من الواضح أن مناوشات دول الخليج وإيران لن تنتهى بعد أن بدأت المناوشات تتزايد والرسائل الخفية تظهر بين دول الخليج وإيران حيث وجه خطيب الجمعة في طهران، رئيس مجلس صيانة الدستور، أحمد جنتي، انتقادات حادة إلى السلطات في الرياض والمنامة، في خطبة خصص القسم الأكبر منها للأوضاع الإقليمية، فحذر العائلة المالكة السعودية من ما قال إنه "مصير فرعون مصر،" كما طالبها - مع العائلة المالكة البحرينية إلى "تسليم السلطة للشعب" في تطور يترافق مع عودة التوتر إلى بعض المناطق في البلدين. وتطرق جنتي، أحد أبرز رجال الدين المتشددين في النظام الإيراني، إلى الأوضاع في مصر واليمن، حيث دعا بصورة غير مباشرة لاستمرار الاحتجاجات بوجه المجلس العسكري بالقاهرة، ونائب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، إذ اعتبر أن "مساعدي الحكام الديكتاتوريين يعتبرون مثلهم." وقال خطيب جمعة طهران مخاطبا العائلة المالكة السعودية: "احذروا فان مصير فرعون مصر وليبيا في انتظاركم، واعلموا أن القوى الفرعونية لا استمرار لها، حسب وعود القرآن، وفقاً لوكالة أنباء مهر شبه الرسمية. أما وكالة الأنباء الرسمية "ايرنا" فنقلت عن جنتي أنه "أشار إلي التطورات التي شهدتها الساحة السعودية مؤخرا و قيام قوات سعوديه بقمع المحتجين من أبناء الشعب السعودي وقال: عليكم أن تعلموا بان الحكومات الفرعونية لن تدوم طويلا." وتابعت الوكالة بالقول إن جنتي: "اعتبر الأوضاع في البحرين مؤسفة، وقال: إننا نحذر حكام البحرين وكذلك حكام السعودية الذين يقدمون الدعم للنظام البحريني، وندعوهم إلي تسليم الحكم إلي الشعب وأن يسمحوا للشعب أن يقرر مصيره بنفسه." أما بالنسبة للوضع في البحرين فقال جنتي: "آل خليفة (العائلة المالكة البحرينية) ومعهم آل سعود يكررون أخطاء الآخرين،" محذراً من تطبيق بعض أحكام الإعدام التي قال إنها صدرت بحق موقوفين في البحرين. كما امتدت مواقف جنتي لتشمل الولاياتالمتحدة التي قال إن 99 في المائة من شعبها يحتج في الشوارع وأن الشرطة تستخدم في مواجهته "غاز الفلفل والخردل" وسأل: "لماذا لا تمنحون ال 99 بالمائة من شعبكم حقوقهم المشروعة؟" وأضاف: "أحد أكاذيب أمريكا هي إنها تقول يجب أن تتسلم السلطة حكومات شعبية، وإنني أقول ردا عليهم، إن شعبكم الآن لا يريد الحكومة الرأسمالية، فكيف تتعاملون معهم بعنف؟" وكانت السعودية قد أعلنت الخميس عن سقوط أربعة قتلى على الأقل، وجرح ما يزيد على 13 آخرين، بينهم امرأة إضافة إلى اثنين من عناصر الأمن، نتيجة "هجمات متصاعدة"، شنها عدد ممن تصفهم السلطات ب"مثيري الشغب"، في المنطقة الشرقية بالمملكة، منذ نحو أربعة أيام. وأكد مصدر مسؤول في وزارة الداخلية أن عدداً من النقاط الأمنية، والمركبات الأمنية في محافظة "القطيف"، تتعرض لإطلاق نار من قبل هؤلاء "المعتدين"، بصفة متصاعدة، اعتبارا من يوم الاثنين، وذلك "وفقًا لما تمليه عليهم المخططات الخارجية المغرضة." وقالت الوزارة إنها "تدرك أن هدف مثيري الشغب هو تحقيق أهداف مشبوهة، أملاها عليهم أسيادهم في الخارج، في محاولة لجر المواطنين وقوات الأمن إلى مواجهات عبثية، ولذلك فهي تحذر كل من تسول له نفسه بتجاوز الأنظمة، بأنه سوف يلقى الرد الرادع." ولم يكشف بيان الداخلية السعودية هوية الدولة الخارجية التي اتهمها بالوقوف خلف الأحداث، إلا أن الرياض تخوض منذ سنوات مواجهة سياسية ودبلوماسية مفتوحة مع إيران، التي تتهمها بالسعي لنشر نفوذها في الخليج ودول المشرق. وشهدت محافظة القطيف، وأرجاء أخرى بالمنطقة الشرقية من المملكة، تجمعات احتجاجية محدودة مطلع العام الجاري، بالتزامن مع التحركات التي كانت تجري في العديد من الدول العربية، وخاصة في البحرين المجاورة، حيث كانت قوى شيعية تخوض مواجهة مع السلطات في الشارع. وكانت إيران قد أيّدت بحماس منقطع النظير الثورات العربية في بدايتها، عندما طالت دولاً كانت تعتبرها ضمن "محور الاعتدال" المناهض لدورها، واعتبرت أن ما يجري في الدول العربية "يستلهم" تجربتها الإسلامية. ولكن جذوة هذا الحماس خبتت بسرعة مع تطور المواقف السياسية للقوى "المنتفضة" في الدول العربية، إلى جانب وصول الثورات إلى حليفتها الأساسية بالمنطقة، وهي سوريا، التي اعتبرت طهران أن الحراك الشعبي فيها "مؤامرة أمريكية وإسرائيلية." يذكر أن إيران نفسها كانت قد شهدت تحركات شعبية واسعة عام 2009، للمطالبة بالمزيد من الديمقراطية وللاعتراض على ما اعتبره التيار الإصلاحي في البلاد "عملية تزوير واسعة النطاق" للانتخابات الرئاسية التي أعادت الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى السلطة لولاية جديدة، وتصدت أجهزة الأمن الإيرانية للتحركات بالقوة. وكان لجنتي مواقف بارزة في مواجهة الحراك الشعبي في بلاده آنذاك، فاعتبر أن الله هو الذي اختار المرشد الأعلى، علي خامنئي، لقيادة إيران، وأن طاعته واجبة على الجميع، واتهم الولاياتالمتحدة بدفع الأموال لقادة المعارضة الإيرانية الذين وصفهم أنهم "رؤوس الفتنة." و قد صرّح المتحدث باسم النيابة العامة البحرينية، بأنها قد تولّت التحقيق «في قضية الخلية الإرهابية والتي أسفرت تحريات وزارة الداخلية عن (ثبوت) تخطيط عناصرها لارتكاب عمليات إرهابية تستهدف مقار ومنشآت حساسة» في البحرين، واستجوبت حتى الآن خمسة متهمين ووجّهت إليهم تهم إنشاء «جماعة إرهابية الغرض منها تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها والإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة وأمن المملكة للخطر، كان الإرهاب من وسائلها في تحقيق أغراضها»، والانضمام إلى تلك الجماعة مع العلم بأغراضها ووسائلها، و«التخابر مع من يعملون لمصلحة دولة أجنبية بقصد ارتكاب عمليات عدائية ضد مملكة البحرين». وذكر المتحدث أن تحقيقات النيابة العامة قد كشفت «من واقع اعترافات بعض المتهمين عن أن عبد الرؤوف الشايب وعلي مشيمع المقيمين بالخارج قد قاما بإنشاء هذه الجماعة بالتنسيق مع المتهمين بغرض ارتكاب عمليات إرهابية داخل البحرين، واستهداف مبنى وزارة الداخلية ومقر السفارة السعودية بالمنامة وجسر الملك فهد الرابط بين البلدين». وأفاد المتحدث البحريني بأن المتهمين «قاموا بالتنسيق مع جهات عسكرية في الخارج من بينها الحرس الثوري وقوات الباسيج بإيران لتدريب العناصر المنخرطة في الجماعة على استخدام الأسلحة النارية والمتفجرات، تمهيداً لاستعمالها في تنفيذ مخططاتها»، مضيفاً أن المتهمين تلقوا «دعماً مالياً من الخارج». وقال إن التحقيقات أشارت إلى أن «قياديي الجماعة بدأوا بالفعل في تنفيذ مخططهم وذلك بإيفاد أعضائها إلى إيران لتلقي التدريب العسكري على دفعات، حيث سبق أن سافر أحدهم والتقى بمن يدعى أسد قصير المرتبط بالحرس الثوري والباسيج وتلقى هناك تدريباً على استخدام الأسلحة والمتفجرات، كما تسلم آنذاك من عناصر إيرانية مبالغ مالية لتمويل الجماعة، فيما كان بعض المتهمين الذين تمّ القبض عليهم بمعرفة السلطات القطرية في طريقهم للتدريب». هذا وقد نشر موقع “ويكيليكس”برقية سرية تفيد بأن مندوب وزارة الخارجية الإسرائيلية لشؤون الشرق الأوسط ياكوف حاداس قال أن العلاقات السرية التي تقوم بها دول الخليج مع إسرائيل هي نتاج لخوف دول الخليج من إيران، ولاعتقاد العرب بأن إسرائيل لها تأثير على واشنطن, وأيضاً لشعور هذه الدول بأن الولاياتالمتحدة لا تستمع لهم وبالتالي يحاولون تمرير الرسائل لواشنطن عبر إسرائيل. وبحسب الوثيقة التي يعود تاريخها الى 19 مارس 2009، فإن المندوب الإسرائيلي قال للمستشار السياسي للسفارة الأمريكية في تل أبيب إن تغيّر السياسة القطرية تجاه إسرائيل بعد العدوان على غزة قبل سنتين قد لا يكون له “علاقة بالتغير الأيديولوجي تجاه المعسكر المتشدد”، بل محاولة لمنافسة السعودية, وكشف حاداس عن تلقيه دعوة من الدوحة لمناقشة إعادة فتح مكتب التجارة الإسرائيلي. وأشارت الوثيقة إلي أن حاداس دعي في 16 مارس لمتابعة المناقشات مع جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الامريكية لشئون الشرق الأدنى حول العلاقات الإسرائيلية الخليجية، وبدأ الحديث بقطر، حيث قال حداس إن هناك إشارات لضغوط مختلفة على القطريين والتي بدأت تؤتي ثمارها، مشيرا إلى أن قطر تستطيع فقط أن تمد غزة بالمساعدات الإنسانية عبر إسرائيل. وتابع: أن الدبلوماسيين القطريين المعينين في قنصليتهم بغزة عليهم أن يدخلوا عبر إسرائيل بما أن مصر لا تسمح لهم بدخولها عبر المعبر، وبالنسبة للوقت الراهن، لا يسمح الإسرائيليون لكل من المساعدين القطريين أو الأفراد بأن يعبروا لغزة. وأضاف حداس أنه تمت دعوته لزيارة الدوحة لمناقشة إعادة فتح مكتب التجارة الإسرائيلي، واعتبر حاداس أن ذلك من العلامات الإيجابية. وأكد أننا نحتاج أن نفهم القطريين أنهم لا يمكن أن يتوقعوا عودة التعاون والعلاقات مع إسرائيل بدون إعادة فتح المكتب التجاري الإسرائيلي. وبينما انتقد حداس طريقة معاملة قطر لإسرائيل منذ عدوان غزة، شدد على أنه يعتقد أن سياسات قطر ليست لها علاقة بالتغير الأيديولوجي تجاه “المعسكر المتشدد”، لكن له صلة بالمنافسة مع السعودية وبالتبعية مع مصر. وأشار إلى أنه في الغرف المغلقة لا يبدو أن القادة القطريين لديهم “أي أوهام” فيما يخص حقيقة الإيرانيين. وذكرت الوثيقة أن الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر أخبر الإسرائيليين في أكتوبر 2006 أنه يعتقد بأن إيران عازمة على تطوير قنبلة نووية مهما تكلف الأمر. ووفقا لحداس شكى حمد في ذلك الوقت من أنه يشعر بأن الولاياتالمتحدة لن تستمع إليه وستصدق ما تسمعه من الإيرانيين. وأنتقلت الوثيقة إل وزير الخارجية الاماراتي الشيخ عبد الله ين زايد آل نهيان، زاعمة أقام علاقات شخصية جيدة مع وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، لكن الإماراتيين “ليسوا مستعدين لإعلان ما يفعلوه في الخفاء”. وأقر حداس أن الإمارات العربية أصبحت أكثر عداءا لإيران، إلا أنه طرح تساؤلا وهو “إلى أي مدى هم مستعدون للذهاب في عدائهم لإيران؟”، واستطرد قائلا “الإمارات العربية المتحدة لديها تجارة واسعة وعلاقات مالية مع إيران، بما في ذلك غسيل الأموال، ولم توضح موقفها فيما إذا كان لديها استعداد كي تستخدم هذه العلاقات كوسيلة ضغط”. وأكد حاداس على قضية كان قد أثارها مع فيلتمان فيما يخص سلطنة عُمان، حين وصف العمانيين بأنهم ” إشكالية كبيرة” بين دول الخليج فيما يخص رؤيتهم لإيران. وفيما يتعلق بعلاقات العمانيين بإسرائيل، قال أنهم “منضبطون”، مضيفا أن “العمانيون لا يوفون بالتزاماتهم في فتح مكتب إسرائيلي في مسقط”، كما قال إن “عُمان لديها تعريفها الخاص لما تظنه تهديدا على منطقة الخليج، ويعود بعض ذلك إلى موقع عمان الجغرافي”. ولا يعتقد حداس أن عُمان ستشارك بقية مجلس التعاون الخليجي ضد إيران. وزعم حاداس أن الخليج العربي يؤمن بدور إسرائيل، ذلك لأنهم يثمنون علاقة إسرائيل المقربة من الولاياتالمتحدة، ولإحساسهم بأنهم يستطيعون الاعتماد على إسرائيل في مواجهة إيران، مؤكدا أن “الخليجيون يعتقدون أن إسرائيل تستطيع أن تأتي بأفعال سحرية”. وفيما يخص العلاقات الثلاثية بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل ومجلس التعاون الخليجي، فإن حاداس يقترح أن “نضع في اعتبارنا أن برنامج إيران النووي هو مبعث القلق الرئيسي بالنسبة لأمريكا وإسرائيل، بينما يشعر الخليجيون بالقلق حيال إيران لأسباب تاريخية وطائفية”. وحين أشار المستشار السياسي للسفارة الأمريكية في تل أبيب إلى أن العرب يقولون أن تقدم المسار الفلسطيني قد يسهل كثيرا الإعلان عن علاقتهم بإسرائيل، رد حاداس على ذلك بأنه بينما يعتبر السلام مع الفلسطينيين مصلحة إسرائيلية ومهمة بطبيعة الحال، إلا أن السلام لا يجب أن يكون هو كل حصاد العلاقات الإسرائيلية العربية. وهناك العديد من التقارير تؤكد أن الخوف الخليجى من المد الإيرانى تغذية الولاياتالمتحدةالأمريكية لبيع مجموعات أسلحة أكبر لدول الخليج العربى. والسؤال الذى يطرح نفسه هنا على ماذا ستنتهى هذه الحرب الباردة التى تنتظر الإشتعال بين عشية وضحاها؟