ديمقراطية الثقافة قال الدكتور «عبدالقادر حاتم» وزير إعلام وثقافة ثورة يوليو ان أهم انجاز له كان تحقيق ديمقراطية الثقافة متحدثا عن الفرق المسرحية التي نشأت في الأقاليم ومشروع كتاب كل ست ساعات اضافة للبرامج الثقافية في كل من التليفزيون والإذاعة وانشاء الاذاعات الجديدة والموجهة منها إذاعة القرآن الكريم. ولكن الوزير السابق تجاهل تماما علاقة الثورة بالمثقفين وهي كما يعرف الجميع كانت علاقة شائكة وملتبسة، إذ إن المبدأ الاساسي الذي حكمها هو الاستعانة بأهل الثقة وليس بأهل الخبرة، بل وصل استبعاد بعض أهل الخبرة في هذا الميدان إلي اعتقالهم وسجنهم بل «تطهير» بعض المؤسسات الثقافية والإعلامية منهم وفرض قبضة الأمن عليهم وصولا إلي نقل «طه حسين» وهو من هو بين كبار المثقفين من جريدة الجمهورية التي كان يكتب فيها إلي واحدة من المؤسسات العامة لعزله عن جمهوره وبعد سنوات مات «طه حسين» صاحب شعار التعليم كالماء والهواء ووزير المعارف قبل الثورة وفي قلبه مرارة شديدة لا فحسب مما حدث له وانما من كل ما حدث للثقافة والمثقفين وللتعليم علي نحو خاص. وطه حسين هو اسم كبير، واحد من بين عشرات من كبار المثقفين وشبابهم جري التنكيل بهم وتهميشهم بينما كانت الثورة ماضية في مراكمة انجازات مادية كبيرة من انشاء المدارس للمسارح لبيوت وقصور الثقافة وقد شهدت الأخيرة موجات تلو الأخري من ملاحقة المثقفين الذين تحمسوا لمشروع يوليو ودافعوا عنه وتطلعوا لتصحيح أخطائه أولا بأول قبل أن تتفاقم وتؤدي إلي الهزيمة الفاجعة عام 1967 والتي مازالت البلاد تدفع ثمنها حتي هذه اللحظة لأنها فتحت الباب للانقضاض علي انجازات «يوليو» المجيدة. كذلك حجبت الثورة عن المثقفين وعن الشعب كله حق التنظيم كحق أساسي للانسان، وضرورة لا غني عنها للتعبير المستقل بعيدا عن الحكومة حتي وهم يؤيدونها، والمثقفون التقدميون هم الذين أرسوا مبكرا هذا المبدأ النبيل أؤويدك دون أن التحق بك وهم الذين انتقدوا رواية «عودة الروح» لتوفيق الحكيم والتي كان جمال عبدالناصر معجبا بها لأنها دعت لاندماج الكل في واحد وهذا الواحد هو عادة الزعيم المنتظر الذي يأمر فيطاع. والنقد في هذه الحالة هو شكل من أشكال التمرد علي الطاعة، فالطاعة قيمة غريبة علي المثقف النقدي الذي تتجلي له المثل العليا في صورة يوتوبيا لكنها قابلة للتحقيق كمدينة فاضلة لو توافرت شروط. ولعل أهم هذه الشروط بالنسبة للمثقف اليساري والشيوعي علي نحو خاص الذي أيد الثورة ودعا لحمايتها وتجاوزها أن تكون المشاركة الشعبية الحقة لا عبر الاستفتاءات التي دأبت يوليو علي تنظيمها ووضعت لنا تقليد ال 99% موافقون، وإنما عبر حق القوي الشعبية في تنظيم نفسها في نقابات وجمعيات وأحزاب دون وصاية حكومية أو قبضة أمنية، وهو ما لم يحدث في ظل «يوليو» التي فضلت جمع الشامي علي المغربي كما يقولون في تنظيمها الفضفاض من الاتحاد القومي للاتحاد الاشتراكي والذي أدرك عبدالناصر بما له من بصيرة سياسية أنه لن يكون صالحا لقيادة البلاد وقام بانشاء التنظيم الطليعي في داخله. ورغم الطفرة الهائلة التي أحدثتها «يوليو» في التعليم الذي رأي «طه حسين» أن بتطويره وتوحيده ومجانيته سوف نطمئن لمستقبل الثقافة في مصر فإن الثورة لم تسمح بسبب تضارب المصالح بتوحيد التعليم أو اجراء تغيير جذري في مناهجه يؤسس لمبادئ المواطنة والديمقراطية والعلمانية، وعجزت بذلك عن تمهيد التربة لاجراء اصلاح ديني جذري يواصل ما قام به المعتزلة وابن رشد وصولا إلي الامام محمد عبده في نهاية القرن التاسع عشر، بل اكتفت الثورة بعد أن دخلت في صراع، ثم تحالف مع جماعة الاخوان المسلمين بالمزايدة عليها باعتبارها هي أي الثورة لا الجماعة من يمثل الاسلام الصحيح وما إن وقعت هزيمة 1967 إلا وانبعث الخطاب الديني الاصولي اسلاميا ومسيحيا فقد قيل أيضا إن السيدة مريم العذراء قد تجلت في كنيسة بالزيتون ومازلنا حتي هذه اللحظة نعاني من هيمنة الاصولية التي لم يكسرها المنهج العلمي الموضوعي. هذا وتركت ثورة يوليو قضية الأمية للزمن بعد أن فشلت مشروعات شكلية للقضاء عليها حتي زماننا هذا.. لكل هذه الأسباب كانت ديمقراطية الثقافة في ظل «يوليو» ناقصة مقصوصة الجناح.