*بولندا تهدد بالتدخل العسكرى فى أوكرانيا … وروسيا تتوعدها *بعد محاولات أوروبية لحث أوكرانيا على التفاوض .. جونسون يعرض برنامجًا عسكريًا تدريبيًا على أوكرانيا *بقلم د.نبيل رشوان لعل الخبر الأهم على الساحة الروسية كان المنتدى الاقتصادي الذى انعقد فى مدينة سان بطرسبورج، والذى جاء هذا العام وسط مقاطعات غربية كبيرة، وفى نفس الوقت من حضر من الشركات كان يحاول إخفاء وجوده حتى لا يقع تحت طائلة العقوبات الغربية، لكن ولعلها أهم أحداث المؤتمر كان تمثيل حركة طالبان فى المؤتمر، انتظر الجميع خطاب الرئيس بوتين وكان البعض يتوقع كما فى لقاء سابق فى عيد النصر أن يعلن التعبئة العامة والحرب، غير أن الرئيس بوتين ركز على الجوانب الاقتصادية، مشيراً إلى أن الاقتصاد الروسى امتص صدمة العقوبات وبدأ يتعافى فى حين أن الاقتصاد الأوروبى يعيش أزمة حقيقية وعلى رأسها التضخم الذى لا يستطيعون السيطرة علية وأن روسيا سيطرت عليه وبدأت تصل إلى معدلاته الطبيعية؟ ووعد الرئيس بوتين المستثمرين بالأمان، ودعا المستثمرين للاستثمار فى الاقتصاد الروسى، والمشكلة الديموجرافية كانت حاضرة حيث دعا الرئيس بوتين الأسر الروسية إلى أنجاب طفلين أو ثلاثة على الأقل، وأقر تسهيلات كبيرة للمواطنين الروس فى الإقراض بفوائد رمزية بهدف تنشيط السوق الروسى. الدول المستقلة وفيما يبدو أنه تمرد داخل رابطة الدول المستقلة رفض رئيس كازاخستان الاعتراف بجمهوريتى لوجانسك ودنيتسك، مما يشير إلى غضب على استقبال الرئيس بوتين للرئيس الكازاخى السابق نزاربايف، أو أن يحاول القفز من المركب فى هذا الموقف الصعب، وربما يكون خوفاً من العقوبات خاصة أن بلاده شهدت اضطرابات فى مطلع العام الجارى لأسباب اقتصادية وبلاده لا تحتمل عقوبات، على أى حال لم يعلق الرئيس بوتين على الأمر. سيناريوهات الحرب وعلى صعيد العملية العسكرية الروسية، أثارت قناة سى إن إن الرأى العالم العالمى بإعلانها عن ثلاثة سيناريوهات قد تنتهى إليها العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، ورغم أن مثل هذه السيناريوهات كثيرة إلا أن أفكار القناة الأشهر فى العالم حظيت باهتمام واسع سواء على الساحة الدولية أو فى الأطراف المتحاربة، كما أن الذى أعلن عن هذه السيناريوهات كان رجل استخبارات أمريكى. أول هذه السيناريوهات هو أن يستمر الجيش الروسى في تحقيق التقدم البطئ الذى يحرزه بشكل شبه يومى على جبهات الدونباس، وقد تتحول المعارك إلى حرب مواقع مع تقدم طفيف للجيش الروسى للأمام بسبب تفوقه العددى والعتادى، كما تفترض القناة. السيناريو الثانى وفق القناة يفترض عدم حدوث تغيرات فى خطوط التماس بين القوات، وتمتد حالة الجمود إلى شهور ومن الممكن أعوام، مع خسائر فى الأفراد والعتاد من الجانبين، وهنا سيصطدم الغرب بخطر استنزاف الاقتصاد العالمى كما توقع كاتب المقال الذى نقلت عنه القناة. أما السيناريو الثالث، وكما تصفه القناة بأنه الأقل احتمالاً للحدوث، ويفترض أن يقلل الرئيس بوتين من العمليات العسكرية ويعلن "انتصار قواته" عند الخطوط الحالية. لكن ما يخشاه المراقبون هنا هو أن الرئيس بوتين من الممكن أن يستغل الجزء "المحرر" كقاعدة انطلاق ويحاول فى المستقبل توسيع رقعة الأرض التى تحت سيطرته. مرحلة الاستنزاف يأتى هذا فى الوقت الذى أعلنت فيه بعض أجهزة المخابرات الغربية أن النزاع فى أوكرانيا وصل لذروته، وأن القوات الروسية موجودة فى مواقع أفضل من الأوكرانية، غير أن أوضاع القوات الروسية رغم ذلك يجب أن تدعم فى هذا الاتجاه لتستمر مع تدفق الدعم الغربى لأوكرانيا، ويؤكد خبراء أن تحول الحرب إلى مرحلة الاستنزاف مع خسائر كبيرة للطرفين قد تكون أحد أسباب التدخلات الدولية لإنهاء النزاع مخافة أن تحدث عملية استقطاب لأطراف أخرى إلى جانب هذا الطرف أو ذاك فيتحول النزاع إلى نزاع كونى أو حرب عالمية ثالثة. جهود دولية وعلى صعيد الجهود الدولية للتوصل إلى حل للنزاع على خلفية زيارة المستشار الألمانى شولتز والرئيس الفرنسى ماكرون ورئيس الوزراء الإيطالى ماريو دراجى (الثانى على اتصال دائم بالرئيس الروسى والثالث تقدم بمبادرة بالفعل لحل الأزمة تم تسليمها للأمين العام للأمم المتحدة)، على أى حال الأطراف الثلاثة والذين لحق بهم الرئيس الرومانى يعتبرون من حمائم دول الاتحاد الأوروبى، الذين يرغبون فى التوصل لحل سياسى للأزمة باعتبار أن التضخم فى بلادهم وصل لذروته فى الوقت الذى تجمد فيه النمو الاقتصادى، خاصة فى إيطاليا التى تخشى أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة من ناحية عدم القدرة على التعافى الاقتصادى. وكما صرح أندريه كروتونوف عضو مجلس العلاقات الخارجية الروسى لصحيفة "الإزفيستيا" فإن زيارة كل من شولتز ودراجى وماكرون كان الهدف الأساسى هو جس نبض أوكرانيا فيما يتعلق بمرونتها للتوصل إلى تسوية للنزاع الحالى، وفى نفس الوقت طمأنة الرئيس زلينسكى بأن طلبه لاكتساب وضع الدولة المرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبى مع مولدوفا يعتبر خبرا جيدا بالنسبة لأوكرانيا، لكن متى ستكون العضوية لا أحد يدرى فقد يستغرق الأمر عشرات السنين، وهناك دول أكثر جهوزية للانضمام مازالت عضوا مرشحا منذ أكثر من تسع سنوات، كما تحدثت رئيس المجلس الأوروبى فون دير لاين عن خارطة طريق على أوكرانيا تنفيذها للوصول للعضوية الكاملة. حمائم أوربا لكن وكما توقعت، بعد زيارة حمائم الأوروبيين، وصل إلى العاصمة الأوكرانية كييف صقر أوروبا الأكبر والأكثر تشدداً بوريس جونسون، رغم أنه ليس له تأثير على مستقبل أوكرانيا من حيث العضوية فى الاتحاد الأوروبى، حيث إنه ليس عضواً فى الأسرة الأوروبية، لكن وزير الدفاع البريطانى برر زيارة جونسون بأنها لتخطى التجسس الروسى على المحادثات التليفونية، خاصة أنه كان فى كييف منذ فترة قصيرة. ونقلاً عن مصادر مطلعة أشارت إلى أن جونسون أراد الإطلاع على نتائج مباحثات الوفد الأوروبى الذى زار كييف قبله، وذكر أحد الخبراء السياسيين أن جونسون غير مهتم بإيقاف الحرب بل يسعى لاستمرارها، وكان يهدف من زيارته هو أن تكون كافة الأمور تحت سيطرته، وكان يريد معرفة نتائج زيارة الأوروبيين الأربعة من مصدرها وهو الرئيس الأوكرانى. صفقات أوروبية وفيما يبدو أنه ليست هناك صفقات أوروبية من تحت الطاولة، أشار المستشار الألمانى أولاف شولتز إلى أن أوكرانيا لن تقبل بأى حال بالشروط الروسية لحل الأزمة، ولن تقبل بالضغط عليها فى هذا الاتجاه، من جانبها وتأكيداً لكلام المستشار الألمانى، ذكرت صحيفة "فزجلياد" الروسية نقلاً عن المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قولها إن أوكرانيا لن تعود إلى حدودها السابقة بأى حال من الأحوال، بينما أعرب نائب رئيس مجلس الأمن القومى الروسى دميترى ميدفيديف عن شكوكه فى أن أوكرانيا كدولة ستكون موجودة على الخريطة بعد عامين من الآن، وكان يرد على طلب كييف من واشنطن توريد غاز إليها بطريقة "لاند ليز" تسدد الأولى ثمنه بعد عامين. ووصلت الحرب النفسية على أوكرانيا لدرجة أن طالب عضو البرلمان الروسى ميخائيل دالياجين بأن يتولى دميترى ميدفيديف رئاسة أوكرانيا. حل سياسى الموقف الآن وصل لنقطة الجمود تقريباً على صعيد محاولات إيجاد حل سياسى، كل طرف مُصر على مطالبه من الناحية السياسية، ورغم التفوق فى العتاد والأفراد فى الجانب الروسى، إلا أنه من وعود الأوروبيين التى تعطى الأمل هو عرض ميركل المستشارة الألمانية السابقة الوساطة بين كييف وموسكو، وقالت أن ما منعها من التدخل فى أواخر فترة حكمها كانت ظروف الانتخابات فى فرنسا والانسحاب من أفغانستان. يأتى هذا فى الوقت الذى أشارت فيه صحيفة "واشنطن بوست" إلى أن الولاياتالمتحدة بدأت تعد نفسها وحلفاءها لنزاع طويل الأمد فى أوكرانيا. نقلت الصحيفة عن قناة "آر تى" الروسية قولها إن قرارات الغرب بتزويد أوكرانيا بأسلحة متطورة لديها القدرة على تدمير أهداف عسكرية روسية مهمة بل والوصول إلى الأراضى الروسية، فإنه بذلك الغرب يظهر استعداداً للتصعيد مع روسيا، وأشارت الصحيفة إلى تصريحات أحد المسئولين فى الخارجية الأمريكية قال فيها إن بلاده قبل بداية العملية العسكرية كانت قد ناقشت احتمالية أن يستمر النزاع لفترة طويلة، مع احتمال أن يكون ذا آثار كونية، وإن كان المسئول فى الخارجية أعرب عن تفاؤله بأن إمداد أوكرانيا بالسلاح والعقوبات والعزلة الدبلوماسية لروسيا من الممكن أن تؤدى فى النهاية إلى حل النزاع بالطرق الدبلوماسية. لكن ورغم النغمة المتفائلة أحياناً من بعض الأطراف مثل وساطة ميركل أو أن يؤدى دعم أوكرانيا والعقوبات إلى إيجاد طريق لحل دبلوماسى، نجد أن الرئيس البولندى المصنف بأنه من حلف الصقور الأوربيين ضد موسكو، يصرح بأنه سينصب وسائل دفاع جوى على الحدود بين أوكرانيا وبولندا للدفاع عن أوكرانيا مبرراً ذلك بأن الضربات الروسية للضواحى الغربية الأوكرانية اقتربت من الحدود البولندية، الأمر الذى جعل مسئولين روس يهددونه بسحق أى قوات بولندية تدخل الأرض الأوكرانية. حرب نفسية وإعلامية لكن ربما أهم ما فى هذا الأسبوع كان النظرة الروسية لأوكرانيا كمساحة وكأرض، وقترح أليكسى توكاريف الدكتور فى العلوم السياسية والذى توقع فيها خمسة أشكال لتكوين أوكرانيا الجغرافى من الأراضى. الأول: أن تصر أوكرانيا على انسحاب القوات الروسية إلى خطوط 23 فبراير 2022، حيث ستكون حينها كل من لوجانسك ودنيتسك من الناحية الشكلية تابعتين لأوكرانيا وتبدأ مفاوضات وفق "صيغة نورماندى" لكنها ستكون غير جادة، بينما ستستمر روسيا فى الدعوة لحل دبلوماسى، وستكون العودة لنقطة الصفر قبل 2014 صعبة لأن روسيا اعترفت بسيادة المقاطعتين على أراضيهما ثانياً: ويسمى سيناريو الحد الأدنى ويفترض أن تتوقف القوات الروسية عند الحدود السابقة للوجانسك ودنيتسك، وكما هو معروف الإشراف على هاتين المنطقتين الآن من اختصاص إدارة الرئيس الروسى، ويشرف على تلك المناطق سيرجى كيريينكو نائب رئيس الديوان الرئاسى للرئيس بوتين. ثالثاً: يفترض أن تنفصل عن أوكرانيا كل من زابوروجيا وخيرسون، لكن المشكلة ستكون فى كيفية الحصول على شرعية لوجود القوات الروسية فى هاتين المقاطعتين، مع بدأ سريان العملة المحلية الروبل فى هاتين المنطقتين، وتحاول الحكومة الروسية دمجهما فى روسيا بالتدريج رابعاً: وهو سيناريو الحد الأقصى حيث من الممكن لروسيا ضم كافة الأراضى التى تسيطر عليها القوات الروسية بما فيها نيكولايف وأوديسا وخاركوف، ووضع تلك المناطق سيعتمد بالدرجة الأولى على الموقف العسكرى على الأرض، الاحتمال الخامس وهو بالنسبة لأوكرانيا الأسوأ على الإطلاق ولتنفيذه يتطلب الأمر دخول عناصر دولية خارجية فى النزاع، منها بولندا والمجر، حيث هاتين الدولتين لهما مشاكل حدودية مع أوكرانيا، فى هذه الحالة سيتحول النزاع إلى حرب أوروبية أشمل وأوسع، مما سيؤدى فى النهاية إلى انهيار الدولة الأوكرانية الذى بدأ عام 2014، وضم روسيا لخاركوف ودنيبروبتروفسك يصبح أمرا واقعا ومنطقيا. هذه السيناريوهات تأتى فى إطار حرب نفسية وإعلامية ضخمة بين روسياوأوكرانيا، حيث تصر الأخيرة على عدم التفاوض إلا بعد أن تدفع القوات الروسية وتجبرها على التراجع.