر.. وعاد جودة من بورسعيد حاملا الهدايا التي أصر علي حملها هو ومن معه.. من شظايا وبقايا أسلحة الدمار والقتل التي تفننت الإدارة الأمريكية في إنتاجها وتوفيرها للكيان الصهيوني كي يعيث في الأرض فسادا وقتلا واغتصابا. وبهذه الهدايا أقمنا معرضامفتوحا بقلب مدينة الزقازيق.. وتنقل هذا المعرض بين المدارس والجامعات «الكليات» حيث تعانق مع إنتاج الأسري الفلسطينيين بسجون الاحتلال الذي حمله الأشقاء من أبناء فلسطين بكلية التجارة.. الذين كانوا يأتون إلي مصر وجامعاتها لتحصيل العلم بدون قيود أو رسوم أو إجراءات استحدثت فيما بعد لتحول بينهم وبين احتضان مصر لهم من آثار كامب ديفيد. جودة الهادي.. الذي لم يتخلف عن معارك التجمع منذ النشأة والتأسيس في عام 1976 حيث شارك بفعالية في اللجان الشعبية للوعي الانتخابي أثناء انتخابات أكتوبر 1976.. كما في انتفاضة يناير 1977 حيث كان يتحرك باندفاع الشباب وحب الوطن في حواري الزقازيق لينقل التعليمات والمكاتبات بين الزملاء والمنشورات.. وبعد حملة الاعتقالات.. ضمن لجنة رعاية أسر الزملاء المعتقلين.. وكافة معارك التجمع الانتخابية والسياسية دون كلل أو ملل بل كان نموذجا يحتذي به في العطاء حتي رحيله، ورغم رحلة المرض التي طالته مبكرا حيث أصيب بالسكري في ريعان شبابه ثم لحقه مرض الكبد مثله مثل ملايين المصريين في آخر سنواته.. حتي أثناء التحاقه بالخدمة الوطنية ضابطا احتياطيا.. لم يتخلف عن التجمع لحظة ولم يتردد بل كان حريصا أن يكون أول من يلبي النداء حتي لو كان بمفرده.. عمل بجامعة الزقازيق وطور من أدائه حتي أصبح متخصصا في الكمبيوتر.. وصيانته وإعداد البرامج بجهد ذاتي.. كان لا يعرف التفكير الذاتي المنفرد.. حيث كان عندما تتاح له الفرصة للحصول علي فرصة تضيف إلي دخله كان سرعان ما يفكر فيمن حوله لدرجة أنها أحيانا كانت سببا في الفشل ولم يكن السبب في اختيارات جودة.. ولكن الخطأ كان فيمن لم يحسنوا استقبال الرسالة.. ولكن جودة ظل وفيا لما آمن به وسعي إلي تطبيقه في حياته حتي مماته.. وأقول لجودة الهادي.. أبو محمد.. لقد كنت ومازلت وستظل نعم الأخ.. الصديق.. الرفيق لقد كنت فنانا وإنسانا متعدد القدرات ولكن المرض لم يسعفك وجاءك الموت الذي فرق بيننا وبينك.. ولكن ستظل حاضرا بيننا بعطائك الذي سوف نفتقده.. وإخلاصك الذي لن نعوضه.. وعهدا لك أن نكون أوفياء لمبادئ التجمع الذي التحقت بصفوفه وعمرك لم يتجاوز العشرين وبمنهجه وأنت ابن الخامسة عشر.. تحية إلي روحك في ذكراك وحق أبنائك محمد وإبراهيم والهادي علينا سيبقي دينا مستحقا.. أما زوجتك رفيقة حياتك السيدة شادية.. التي كانت بمثابة السند لك دائما ولم تسأل أو تكل بسبب انشغالك معنا.. بل كانت دائما تحسن الضيافة والاستقبال لكل من أحببت يا جودة من عمل ومبادئ.. ورفاق فحق لها علينا كل الاحترام والتقدير.. وأن نشاطرها الأحزان.. وداعا يا جودة.. وتحية في ذكراك وعهدا علينا أن نكون أوفياء لمبادئنا ولشعبنا مهما طال الزمن ومهما صعب علينا الطريق.. وداعا وسلاما.. يا رفيق الدرب.. حتي نلتقي.