الديمقراطية الأمريكية تقف عند حدود الاستبداد السعودي السعودية تنأي بنفسها عن العداء لإسرائيل وتترقب ضرب إيران سميركرم تلعب المملكة العربية السعودية ادوارا نشطة لم يسبق لها ان قامت بها، ربما طوال تاريخها كله، منذ أن بدأت “ثورات الربيع العربي”. وهي لا تزال تؤدي هذا الدور بهدف تسليم الحكم في البلدان العربية الي القوي السياسية الاسلامية. ومن الواضح ان الادوار السعودية في احداث البلدان العربية التي سلمت السلطة فيها الي الجماعات الاسلامية يتركز علي امرين اساسيين، اولهما توفير السلاح لهذه الجماعات وثانيهما توفير المال اللازم لها. وقد كشفت الادوار السعودية الجديدة الي اي حد تريد المملكة ان تحمي نفسها من الوقوع تحت تأثيرات مماثلة، بما في ذلك تأثيرات الجماعات الاسلامية. وقد حرصت المملكة في الماضي علي ابعاد خطر التنظيمات الاسلامية عن نفسها مرات عن طريق قبول زعمائها كمنفيين في الاراضي السعودية. ومرات اخري عن طريق تشجيع هؤلاء الزعماء علي الانخراط في نشاطات المعارضة داخل بلدانهم. اما الفترة الاخيرة فقد تميزت باهتمام سعودي كامل باثارة الصراعات العسكرية في البلدان العربية التي اعتبرت المملكة ان مجرد وجود انظمتها يشكل خطرا علي نظامها الملكي الاستبدادي. وتبدو احداث سوريا من اوضح الامثلة علي مسلك السعودية الرامي الي تسليم السلطة الي من ترفض المملكة تسليم السلطة اليهم في بلادها. فقد تبنت السعودية بالنسبة لسوريا سياسة دعم صريح للمعارضة الدينية المسلحة ضد النظام الحاكم. ولم تخف السعودية ابدا رغبتها في ان ينتهي الصراع الدائر في سوريا الي سقوط النظام الحاكم وتولي التنظيمات الدينية المسلحة مقاليد الحكم. ومن الواضح ايضا ان السعودية تضع النموذج الليبي امام اعينها كمثل يحتذي بالنسبة لسوريا. حالة خاصة وقد شكلت التطورات التي جرت في مصر حالة خاصة بالنسبة للمملكة التي كانت ترتبط بالنظام القديم – نظام الرئيس المخلوع مبارك – بعلاقات وئام قامت علي خضوع النظام المصري لقوة المال السعودي بالدرجة الاولي. وما كانت السعودية لتفضل سقوط هذا النظام وصعود التيار الديني الي الرئاسة. اما وقد سارت الامور في هذا الاتجاه فان السعودية لم تجد غضاضة في هذه التحولات طالما انها تحقق ابتعاد الخطر وتأثيراته عن حكام المملكة ونظامهم. وهكذا فان المملكة تبينت ان النظام الجديد في مصر – الذي تولي فيه الاخوان المسلمون السلطة – يكفل لها الهدفين اللذين عملت علي تحققهما في العلاقات مع مصر طوال فترة حكم مبارك. وهما ابتعاد خطر التنظيمات الاسلامية المسلحة عنها. ورضوخ النظام المصري لنفوذ السعودية السياسي والاقتصادي الذي يجعل من مصر دولة تابعة تنسي دورها القومي والاقليمي لحساب الدور السعودي، الذي يدعمه مال البترول من ناحية ونفوذ العلاقات السعودية مع الولاياتالمتحدة. السعودية وأمريكا والواقع ان علاقات العربية السعودية والولاياتالمتحدة تشكل واحدا من الغاز الوضع السياسي العالمي. فالولاياتالمتحدة لا تكف عن ترديد زعمها بدعم الديمقراطية في العالم، ولكنها لا تقترب من السعودية بهذا الشعار ابدا. ولا تتغير سياسة الولاياتالمتحدة تجاه السعودية في ظل رئيس أمريكي ديمقراطي او رئيس جمهوري. وليس معني هذا ان الولاياتالمتحدة لا تمارس اي نفوذ علي السياسة الخارجية السعودية. وقد اظهرت التطورات الاخيرة ان السعودية تميل ميلا واضحا الي الخروج بنفسها من معسكر العداء لاسرائيل. وعلي الرغم من انها لم تعقد معاهدة سلام علي غرار ما فعلت مصر وما فعلت المملكة الاردنية فانها اصبحت تتجنب تماما اصدار البيانات التي تندد باسرائيل وبسياستها كما تتجنب قدر الامكان بيانات التأييد للقضية الفلسطينية. نتج عن ذلك ان التماثل بين السياسة الخارجية لاسرائيل والسياسة الخارجية للسعودية اصبحتا متوازيتين ومتوائمتين علي اقل تقدير. وبالتالي فان الادارة الأمريكية لم تعد تجد صعوبة في اقناع الكونجرس الأمريكي بمجلسيه – النواب والشيوخ – باتمام اضخم صفقات الاسلحة مع السعودية. وكانت آخر هذه الصفقات بقيمة 60 مليارا من الدولارات. ولم يعد الكونجرس الأمريكي يجد نفسه مضطرا لتذكير الادارة الأمريكية بطبيعة النظام الاستبدادي الذي يحكم السعودية. وفضلا عن هذا فان اسرائيل لم تعد تعترض كما كانت تفعل في الماضي علي صفقات الاسلحة الضخمة التي تعقدها الادارة الأمريكية مع المملكة. مثيرة للفزع مع ذلك كله فان العلاقات الأمريكية السعودية لا تزال تشكل لغزا كبيرا بالنسبة لكثيرين داخل الولاياتالمتحدة. وبطبيعة الحال فان الاعلام الأمريكي – بكل اشكاله – يمارس حرية التعبير فيما يتعلق بالسعودية وفيما يتعلق بالعلاقات التي تربط الولاياتالمتحدة بها. فلا تكف الصحافة الأمريكية عن انتقاد السياسات السعودية الداخلية والخارجية. بل ان الحكومة الأمريكية لا تجد نفسها مضطرة للصمت عن مظاهر وظواهر الاستبداد السعودي. فالتقرير السنوي الذي تصدره وزارة الخارجية الأمريكية وتوجهه الي الكونجرس بشان اوضاع الديمقراطية في بلدان العالم لا يزال – وكما كان طوال السنوات الثلاثين الماضية – يتضمن فصلا عن السعودية، وهذا الفصل يتضمن تفصيلات كثيرة مثيرة للفزع عن ممارسات السلطات السعودية ضد معارضيها وكذلك ضد الشيعة من ابناء البلد وضد الاجانب (بمن فيهم المصريون) الذين يمكن ان يتهموا بنقد سياسات المملكة من اي جانب كان. وقد صدر في اواخر العام الماضي عن “مجلس العلاقات الخارجية” الأمريكي، الذي يعد اقرب المنظمات البحثية الي التعبير عن السياسات الرسمية للولايات المتحدة، تقرير عن العلاقات الأمريكية السعودية وصفها بانها علاقات تزيد مشكلاتها باطراد. كان التقرير بعنوان “العربية السعودية في الشرق الاوسط الجديد” وعلي الرغم من ان التقرير يصف المملكة بانها اقل بلدان الشرق الاوسط تعرضا للتطورات التي جرت في بلدان المنطقة في عام 2011 ، فإنه توقع ان تؤيد السعودية ايا كان الحال اي ضربة عسكرية يمكن ان توجهها واشنطن الي ايران وان تسمح للقوات الأمريكية باستخدام المنشات العسكرية السعودية في تنفيذ هذا العمل. ولكن السعودية لن تعلن عن هذا الموقف علنا. كما ستحاول السعودية ان ترفع انتاجها من البترول للتعويض عن انخفاض انتاج ايران. ويذهب التقرير نفسه الي ان التعاون مع الولاياتالمتحدة من جانب السعودية فيما يتعلق بما يسميه الأمريكيون “الحرب علي الارهاب” قد تزايد في الفترة الاخيرة. ومع ذلك فان التقرير يوصي بان تطلق الولاياتالمتحدة حريتها في العمل ضد المواطنين السعوديين الذين يدعمون نشاط “القاعدة”، وذلك في حالة ما اذا لم تتصرف السعودية كما تتوقع الولاياتالمتحدة في امر التقارير المخابراتية الأمريكية التي تزودها بها عن الارهابيين. زيف الادعاءات غير ان الامر الجدير بالاهتمام حقا هو ان العلاقات السعودية الأمريكية تشكل “مثارا للشك” علي اي تقدير بالنسبة للأمريكيين الذين يراقبون حكامهم وهم يواصلون الادعاء بانهم يناصرون الديمقراطية في كل ارجاء العالم. فالعلاقات مع السعودية تشكل اكبر دليل في نظر هؤلاء الأمريكيين علي زيف ادعاءات نخبهم الحاكمة عن السياسة الأمريكية الداعمة للديمقراطية. بل ان عددا من كبار المسئولين الأمريكيين في مجال الحرب علي الارهاب مقتنعون بان بعض الامراء السعوديين يدعمون الارهابيين. والمعتقد ان هذا كان السبب في ايفاد الرئيس اوباما وفدا أمريكيا رفيع المستوي الي السعودية في الشهر الماضي برئاسة وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا وتضمن الوفد جون برينان مسئول مكافحة الارهاب في ادارة اوباما وكذلك رئيس المباحث الجنائية (اف بي آي) وغيرهم. وعلي الرغم من اللهجة الودية التي استخدمها الوزير بانيتا في الحديث عن مهمة الوفد لدي وصوله لكن الصحافة الأمريكية اكدت ان الوفد حمل انتقادات كثيرة الي قادة المملكة فيما يتعلق بالارهاب. ولكن من المؤكد ايضا ان الوفد بحث مع القادة السعوديين مسائل شائكة اخري مثل الموقف من ايران والموقف من اسرائيل واحداث سوريا فضلا عن تفصيلات صفقة الاسلحة الأمريكية الضخمة للسعودية. ستبقي العلاقات السعودية- الأمريكية لغزا وسيبقي تقدير المؤسسات الرسمية الأمريكية للفترة التي يمكن ان يعيشها النظام السعودي وسط التغيرات التي تجتاح المنطقة العربية لغزا آخر يتراوح بين الاجل القريب والمدي البعيد (…) .