احتلت قضية المادة الثانية من دستور 1971 الذي أسقطته ثورة 25 يناير والتي تم نسخها نصا في الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011 وتنص علي أن «الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع».. احتلت مكانا بارزا وأثارت جدلا واسعا في «الجمعية التأسيسية» لصياغة الدستور المطعون بعدم شرعيتها لهيمنة تيار الإسلام السياسي «جماعة الإخوان المسلمين – حزب الحرية والعدالة – حزب النور.. وحلفاؤهم» علي عضويتها ووجود أغلبية من أعضاء السلطة التشريعة «مجلسي الشعب والشوري». ومنذ سنوات وهناك محاولة من المنتمين لتيار الإسلام السياسي لإضفاء قدسية «زائفة» علي المادة الثانية من دستور 1971، واعتبار أي محاولة لتعديل النص أو تصحيحه بالحذف أو الإضافة عدوانا علي هوية الأمة وخطا أحمر لا يجوز الاقتراب منه، معتمدين أن غالبية المواطنين لا يتذكرون الظروف والأسباب التي أدت إلي وضع هذه المادة بهذه الصياغة في دستور السادات الذي أصدره في 11 سبتمبر 1971 بعد انقلاب القصر الذي قاده في (13 – 15) مايو 1971. وأصل هذه المادة في التاريخ الدستوري لمصر هي المادة 149 من دستور 1923 الصادر في 19 أبريل 1923 عقب ثورة الشعب المصري عام 1919 بقيادة سعد زغلول وحزب الوفد، ونصت المادة 149 علي أن «الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية»، بينما نصت المادة الثالثة من ذلك الدستور علي أن «المصريون لدي القانون سواء، وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين..»، ويقول د. عبدالحميد متولي أستاذ القانون الدستوري إن النص علي ديانة الدولة في دستور 1923 كان بمثابة تحية كريمة من المشرّع الدستوري لديانة الأغلبية، دون أن يترتب علي ذلك تمييز في الحقوق أو الواجبات العامة بين المواطنين علي أساس معيار العقيدة الدينية. وتكرر النص علي أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية في دستور 1930 ودستور 1956 (23 يونيو 1956) ودستور 1964 (26 مارس 1964). وخلا مشروع دستور 1954 والدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة «دستور الوحدة المصرية السعودية» الصادر في 5 مارس 1958 من أي إشارة لدين الدولة، باعتبار أن الدولة كائن معنوي لا دين له، ومن المعلوم أن أندونيسيا وبها أكبر عدد من المسلمين في العالم رفض قائدها الوطني أحمد سوكارنو والحركة الوطنية بها النص علي دين للدولة في الدستور، وفي الهند وغالبية سكانه من الهندوس رفض «نهرو» النص علي دين الدولة. ولأول مرة في التاريخ الدستوري لمصر، تم عام 1971 نقل المادة 149 من دستور 1923 إلي دستور السادات لتحتل رقم (2) في مواده ال 193، ويضيف إليها نصا جديدا يقول «ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع» ثم تعدل المادة عام 1980 لتصبح «المصدر» الرئيسي للتشريع. وتمت الإضافة والتعديل ضمن لعبة سياسية أراد بها الرئيس الأسبق «أنور السادات» مغازلة تيار الإسلام السياسي «الإخوان المسلمين» والتحالف معهم في معركته للقيام بثورة مضادة ضد السياسات الوطنية والاجتماعية لثورة 23 يوليو 1952 بقيادة جمال عبدالناصر. كان السادات قد دخل في صدام مع شركائه في الحكم الذين أطلق عليهم «مراكز القوي» وكلهم من أعوان ومساعدي جمال عبدالناصر ممن يمكن تسميتهم ب «اليسار الناصري» أمثال «علي صبري والفريق محمد فوزي ولبيب شقير وشعراوي جمعة ومحمد فائق ومحمد عروق وأحمد كامل..» وقرر استخدام الدين في هذا الصراع، فأصبح اسمه «محمد» أنور السادات، وسمي نفسه «الرئيس المؤمن»، وجاءت المادة الثانية للدستور والنص علي مبادئ الشريعة الإسلامية في هذا السياق كمناورة سياسية ليس إلا! وكغطاء للسياسات الجديدة التي سميت بعد ذلك بسنوات (1974) بسياسة الانفتاح، والتي تقوم علي رفض السياسات الاجتماعية والاقتصادية المنحازة للطبقة الوسطي والطبقات الشعبية والتي بدأ عبدالناصر في تطبيقها عام 1961 وطورها في عام 1964، وكذلك الانقلاب علي السياسة التحررية المعادية للاستعمار وتبني سياسة إقليمية ودولية لا تتعارض مع السياسات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة. وتحالف الإخوان المسلمون مع السادات الذي أخرجهم من السجون وسمح لهم بحرية الحركة رغم أن الجماعة كانت مازالت غير قانونية لحلها عام 1954 بقرار من مجلس قيادة الثورة، وقدم لهم المادة الثانية عربونا للتحالف ولاستغلال المشاعر الدينية للمصريين. كان هذا التحول يعني إسقاطا لشعار ثورة 1919 العظيم «الدين لله والوطن للجميع» وبدء هدم الدولة المدنية التي ناضل المصريون لتأسيسها منذ محمد علي، وإدخال للدين في السياسية وللسياسة في الدين بما يضر بالاثنين معا. وأدي هذا النص للتمييز ضد أقباط مصر وغير المسلمين عامة. ولم يكن صدفة أن أحداث الفتنة الطائفية بدأت بعد أشهر قليلة بأحداث الخانكة عام 1972 مرورا بأحداث دمنهور والزاوية الحمراء والكشح وقري منفطين وبني واللمس ومغاغة وسمالوط والبحر الأحمر وأبوالمطامير ونجع حمادي والمحلة الكبري وأبوقرقاص والعدسات والإسكندرية والعياط وصولا إلي مذبحة كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة رأس سنة 2011. وفي ظل هذه المادة جري التوسع بصورة عشوائية في أنشطة ونفوذ مؤسسات «دينية» والخطاب الديني غير الرسمي القائم علي الكراهية واستفزاز غير المسلمين، وسيادة منهج التمييز ضد الأقباط علي المستوي القانوني والواقعي في تولي الوظائف العامة، وتجاهل مناهج التاريخ في المدارس المصرية للحقبة القبطية في التاريخ المصري (من عام 70 ميلادية إلي عام 641 ميلادية)، والقيود التي تضعها الحكومة علي بناء الكنائس، واختراق عناصر أصولية متطرفة لأجهزة الإعلام الحكومية.. إلخ. وكان النص سندا لصعود أحزاب وقوي الإسلام السياسي ودعوتها لإقامة «دولة إسلامية» واستعادة «الخلافة»، وأن تكون الشريعة الإسلامية مرجعا أعلي من الدستور، وأن يتم عرض القوانين قبل صدورها علي هيئة من كبار العلماء لتري مدي اتفاقها مع الشريعة الإسلامية. واليوم ترتفع أصوات تطالب بتعديل بحذف كلمة «مبادئ» أو يستبدلها ب «أحكام»، ويقول د. نور فرحات في رفضه لأحكام أو حذف كلمة مبادئ «يقصد بالمبادئ تلك التي تتسع لمتغيرات عصر من العصور، ولتضمين المبادئ الدولية لحقوق الإنسان والحريات العامة ومبدأ المساواة أمام القانون» أو كما قال د. عبدالرازق السنهوري «مبادئ الشريعة هي المبادئ التي لا تختلف باختلاف آراء الفقهاء ولا تصطدم بقيم وروح العصر». ولعل في التعديل الذي اقترحه مشروع الدستور المطروح من قبل التجمع يوجد الحل، يقول النص المقترح «الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية والشرائع السماوية والقيم العليا للأديان مصدر رئيسي للتشريع، ويكفل الدستور تنوع مصادر التشريع بما يعكس الروافد المتنوعة للهوية الوطنية ويساعد علي تعزيز الوحدة الوطنية، وعدم فرض تشريعات تنظم حياة المواطنين في المجال الخاص يتناقض مع معتقداتهم أو تنظيم المجالين العام والخاص بشكل يتناقض مع ضمانات حقوق الإنسان والحريات العامة».