يدور صراع فكري الآن بين طرفين من اطراف الإسلام السياسي حول المادة الثانية من الدستور والتي جرت صياغتها منذ أكثر من أربعين عاما مع مطلع حكم السادات لتضيف إلي النص علي أن «الإسلام هو دين الدولة» نصا آخر يقول إن «مبادئ الشريعة الإسلامية أحد مصادر التشريع»، وفي عام 1980 أجري نظام السادات تعديلا علي المادة ليصبح «مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع» وكان هذا التعديل والاضافة السابقة سياسيا ولا يمت للإسلام بصلة، إذ كان السادات يسترضي به الجماعات الإسلامية المختلفة التي اشتد عودها وانفتحت أمامها مجالات العمل السياسي السياسي والدعوي بشكل غير مسبوق، حتي تؤيد تعديلا آخر اجراه للمادة 76 من الدستور يتيح لرئيس الجمهورية الترشيح لأكثر من دورتين بعد أن كان دستور 71 يحدد مدد الرئاسة بدورتين فقط. وكما كان تعديل المادة سياسيا كانت المقايضة بدورها سياسية بامتياز تماما كما هو الصراع الدائر الآن حول المادة الثانية بين السلفيين والإخوان المسلمين. فرغم المكاسب الكبيرة التي حصل عليها جناحا الإسلام السياسي سواء في الانتخابات التشريعية أو الانتخابات الرئاسية فقد ولدت الأحداث شعورا قويا بخيبة الأمل لدي قطاعات واسعة من المصريين فقدوا الثقة فيهم بعد أدائهم في مجلسي الشعب والشوري، وأدائهم الانتخابي المحاط بالشبهات في انتخابات الرئاسة.. كل هذا دفعهم لإعلان أنفسهم مدافعين اشداء عن الإسلام، فالإخوان هم جماعة المسلمين والسلفيون هم حماة العقيدة. ويسعي السلفيون لاستبدال مبادئ الشريعة بأحكام الشريعة لأنهم علي – حد قولهم- وعدوا ناخبيهم بتطبيق أحكام الشريعة. أما الإخوان المسلمون الذين يتطلعون لاسترضاء القوي السياسية ليبرالية ويسارية فيقولون إنهم سوف يبقون علي مبادئ الشريعة. ولعل التاريخ القريب أن يهدينا للتعرف علي الكيفية التي تعامل بها دعاة الإسلام السياسي مع مبادئ الشريعة، تلك المبادئ التي تشير إلي القيم العليا من العدل والرحمة والمودة واحترام كرامة الإنسان الذي كرمه الله سواء كان مسلما أو غير مسلم، بينما تتعلق الأحكام بإقامة الحدود أي قطع اطراف السارق ورجم الزاني والزانية وهي جميعا اجراءات عقابية بدنية ادانتها الإنسانية كلها بعد أن نفرت منها، حتي أن عشرات الدول في العالم ألغت عقوبة الإعدام لأنها منافية للإنسانية. وحتي فيما يتعلق بالمبادئ فإن النص عليها في الدستور فشل في الحيلولة بين متطرفي الإسلام السياسي ومعتدليهم وبين التحريض علي القتل باسم الدين، سواء قتل المفكرين الأحرار كما فعلوا مع «فرج فودة» وحاولوا مع نجيب محفوظ، بينما قام أحد مفكري الإخوان المسلمين الموصوفين بالاعتدال وهو الشيخ محمد الغزالي بتقديم شهادة في المحكمة دافع فيها عن مشروعية قتل «المرتدين» علي حد تعبيره، رغم أن فرج فودة كان قد انطلق في كل كتاباته مما رأي أنه جوهر الإسلام أو علي حد تعبيره صحيح الدين وطالما أعلن أنه مسلم ومؤمن بالله ورسله وكتبه. كذلك فإن تعبير المبادئ الذي قالت عنه المحكمة الدستورية العليا أنه موجه للمشرع وليس للقاضي، استخدمه أحد القضاة وفسره بنفسه حين نظر في قضية حسبة ضد المفكر الراحل والباحث في علوم القرآن نصر حامد أبو زيد الذي اعتبره القاضي مرتدا وحكم بتطليق زوجته الدكتورة ابتهال يونس بدعوي أنه لا يجوز لمسلمة أن تتزوج مرتدا. وتوالت قضايا الحسبة ضد الفنانين والكتاب والأفلام والكتب مستندة إلي هذه المادة الثانية من الدستور بل توالت وقائع القتل باسم الدين سواء لشاب يسير مع خطيبته أو الموسيقيين. وفي بيان لها مؤخرا عبرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عن قلقها إزاء التراجع الكبير فيما يخص حرية الدين والمعتقد في مناقشات الجمعية التأسيسية للدستور في ضوء هيمنة تيار الإسلام السياسي عليها، إذ تنص المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عن أن «لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنها بالتعليم والممارسة واقامة الشعائر، ومراعاتها، سواء كان ذلك سرا أو مع الجماعة. وقد تم تحويل هذا الحق إلي التزام قانوني للدول المصدقة ومن بينها مصر علما بأن مبادئ حقوق الإنسان غير قابلة للتجزئة وتتسم بالعالمية والشمولية لكل البشر. وفي محاولة للدفع بالمناقشة حول المادة الثانية من الدستور إلي الأمام وفي اتجاه الالتزام بقيم حقوق الإنسان العالمية اقترح مشروع الدستور الذي قدمه حزب التجمع ، أن تنص المادة علي أن «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، والشرائع السماوية والقيم العليا للأديان مصدر رئيسي للتشريع، ويكفل الدستور تنوع مصادر التشريع بما يعكس الروافد المتنوعة للهوية الوطنية ويساعد علي تعزيز الوحدة الوطنية، وعدم فرض تشريعات تنظم حياة المواطنين في المجال الخاص تتناقض مع معتقداتهم، أو تنظيم المجالين العام والخاص بشكل يتناقض مع ضمانات حقوق الإنسان والحريات العامة». ويبقي أن الصراع حول الدستور ومواده الخاصة بالدين هو صراع بين رؤيتين للعالم وموقفين من القضايا الرئيسية رؤية متزمتة مغلقة وقديمة وأخري متسامحة ومتفتحة وجديدة وسوف تنتصر الأخيرة ولو بعد حين.