المحنة التي تعرض لها المواطن المصري حمادة صابر أمام قصر الاتحادية من ضرب وصفع وسحل علي الأرض ونكرانه في اليوم التالي مباشرة لما تعرض له علي أيدي زبانية قوات الأمن يكشف عن حجم التشويه الذي أصاب الشخصية المصرية علي امتداد عهود الظلم والطغيان، اختفت الأصالة والصلابة والحضارة التي تميز بها المصريون علي مدار التاريخ بفعل بطش واستبداد الحكام الطغاة الذين تفننوا في طمس عراقة وقيم شعب سبق شعوب العالم بحضارته التي تجري في عروقه بشكل فطري، لذلك لم يكن غريبا أن يدافع حمادة صابر عمن قاموا بتعذيبه وإهانته، ويضع نفسه في موضع الجاني بينما هو الضحية، كان أمرا مثيرا للضحك لدرجة البكاء أن يقول صابر.. «أنا تعبت بتوع الأمن.. هم كانوا عوزين مصلحتي لإنقاذي من اعتداءات المتظاهرين»!! إنه نموذج مطابق لكتالوج مبارك الذي علم الناس الذل والخضوع والاستسلام، نفس المحنة كشفت عن الجوانب الحقيقية في الشخصية المصرية، عندما عاد صابر بعد أقل من 24 ساعة ليحكي وسط دموعه عن تفاصيل السحل والإهانة، فشلت خطة عناصر الشر في وأد الحقيقة، لم يتمكن صابر من مواجهة نظرات اللوم والعتاب والرفض من أفراد أسرته وجيرانه بالمطرية، ولم يقو علي الصمود أمام انتقادات واحتجاجات عائلته بسوهاج. إنهم يمثلون الضمير الجمعي للمجتمع المصري الذي يرفض الذل والإهانة، يمكن أن يتعايش مع الفقر لكنه يرفض الخضوع، يعاني لتوفير الاحتياجات الأساسية لكنه لا يتاجر أبدا بكرامته، لقد فجرت ثورة يناير منابع العزة والكرامة الكامنة في أعماق الشعب المصري وأيقظت مشاعر المقاومة ورفض الذل والاستبداد.. رواية صابر الحقيقية لما تعرض له كشفت أيضا عن ملامح الشخصية المصرية التي تتميز بالطيبة وسرعة التأثر لدرجة البكاء والميل الشديد للبحث والتنقيب عن الجوانب الإنسانية حتي فيمن يوجه الإهانة أو يمارس دور الجلاد، أجهش صابر بالبكاء مرتين متأثرا وهو يحكي كيف كان يتوسل لمن أهانوه أن يترفقوا به دون أن يستجيبوا لصراخه، والمرة الثانية عندما عطف عليه أحد الضباط بعد أن شاهد سوء حالته وهو محتجز، سالت دموع صابر تأثرا في الحالتين عند القسوة المفرطة وأيضا عند الرفق به.. فعلا شعب عاطفي، مأساة صابر كشفت عن بعد آخر في الشخصية المصرية التي تميل بالفطرة نحو القيم الأخلاقية عندما تحدث صابر عن اقتناصه خلسة تفاحة من أحد البائعين بعد أن غطي البائع بضاعته آخر الليل بميدان المطرية ثم عاد «صابر» بعد تأنيب الضمير ليعيد التفاحة لمكانها.. إنها النوازع الكامنة داخل المصريين التي تعرف الحلال والحرام وتفرق بين الحق والضلال وتميز بين الكذب والصدق، كل ذلك لم يره أو يرصده السيد هشام قنديل رئيس الوزراء ولم يشفع عنده للرفق بالمواطن حمادة صابر حيث قال عنه إنه لا يدفع استهلاك الكهرباء، يعني متهرب من سداد الكهرباء!!