عملية توظيف نتائج قافلة اسطول الحرية السلبية والايجابية علي حد سواء مستمرة علي قدم وساق، فلم تكن الصفحة الأخيرة في قصة اسطول الحرية ممثلة في عملية الانقضاض الاسرائيلي علي سفن الاسطول واقتيادها إلي ميناء أشدود، وإلقاء القبض علي كل من كانوا علي متنها بعد مهاجمة السفينة الرئيسية «مرمرة» والتي قتل فيها تسعة من الأتراك وتم اطلاق النار عليهم بوحشية من مسافات قريبة. الفصل الدرامي في قصة اسطول الحرية لم يكن ما انتهي في عرض البحر المتوسط وفي المياه الدولية باعتراض الاسطول بالقوة ولكن عملية توظيف ماحدث استمرت وتصاعدت بشدة حيث تحاول جميع الأطراف المحلية والاقليمية والدولية توظيف ماحدث لتحقيق مكاسب سياسية. موسي في غزة وفي هذا الإطار توجه الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي إلي غزة في زيارة مهمة للقطاع الذي تسيطر عليه حركة حماس، وهو ما يمثل مكسبا للحركة التي وجدت في الزيارة اعترافا عربيا بها، بعد أن ظلت الجامعة العربية تعترف فقط بالسلطة الفلسطينية وترفض الاعتراف بالانشقاق الفلسطيني وسيطرة حماس بالقوة علي قطاع غزة، وظلت السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية هي العنوان الوحيد للشعب الفلسطيني، علي الرغم من أن حركة حماس اكتسبت الشرعية بفوزها في انتخابات 2005، وقيامها بترأس حكومة وحدة قبل أن يحدث الانقلاب علي السلطة ويتم طردها من غزة. زيارة موسي لغزة تأتي في ظل تأخر من الجامعة العربية في القيام بدور مهم للمساعدة في إنهاء الحصار علي غزة، واصبحت الأجواء الآن ممهدة للقيام بهذا الدور وتجاوز قضية الشرعية وصولا إلي القضية الاهم وهي رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني حيث يعيش قرابة مليون فلسطيني في غزة في ظل هذا الحصار. وتستطيع الجامعة العربية القيام بدور أهم نحو تحقيق المصالحة الفلسطينية التي لعبت دورا كبيرا في محاولة تحقيقها وتوصلت إلي وثيقة جيدة قبلتها فتح ورفضت حماس التوقيع عليها، وقد تكون الجامعة العربية بوابة جديدة لتحقيق المصالحة الفلسطينية علي قاعدة الوثيقة المصرية في ظل تنسيق بين الجامعة ومصر والسعودية علي وجه الخصوص سبق زيارة موسي إلي غزة. دولة الخلافة وإذا كانت حركة حماس تحاول تحقيق المكاسب المختلفة، فانها تري نجاحها الأكبر في اجتذاب تركيا للانخراط بشكل عملي في صراعات الشرق الأوسط، وتجاه القضية الفلسطينية بشكل خاص، ولم يكن غريبا أن يكون تصريح رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية عن عودة دولة الخلافة للقيام بدورها الإسلامي من جديد، وبالتالي فقد اصبحت تركيا أهم مركز اقليمي ودولي لاعداد المساعدات لقطاع غزة، بالتنسيق بين حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) الذي يقود تركيا و50 منظمة اغاثة دولية اسلامية وانسانية منها حركة الاخوان المسلمين الدولية، وتعمل كلها علي تحقيق هدف سياسي لكسر الحصار علي غزة والاعتراف بشرعية وسيطرة حركة حماس علي الاوضاع في القطاع. الحوار مع أمريكا والملاحظ أن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل قد أكد استعداد الحركة للحوار مع الادارة الامريكية وسط تقارير صحفية تتحدث بالفعل عن اتصالات غير رسمية بين امريكيين وقياديين في حركة حماس تقوم علي ايقاف عمليات العنف بالكامل، وعدم السماح بوجود خلايا من تنظيم القاعدة في غزة، وعدم تهديد أي مصالح أو او اهداف امريكية، مقابل قيام الإدارة الامريكية بجهد لرفع الحصار الاسرائيلي عن غزة، بإعادة المراقبين الاوروبيين إلي المعابر بين مصر والقطاع، وادخال البضائع ومواد البناء بترتيبات مع اسرائيل، والأهم ادخال حركة حماس ضمن اطار الاتصالات الامريكية تمهيدا للبحث في امكانية شطبها من قائمة المنظمات الارهابية ويتوافق ذلك مع زيارة عباس لواشنطن واجتماعه مع أوباما لمتابعة الموقف الامريكي من الملف الفلسطيني. خسارة لإيران وجدير بالاهتمام مراقبة رد فعل حركة حماس علي عرض الحرس الثوري الايراني مرافقة سفن الاغاثة المتجهة إلي غزة، حيث رفضت حركة حماس هذا العرض، كما تجاهلت تهديدات حزب الله بضرب السفن الاسرائيلية بالصواريخ في عرض البحر، وأكدت أن سفن الاغاثة هي لكسر الحصار بوسائل سلمية، كما حاولت قوافل سابقة كسر الحصار البري عن طريق مصر. مصر تفتح معبررفح وفي وسط محاولة كل الأطراف تحقيق مكاسب، فإن مصر اقدمت علي فتح معبر رفح بدون تحديد مدة زمنية لأول مرة، ولايستبعد وجود تفاهم مصري اسرائيلي بشأن تلك الخطوة خاصة ان معبر رفح يتم تخصيصه لعبور الأفراد والبضائع الخفيفة والادوية أما معبر (العوجه) فيتم نقل البضائع من خلاله بعد تفتيشها. وعلي الرغم من هذه الخطوة المصرية ألا أنها لا تنهي الحصار المفروض علي غزة بالكامل، ولا يوفر الغطاء السياسي لاضفاء الشرعية علي حركة حماس، اذ تظل تلك الاجراءات في إطار المواقف الانسانية لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني. ولا تمانع اسرائيل في اتخاذ إجراءات لتخفيف الحصار، ان وجدت نفسها متلبسة امام العالم بارتكاب جريمة قرصنة واعتداء علي مدنيين يقومون بمهمة انسانية، وفشلت دعاياتها في اقناع العالم بأن جنودها كانوا يدافعون عن انفسهم، وبالتالي استجابت لكثير من الطلبات الاوروبية والامريكية وحتي المصرية لارسال معونات ومواد اغاثة إلي قطاع غزة شريطة تفتيشها. أولاً للتأكد من عدم وجود اسلحة. ومن شأن هذا الموقف تقوية حركة حماس التي اعتمدت ولا تزال علي الانفاق غير الشرعية بين غزة ومصر والمعونات التي ترسلها القوافل علي تسيير الحياة من القطاع، وهي تحتاج إلي خطوة اكبر لاعادة الاعمار وتثبيت دعائم حكمها، وهو ما سيوفره اتفاق جديد بمظلة عربية أو دولية لتخفيف الحصار إلي حده الادني. ومن شأن هذا الاتفاق أن يقدم مكاسب لحزب العدالة والحكومة التركية التي وجدت نفسها في مواجهة اقليمية ودولية ومحلية تفوق قدراتها، فلم تستطع قطع العلاقات مع اسرائيل لتأثير ذلك علي حلمها بالانضمام، الي الاتحاد الاوروبي وتحدي حلف الناتو، كما وجدت نفسها في مواجهة مع المعارضة السياسية الليبرالية واليمينية التي اتهمت الحكومة بمحاولة «اسلمة» الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتعريض المصالح التركية مع اسرائيل واوروبا والولايات المتحدة علي وجه الخصوص للخطر بسبب سياسة (شعبوية) لم تحقق أي نتائج. والحكومة الإسرائيلية التي تواجه انتقادات في الداخل والخارج تريد ايقاف تلك الانتقادات، والأهم دفع حركة حماس إلي مزيد من الاعتدال بتشجيعها بتخفيف الحصار والتوقف عن محاولات توظيف المنظمات الانسانية ضدها كما يحدث حاليا. وفي ضوء ذلك كله فأن كل الاطراف تعمل بسرعة لقطف الثمار فبعد الفصل الدرامي في عرض البحر جاء وقت حصد المكاسب كل حسب قوته وقدراته.