الرهان علي «فرد» من أجل التغيير!! لم أستطع خلال عطلتي الصيفية التي امتدت اسبوعين حتي أمس والتي قضيتها مع أسرتي الصغيرة (زوجتي وابنتي وحفيدي ندي وأحمد) في «قرية حسن فتحي للصحفيين» بالساحل الشمالي.. لم استطع الابتعاد عن المشاكل والقضايا السياسية وهموم الوطن، فمواصلة عادة قراءة الصحف القومية والخاصة يوميا، ومتابعة الأخبار عبر قناتي الجزيرة والعربية، والبرامج الحوارية خاصة العاشرة مساء وبلدنا بالمصري و90 دقيقة، والمناقشات التي لا تنقطع مع الزملاء والأصدقاء الذين التقيتهم في القرية أو خلال الزيارات للقري المجاورة، فرضت علي الاستغراق في هذه المشاكل والقضايا. وفي يوم الجمعة الماضي زرت والصديق مصطفي نبيل رئيس تحرير الهلال السابق صديقا مشتركا يقضي عطلته بمنزله بمارينا، وتربطني به صلة قرابة وصداقة منذ أيام الدراسة في الجامعة. كان الصديق طالبا نابغا في الجامعة تخرج في كلية الحقوق بامتياز ثم حصل علي الدكتوراه في الاقتصاد. وفي فترة الدراسة بجامعة القاهرة وما بعدها انحاز لليسار. وبعد دخوله الحياة العملية لفت النظر كاستاذ وخبير اقتصادي، وكأحد رجال القطاع المصرفي المحترمين، وأصبح بفكره ومواقفه وكتاباته منحازاً للفكر الليبرالي ومدافعاً عنه. انصب الحديث طوال اللقاء حول غموض المستقبل في مصر والأخطار القريبة التي تهدد الاستقرار، وغموض البديل في حالة خلو موقع رئاسة الجمهورية. كان هناك اتفاق علي ضرورة التغيير، وعلي العقبات التي تعترضه والمشاكل التي تواجه القوي الساعية للتغيير. فالحركات الاحتجاجية والاجتماعية التي لونت المشهد العام خلال العامين الأخيرين لا تتجاوز سقف المطالبة الفئوية وبعض مطالب اقتصادية واجتماعية، ويغيب عنها الربط بين مشاكل هذه الجماعات والسياسة العامة لنظام الحكم، وبالتالي لا تملك رؤية أو برنامجا للتغيير. الأمر نفسه ينطبق علي الحركات الاحتجاجية السياسية مثل الحركة المصرية للتغيير (كفاية) وشباب 6 أبريل، فقد نشأتا في مواجهة لخطة معينة رافعة شعارا لحظيا سواء شعار «لا للتمديد.. لا للتوريث» أو غيره، وعندما حاولت التحول إلي ما يشبه الحزب السياسي ووضع برنامج للتغيير وقع الخلاف داخلها وتوالت الانشقاقات وتراجعت بصورة واضحة. وهو المصير نفسه الذي أصاب «الجمعية الوطنية للتغيير» الذي نشأت لتأييد ترشح د. محمود البرادعي لرئاسة الجمهورية ومطالبه السبعة للتغيير الجزئي الدستوري والسياسي، ثم انفصلت عنه، ووقع تباين بين الشخصيات المكونة للجمعية، وتوشك ظاهرة البرادعي والجمعية علي الاختفاء لاسباب سبق أن تناولتها وعديد من الكتاب. أما الأحزاب السياسية الداعية للتغيير والتي تملك برامج ورؤية واضحة للتغيير المطلوب، سواء كل حزب منفردا أو مجتمعة مثل برنامج الاصلاح السياسي والدستوري الصادر عن مؤتمر الأحزاب والقوي السياسية (10 ديسمبر 1997) ووثيقة «لجنة الدفاع عن الديمقراطية) عام 2002 ووثيقة «الائتلاف الديمقراطي» في 10 فبراير 2008.. الخ.. فعدم حسم قياداتها قرار ضرورة استدعاء الرأي العام ليكون الطرف الرئيسي في التغيير، وما يتطلبه ذلك من منهج نضالي مختلف وفك الارتباط بالسلطة القائمة والحزب الوطني، والنزول للشارع وعدم الاكتفاء بالاجتماعات في المقار والصحافة، أدي إلي ضعف الأحزاب وعجزها عن القيام بالتحرك من أجل تنفيذ برامجها المشتركة الداعية للتغيير ورغم بروز محاولات للعمل المشترك بين الحين والآخر مثل التحرك الأخير لأحزاب «الائتلاف الديمقراطي» فالخلافات وتردد بعض القيادات يقلل من فرص قيامها بالدور المفترض والمطلوب من أجل التغيير. كذلك لم يعد أي عاقل يراهن علي الانتفاضة التلقائية للجماهير. فتجارب العالم حولنا وتجربتنا الغربية في انتفاضة 18 و19 يناير 1977 تقطع بخطورة الانتفاضة التلقائية واحتمال تحولها إلي فوضي تتيح الفرصة لأي قوة منظمة متربصة للفقر علي السلطة. ومع استبعاد ورفض كل هذه السيناريوهات للتغيير، كان السؤال المنطقي وماذا بعد؟! كانت وجهة نظري أن الأمر منوط بالأحزاب السياسية الديمقراطية، فرغم ضعفها وخلافاتها ومشاكلها فهي الإطار الطبيعي والوحيد للعمل السياسي عامة ولتحقيق التغيير وتستطيع كوادر وقيادات في أحزاب «الائتلاف الديمقراطي» ممارسة الضغط ديمقراطيا علي قيادات احزاب التجمع والوفد والناصري والجبهة لحسم ترددها والانحياز بقوة للتغيير والخروج من المقر والصحيفة إلي الناس لدعوتهم لتأييد وثيقة وبرنامج التغيير وتنطيمهم والتحرك معهم لفرض التغيير. ولم يوافقني الصديق الذي كنا نتحاور معه. وقدم رؤية أخري أعتقد أنها سائدة في قطاع كبير من الطبقة الوسطي والمثقفين المهتمين بالشأن العام. تقوم هذه الرؤية علي الحاجة لشخصية من داخل النظام يعرف جيدا الأوضاع الداخلية في مصر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتركيبة النظام الحاكم ومكوناته الداخلية، وعلي علاقة قوية وقبول من الأجهزة الامنية ومقبول من أهم مؤسسات الحكم وهي القوات المسلحة، وان تكون له خلفية عسكرية، ومعرفة بعلاقات مصر العربية والاقليمية والدولية وتعرفه الولاياتالمتحدةالامريكية واسرائيل جيدا وتطمأنا علي مواصلة علاقات مصر بهما في ظله. وأن يستمر حكمه لفترة 5 سنوات كفترة انتقال من نظام الحزب الواحد في قالب تعددي والفرد الواحد، إلي نظام ديمقراطي تعددي يتم خلاله تداول السلطة عبر انتخابات يتوافر فيها حد أدني من الحرية والنزاهة. وعيب هذا السيناريو - رغم تحديده الواضح للشخص المطلوب وتسميته - رهانه علي أن هذا الشخص سيقدم خلال فترة حكمه - 5 أو 6 سنوات - علي قيادة البلاد للتحول من الاستبداد إلي الديمقراطية، وهو رهان لا يستند إلي أي حقائق ملموسة، وهو أقرب إلي التمني والحلم منه إلي برنامج واقعي ممكن التحقيق، فالتحول لن يتم ما لم تكن الناس عنصراً فاعلا وضاغطا من أجل الديمقراطية، وهو ما يعيدنا إلي السيناريو الاول الذي يلقي علي الاحزاب الديمقراطية مسئولية العمل من أجل التغيير.