.. تجاه اليسار واجب وطني وثوري سمير كرم السرقة جريمة. ومهما كانت ضآلة قيمة المسروق وعدم اهميته المادية فانه يبقي جريمة ولابد من الحاق العقاب بمرتكبها. ولا يختلف الامر حين يكون المسروق ثورة شعب. بل ان هذه السرقة بالذات بما يترتب عليها تشكل جريمة كبري ربما لا توازيها في آثارها وتأثيراتها جريمة اخري. واذا شئنا الدقة فان عملية سرقة الثورة تتمثل بالتحديد في سرقة السلطات والصلاحيات التي تنتج عن انتقال الحكم من السلطة التي امكن خلعها واسقاطها الي سلطة جديدة تعي الجماهير تماما ماذا تريدها ان تكون. وقد اسفرت عملية سرقة الثورة عن نتيجة لم تتضح من البدايات الاولي لانتقال السلطة انما بدأت تتضح بعد مضي مدة لا تقل عن عام كامل. كان اليسار في مقدمة الثورة وان لم يكن قد حقق سيطرة علي قيادتها. ولقد كان قد اتضح ان ثورة 25 يناير الشعبية تفتقد الي القيادة المحددة في الشكل والتنظيم. لكن احدا لم يكن يشك في ان ثورة شعبية بهذا الحجم وبهذه المقدرة لابد ان تكون بالضرورة ثورة يسارية بالدرجة الاولي. ليس فقط لانها قامت ضد نظام اخذ علي عاتقه تحويل البلد ككل الي اتجاه يميني بحت يرعي كلية مصالح رجال الاعمال ويضعهم في السلطة ويمكنهم من الثروة في الوقت نفسه. معارضة يسارية اما الان فان اليسار اصبح في المعارضة. ليس لانه تحرك نحو المعارضة انما لان القوة التي تمكنت من الاستيلاء علي قيادة الثورة عنوة ادت مهمة زحزحة اليسار تدريجيا نحو مواقع المعارضة. بينما بدا ان تنظيم الاخوان المسلمين تمكن من الاستيلاء علي الثورة وتولي مواقع القيادة فيها. وبدأ يتضح رويدا رويدا ان السلطة كما تتمثل في تنظيم الاخوان المسلمين وبعد ان هيمنت علي صناديق الانتخاب عن طريق تبني مقدمات ونهايات دينية لهذه العملية تتحرك بالاتجاه نفسه الذي كانت تسير فيه حكومة السلطة المخلوعة وهو اتجاه هيمنة رجال الاعمال علي الثورة والثروة معا. لقد تذرع تنظيم الاخوان المسلمين بالدين في زحفه السريع نحو السلطة سواء بالتحالف مع المجلس الاعلي للقوات المسلحة وفيما بعد في انقلابه السريع علي هذا المجلس وابعاده عن السلطة. ولكن هذا التنظيم المتذرع بالدين لا يزال يشعر بان الجماهير اليسارية التي كانت قد بدأت الثورة لا تزال مصممة علي توجيهها في خط الاهتمام بمصالح الجماهير الاقتصادية والاجتماعية متمثلة في هدف العدالة الاجتماعية المعلن كواحد من اهداف ثورة 25 يناير الاساسية. في الوقت نفسه يبدي تنظيم الاخوان المسلمين بعد استيلائه علي السلطة وتحويل الشرعية الثورية الي شرعية قانونية اهتماما يفوق كل اهتمام آخر بتنظيم الاحوال بعيدا عن المصالح الجماهيرية قريبا بل قريبا جدا من مصالح الفئة الغنية البالغة الثراء التي استطاعت حتي في ظل الحكم المخلوع ان تحافظ علي مكاسبها المادية. لا معارضة للدين لم يكن باستطاعة تنظيم الاخوان المسلمين ان يكسب السلطة علي خط واحد صريح هو خط التظاهر بالاهتمام بالدين فوق كل اعتبار آخر وايجاد تبرير ديني لكل خطوة يتخذها والحرص علي ترك الانطباع لدي الاخرين ايا كان اتجاههم بان معارضته سياسيا او اقتصاديا هي معارضة للدين ومبادئه واصوله وتعاليمه. ولهذا يلجأ هذا التنظيم الذي تولي فعليا الحكم بينما يظهر في الواجهة افراد يحاولون قطع صلاتهم بهذا التنظيم ابتداء من رئيس الجمهورية الي رئيس الوزراء وصولا الي الوزراء والمستشارين للرئيس والرئاسة. ولهذا ايضا يلجأ تنظيم الاخوان المسلمين الي وسيلة الهيمنة علي الاعلام ليس فقط عن طريق التعيينات التي يتولاها مجلس الشوري انما عن طريق تقديم الناقدين له الي المحاكمة لبث الذعر في نفوس اولئك الذين يعارضون هيمنة التنظيم علي السلطة السياسية وادواتها. لم تعد الجماهير التي تري وتشعر في صميم حياتها بانصراف تنظيم الاخوان المسلمين عن مصالحها الحياتية المباشرة تخشي السلطة الدينية التي يريد التنظيم الاستمرار في الاستناد اليها. فالجماهير الشعبية اول من يدرك محاولات التنظيم الاستناد الي الدين لتوجيه الثورة والثروة نحو مصالح الاقلية، واول من يجرؤ علي انتقاد هذا المسلك لاستغلال الدين لتحقيق اهداف سياسية واقتصادية. ولكن الجماهير الشعبية المصرية تجد نفسها مرة اخري في موقع من يفتقد القيادة الثورية حتي الان فان قوي اليسار، التي تستطيع وحدها ان تكون قائدة في مثل هذه الاحوال للتوجه الثوري، لا تزال موزعة الاهتمامات بين احزابها وتنظيماتها القديمة والجديدة وبين مهمة الجمعية التاسيسية التي عهد اليها بوضع دستور مصر الذي يمكن ان يحكم وضعها السياسي والاجتماعي لمدة قرن، يقل قليلا او يزيد. أسرار مع أمريكا كذلك فان كثيرا من طاقة اليسار المصري ينصرف في محاولة فهم توجهات تنظيم الاخوان المسلمين خلف واجهة الرئيس محمد مرسي في مجالات السياسة الخارجية التي تفرض نفسها في الظروف الراهنة للمنطقة وهي منطقة اعتادت مصر ان تؤدي فيها دورا قياديا، ان لم نقل الدور القيادي. ان التنظيم الاخواني يمارس السياسات الخارجية للنظام السابق المخلوع فيما يخص اكثر القضايا اهمية، بل وحرجا لمصر، ونعني بها القضايا المتصلة بالعلاقات مع الولاياتالمتحدة واسرائيل. وليس خافيا حرص التنظيم الاخواني علي الابقاء علي افضل علاقات ممكنة مع واشنطن عن طريق الاتصالات الكثيفة مع قادتها العسكريين والمدنيين، التي لا يكاد يذاع اي شيء عن مضمونها او عن نتائجها. واما بالنسبة لاسرائيل فان التحركات العسكرية التي امر بها نظام الرئيس مرسي في سيناء في مواجهة التنظيمات المتطرفة – مصرية سيناوية وفلسطينية غزاوية – اظهرت اضطرار هذا النظام لتنسيق خطواته العسكرية في سيناء مع الجانب الاسرائيلي. فهو يستجيب لرغبة اسرائيل في ان يتصدي للمنظمات المتطرفة وهو يستجيب بالدرجة نفسها حين تكون رغبة اسرائيل الواضحة ان يسحب اسلحته ومعداته العسكرية الثقيلة من سيناء لان اتفاقات كامب ديفيد لا تسمح بها. في الوقت نفسه يظهر اهتمام نظام التنظيم بالتنسيق مع الولاياتالمتحدة فيما يتعلق باحداث سوريا الدامية، وان كان هذا يوافق هوي الاخوان المسلمين لان تنظيم الاخوان المسلمين السوري وغيره من التنظيمات الاسلاموية في سوريا يلعب الدور الرئيسي ضد الحكم السوري. ولا يختلف هذا عن جهود التنظيم الاخواني المصري مع التنظيمات نفسها في تونس وليبيا وفي السودان واليمن. وقد اظهر الرئيس مرسي اهتمام تنظيم الاخوان المسلمين بتنسيق مواقفه في السياسة الخارجية وفي اوضاع الاقتصاد مع دول الخليج – مثل السعودية وقطر والامارات والبحرين – بما لا يدع مجالا للشك في ان مسلك نظام مرسي لا يخرج باي قدر عن الخطوط التي ترسمها الولاياتالمتحدة للمنطقة. واضافت زيارة الرئيس مرسي لايران التي حددت باربع ساعات اثناء قمة حركة عدم الانحياز تمسكه بان لا يبدو للقادة الامريكيين مندفعا باتجاه ايران التي ستراس هذه الحركة للسنوات الثلاث القادمة بعد ان راستها مصر في السنوات الثلاث الماضية (…) لا علاقات مع إيران لقد آثر الرئيس مرسي تجاهل التيار الجماهيري المصري الذي يري ضرورة دعم العلاقات مع ايران باعتبار ذلك السبيل الوحيد في الظروف الراهنة لاستعادة دور مصر القيادي في اقليم الشرق الاوسط والمنطقة العربية. ان سرقة الثورة عملية مستمرة علي صعيدي السياسة الداخلية والخارجية. وحتي الان لا يبدو ان استعادة الثورة تقطع ايا من اشواطها. الي متي تستمر هذه الجريمة؟ الي متي يبقي اليسار – وهو المفجر الحقيقي لهذه الثورة – سجين معارضة ضعيفة تنظيميا وان تكن قوية جماهيريا؟ ربما تقتضي الاجابة الموضوعية لهذه التساؤلات معرفة دقيقة ومحددة بأهداف تنظيم الاخوان المسلمين في المرحلة التالية تجاه اليسار المصري. بمعني اوضح ما هي نوايا تنظيم الاخوان وهو في السلطة تجاه اليسار واحزابه وتنظيماته؟ ان الاجابة علي هذا السؤال تشكل واجبا وطنيا سياسيا واجتماعيا لابد من القيام به مهما تطلب من جهود وتضحيات.