يصر الرئيس نيكولا ساركوزي والحكومة الفرنسية علي سن قانون يمنع ارتداء النقاب في أي مكان برغم اعتراض "مجلس الدولة"، أعلي هيئة قضائية، علي مثل هذا القانون لعدم استناده علي أسس قانونية. ودافعت السيدة "ميشيل أليو- ماري"، وزيرة العدل، عن فكرة إصدار القانون باعتبار أنه "الأمثل لقبول العيش معا وأن فرنسا تحترم كل الديانات ولا تمنع بناء أماكن العبادة تخص أي عقيدة مثلما تفعل دول أخري... وأن السيدات المنقبات سوف يتحررن إذ ضرورات الحياة اليومية تدفعهن للخروج فإذا قام الأزواج بمنعهن فأنهم يقعون تحت طائلة القانون لأن ذلك يعتبر حبسا للغير". وبعد أيام قليلة من إعلان ساركوزي قراره جاءت حادثة طريق لتفتح ملف تعدد الزيجات. إذ تصادف ضبط سيدة منقبة تقود سيارتها ودفعت غرامة 22 يورو بسبب "القيادة في شروط غير سهلة" تتنافي مع قواعد المرور التي تلزم قائد السيارة بالانتباه للغير والتمكن من رؤية ما يحيط به دون عوائق. وبتحريات "بريس هورتفو"، وزير الداخلية، تبين أن السيدة هي واحدة من أربع زوجات منقبات "لجزار" مسلم ولد بالجزائر ويتمتع بالجنسية الفرنسية منذ 1999 لزواجه من فرنسية. والرجل الذي ينتمي لتيار "التبليغ" أنجب من زوجاته 12 طفلا. وطلب وزير الداخلية، في 23 ابريل، من "ايريك بيسون"، وزير الهجرة والهوية الوطنية، أن يدرس إمكانية سحب الجنسية الفرنسية من الزوج لعدم قانونية تعدد الزيجات وكذا للتلاعب للاستفادة من المساعدات الاجتماعية بشكل غير قانوني. إذ أن كل زوجة مسجلة في الهيئات الاجتماعية كأم تعيش وحدها وترعي أطفالها. وهو وضع يسمح لها ولأطفالها بالحصول علي العديد من المساعدات المالية الشهرية للسكن والتأمينات الصحية بجانب مساعدة خاصة لكل طفل. تعدد الزوجات ولا توجد أرقام دقيقة للأسر التي يمارس بها تعدد الزيجات وتقدر "ايزابيل جيليت-فاي"، الباحثة في علم الاجتماع، عددها بنحو 20 ألف أسرة. وهو زواج تم في البلاد الأصلية التي جاءت الأسر منها. وفي 2006 صدر تقرير "تعدد الزيجات في فرنسا" (72 صفحة) أعدته "اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان"، في 2006. وطبقا للتقرير فإن الأسر التي يمارس بها تعدد الزيجات بفرنسا في أغلبيتها من الدول الأفريقية بجنوب الصحراء و80 % منها من دولة "مالي" وحضورها يعود لفترة 1970 - 1990 مع تطبيق سياسة لم شمل الأسر لتلحق بالعائل الذي هاجر لفرنسا.. ويلزم التنويه إلي أن فرنسا منعت تعدد الزيجات في قانون صدر في 1993 ويعاقب الشخص المتعدد الزوجات بالسجن سنة مع التنفيذ وغرامة 45 ألف يورو ولم يتعرض القانون لإسقاط الجنسية في تلك الحال. فإسقاط الجنسية طبقا للقانون لا يتم علي شخص فرنسي المولد ولكنه ممكن حدوثه لشخص حصل علي الجنسية في شروط محددة. اسقاط الجنسية وطبقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان : "كل إنسان له حق في التمتع بجنسية ولا يحق لأحد أن يحرمه منها بشكل تعسفي". وبحسب القانون الفرنسي تسقط الجنسية علي من ارتكب جريمة أو جنحة أضرت بالمصالح الحيوية للأمة أو حكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات لجريمة أو لجنحة وقعت في دولة أجنبية أو بفرنسا. ولا يحرم من تلاعب بأموال الشئون الاجتماعية من الجنسية. ولكن في حالة قضية تعدد الزيجات من المحتمل أن ينطبق عليها بند : جريمة " السلوك لصالح دولة أجنبية بما يتعارض مع هوية الشخص كفرنسي ويشكل الأضرار بالمصالح الفرنسية". ويضاف إمكانية سحب الجنسية كنتيجة لكذبه بإخفاء حقيقة وضعه الاجتماعي بالزواج من سيدة قبل أن يكون قد طلق زوجته الأولي. وفي حال سحب الجنسية يلزم صدور قرار من مجلس الدولة. ويلزم الإشارة إلي أن ذلك ينطبق علي الشخص الذي تزوج زواجا مدنيا أمام عمدة المدينة. إذ يمكن لشخص الحياة مع أكثر من امرأة دون زواج ولا يعتبر ذلك مخالفا للقانون. وتعتبر أحزاب المعارضة أن اليمين الحاكم يستغل حادثة النقاب في تلك الفترة السياسية لتوسيع النقاش حول تعدد الزوجات لغرض سياسي. فموضوع تعدد الزيجات ليس باكتشاف جديد فمنذ سنوات تعرف الهيئات الاجتماعية الظاهرة ولديها الملفات التي تثبت التلاعب للاستفادة من الإعانات والمساعدات. فالدولة تغض الطرف في حال وجود أم وحيدة تعول أطفالها بمفردها. وبشأن النقاب ينقسم الموقف في داخل الحزب الاشتراكي إذ تري "مارتين أوبري"، سكرتير الحزب، أن القوانين الحالية كافية بمنع النقاب في حين تؤيد أصوات أخري بالحزب إصدار قانون.. وصرحت السيدة "ماري جورج بوفيه"، سكرتير الحزب الشيوعي، بأن بفرنسا القانون الذي يمنع تعدد الزيجات ويجب تطبيقه وفي نفس الوقت يلزم إيجاد عمل ومسكن ودخل للسيدات اللائي تعرضن لهذه المعاناة." وأضافت "إن الحكومة تسعي لفتح ملفات تتكلم فيها عن المتشددين في حين أن مسلمي فرنسا لا يرغبون في أكثر من ممارسة عقيدتهم في سلام وباحترام مبادئ الجمهورية." وفي مواجهة انتقادات اليسار وأحزاب المعارضة حيت أصوات اليمين الحاكم التي تؤيد قرار وزير الداخلية. فصرح "فريدريك لفيفر"، المتحدث الرسمي باسم حزب ساركوزي :"أن قرار وزير الداخلية يعكس الضرورة في اتخاذ موقف جاد حيال من يحتقرون قواعدنا ويتلاعبون بصورة تعز عن الوصف حيال حسن الضيافة الفرنسية". وطالبت السيدة "شانتال برونيل"، برلمانية من حزب اليمين الحاكم، بضرورة عمل مسح شامل لحصر حالات تعدد الزوجات واستغلال المساعدات الاجتماعية. والقادمات من الخليج ويتساءل "هنري موران"، رئيس حزب الوسط الجديد :" هل سيتم تشكيل شرطة لمراقبة الملابس وتقوم بمراقبة سكان ضواحي المدن فقط أم سوف يفتش أيضا العائلات الكبري التي تحضر للسياحة من دول الخليج ؟ ثم ماذا ستفعل الشرطة هل ستنزع النقاب في الطريق العام أم ستقود السيدات إلي أقسام الشرطة ؟" ولم ينظر الإعلام الفرنسي بعين الرضا مواصلة فتح تلك الملفات غير الحيوية في حين تتفجر في أوربا مشاكل حيوية في مخاطر تفتت المجتمع البلجيكي و الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تتعرض لها اليونان وما تسبب فيه بركان أيسلندا من مشاكل علي الصعيد العالمي... فكتب "لوران جوفران"، رئيس تحرير جريدة "ليبراسيون" افتتاحية يوم 22 ابريل بعنوان "هوية" : "ها نحن أمام إحساس حاد بالأولويات الملحة. ففرنسا تمر بأزمة اجتماعية حادة، وتسبب بركان أيسلندا المفاجئ في خسارة أكثر من مليار يورو، وتهدد الأزمة اليونانية النظام النقدي الأوربي، ويتم إعداد إصلاحات جوهرية لتمويل صندوق المعاشات في فرنسا. وما الذي نجده كأولوية في برنامج الحكومة ؟ سن قانون ضد النقاب أي ضد قطعة قماش لا يرتديها في أقصي تقدير إلا ألفي سيدة أي عشر في كل محافظة... وهي ممارسة لا تقوم بها إلا قلة متشددة في حين أن غالبية المسلمين لا تقرها. فما الذي يمكن أن تفكر فيه تلك القلة حينما تقوم أكبر هيئة قضائية بالعمل علي سن قانون يري فيهم مواطنين من نوعية خاصة ومحلا للشك وللمحاكمة إلا أن المسألة هي نوع من الرعب المرضي غير المبرر "برانويا؟"