رأيت فيما يرى النائم أنني جالس بمقهى ريش عصر يوم من أيام الجمعة في انتظار حضور ندوة الكاتب الكبير الأستاذ نجيب محفوظ، وكنت أجلس على طاولة في مدخل المقهى بجوار الباب مباشرة ، فإذا بسيدة جميلة الوجه " بديعة التقسيم والتبويب"، على حد وصف الأستاذ لإحدى شخصيات رواياته، تدخل وتتجه إلي مباشرة قائلة: " هو الأستاذ وصل؟" فقلت لها: "لأ لسه… بس على وصول"، فسحبت كرسيا وانتحت جانبا تطالع حركة السائرين في الممر الضيق المؤدي إلى زهرة البستان ساندة ذقنها الصغيرة الدقيقة على ظهر يدها. وفجأة التفتت إلي وقالت: " هو هايتأخر؟" فقلت لها: "لا … الأستاذ مواعيده مضبوطة جدا، تضبطي عليه ساعتك" فنظرت في ساعتها وأشاحت بوجهها ناحية الممر مطلقة من بين ضروسها تنهيدة سخط وعدم ثقة. أردت أن أخفف من توترها فقلت لها : "تشربي حاجة؟" فنظرت إلى زجاجة البيرة التي كانت أمامي وأشاحت بوجهها عني قائلة بتهكم: "لا يا أخويا متشكرين". وجاء الأستاذ نجيب فهب كل من في المقهى واقفا لاستقباله والسلام عليه، وهو يحيي الجميع بطريقته المعهودة برفع يده إلى رأسه والسلام الحار على من يعرفه أو لا يعرفه. ونظرت إلى صاحبتنا فوجدتها جالسة في مكانها لم تحرك ساكنا وكأن شيئا لم يكن. فقلت لها: "فيه إيه؟ مالك؟ الأستاذ وصل. " ردت: "هو فين؟" قلت: "ماهو قاعد هناك قدامك" قالت:" أبو عصاية ده؟ أنا الأستاذ اللي جايه أقابلة هنا لسه في عز شبابه، وبيطلع في التلفزيون، وبيكتب كتب وأغاني" فأدركتُ أنها تقصد أستاذا آخر، فسألتها: "اسمه إيه الأستاذ بتاعك ده؟" فقالت بدلع على طريقة نيللي: "مش هاقولك". وكان الأستاذ شعبان يوسف قادما من الجانب الآخر من شارع سليمان باشا يحاول عبور الشارع من أمام شركة اير فرانس ومعه ثلاث أديبات شابات جميلات قادمين من ندوة في دار بتانة، فإذا بصاحبتنا تنتفض واقفة، ملتفتة يمينا ويسارا وكأنها تريد أن تتأكد من شيئ ما أو تنفض من رأسها شيئا آخر وهي تردد: "بقى الحكاية كده؟؟" وتخبط بيدها على الطاولة بشكل عصبي. وما إن دخل الأستاذ شعبان يوسف إلى المقهى حتى صاحت: " هي حصلت يا أستاذ؟ تجيبني هنا علشان تحرق دمي؟ والله الواد خنوفة عنده حق لما حذرني منك" فحاول الأستاذ شعبان تهدئتها قائلا: " عيب يا عبلة …مش كدة يا ام وائل إحنا كنا في ندوة ودول من الأدباء الشبان" فردت عليه: " وكمان بتقولها في وشي.. يعني أنا اللي عجزت بقى" ومدت يدها وأمسكت بالزجاجة التي أخذت البيرة برغوتها تنساب منها على وجهها وصدرها وهي تهدد بها الأستاذ شعبان الذي تراجع داخل المقهى وهو يصيح فيها "عيب كده عيب" وصحوت من حلمي وأنا أسمع ضحكة نجيب محفوظ تجلجل في أرجاء المقهى وهو يحتضن شعبان يوسف بحنان دافق، بينما كنت أحاول أن أمسك يد أم وائل حتى لا تفرغ باقي زجاجة البيرة على الأرض.