يا محروسة أمينة النقاش بعد سبع سنوات على ثورة الثلاثين من يونيو، يحق لمن مهدوا لها وشاركوا فيها وساندوها، أن يفرحوا ويسجدوا لله شكرا على الفرصة التى أتت لهم بعد مخاض عسير، وتجلت فى العام الذى امتطت فيه جماعة الإخوان الحكم بالمناورة والخداع، فقدمت خلاله خدمة جليلة لكل هؤلاء ولغيرهم فى مصر أو فى خارجها. وخلال هذا العام كشفت الجماعة بوضوح فاجر لكل المخدوعين بخطابها من المصريين والعرب، ولبعض من تنقصهم الأدلة، أن هوسها بالمال والسلطة فاق كل حد ولا أفق له، وأنها جماعة فاشلة متاجرة بالدين لأهداف التسلط والإقصاء، وأن الهدف الأصيل الذى تسعى إليه بالعنف والإرهاب, وأرفقته "بطز" شهيرة – وهى من المفارقات، كلمة أصولها عثمانية – هو الإطاحة بالدولة الوطنية أينما وجدت فى سوريا والعراق وليبيا واليمن وتنونس، تمهيدا لإحياء دولة الخلافة الغابرة، التى تجاوزتها العصور والأزمان، وأذاقت شعوبها من البؤس والتخلف والضعف والهوان، ما جعلها نموذجا يدرس للانحطاط السياسى والثقافى والحضارى. لم تنجح قوى الإصلاح والاستنارة والتجديد والتقدم على مدار أكثر من تسعين عاما من نشأة جماعة الإخوان، تصادمت خلالها صدامات دامية مع كل أنظمة الحكم الملكية والجمهورية، أن تقنع بسطاء الناس أنها ظاهرة إرهابية مراوغة وكاذبة وفاسدة ومتلونة وفقا للحظات المد والجزر خلال وجودها، وكونت أفكارها التكفيرية والانعزالية والإقصائية لكل من يخالفها أو يختلف معها، تحت الأرض وفى السجون والمنافى، وما الدين فى خطابها سوى محض تجارة فى سوق السياسة الإقليمية والدولية، تمهد لحلمها البائس بالسيطرة على دول المنطقة. لكن عاما واحدا من حكم الجماعة نجح بامتياز فى فضحها، وكشف زيف أسطورة تكررها ليل نهار مع ذيولها من المنتفعين بعطاياها، أنها إتجاه مدنى ذو مرجعية إسلامية وجزء من الجماعة الوطنية ! لم يكن السيسى منذ ظهوره فى الحياة العامة وزيرا للدفاع ورئيسا، مغاليا فى التقدير العالى والمنصف الذى منحه للنساء المصريات، ليس فقط لأنه أزال ظلما تاريخيا موروثا يتجاهل حقوقهن ويسعى لتهميشهن، بل ايضا للدور الرئد الذى لعبته المرأة المصرية فى التمهيد لثلاثين يونيو حيث كانت وقود الثورة على حكم جماعة الإخوان وشعلتها المضيئة. لم يكن لدى المرأة المصرية سوى أغلالها لتخسرها فتصدرت كل الميادين متسلحة بوعى رفض تغيير هوية مصر الحضارية، فحق عليها وصف نجيب محفوظ لها بأنها كل الدنيا لا نصف الدنيا. ففى اللحظات الأولى التى شكل فيها حكم الإخوان لجنة وضع الدستور، قاد اتحاد النساء التقدمى فى حزب التجمع برئاسة الكاتبة والمناضلة فتحية العسال، مع ليلى الشال وعظيمة الحسينى وإجلال عبده وشاهندة مقلد الدعوة لشكيل الجبهة الوطنية لنساء مصر التى ضمت معظم الأحزاب والتيارات الفكرية والسياسية والقيادات النقابية المهنية والعمالية، فضلا عن الشخصيات العامة. وقدمت الجبهة جهدًا قانونيًا للنساء المشاركات فى لجنة الدستور، وحين اتضح التوجه السلفى الذى هيمن على كتابة مواده، لعبت الجبهة دورا فى حث عدد منهن على الانسحاب من لجنة صياغته. وقادت فتحية العسال الدعوة شبه اليومية لمظاهرات ليلية ضد حكم المرشد وسياسات الجماعة الفوضوية وقراراتها العشوائية. وصكت الجبهة الشعارات التى باتت تترد فى معظم الميادين المصرية، وكان بينها : قولوا لمرسى وقولوا لبديع مصر مش معروضة للبيع. كما قادت فتحية العسال مع عدد من الكاتبات والمثقفات والفنانات المشاركات فى أنشطة الجبهة، الدعوة للاعتصام فى مبنى وزارة الثقافة، حتى يجلو الوزير الإخوانى عنها، وبقيت فى الاعتصام حتى يوم قيام الثورة. نجحت ثورة 30 يونيو حين تسلح المصريون بدرجة عالية من الوعى، وبدعم من جيشهم الوطنى الشجاع وقائده الجسور وجنود شرطتهم وتضحياتهم الغالية، فتمكنوا من انقاذ مصر من خفافيش الظلام، الذى بين لنا شريف عرفه وعبدالرحيم كمال فى فيلم الكنز أن هدفهم على مر الأزمان، تغييب الوعى والسطو على تراث أجدادنا وآبائنا المصنوع بالعرق والدم والدموع، ونهب الموارد وتبديد الفرص وتحطيم القدرات، لتعظيم مكاسبهم وتعضيد سطوتهم باسم الدين وعلى حسابه وحساب مصالح البلاد والعباد . وفى عيد الثورة واحتفالا بها، سنغنى للمحروسة مع نسمة محجوب أغنية فيلم الكنز وأيقونته: "يامحروسة بسيف شاطر، وسيف حارس عليكى أمين، ومن فوق السما السابعة، حاميكى رب العالملين، من الضالين ومن الخاينين، ومن الخلق اللى بين أهاليكى مدسوسة، يا محروسة". اللهم آمين .