السياسات الاقتصادية وازدياد معدلات الفقر والبطالة ..أبرز الأسباب فادية أبو شهبه: انهيار الأسرة يفرز للمجتمع أجيالاً متأهبة لارتكاب الجرائم نادية رضوان: رفع الوعى بالقيم والمبادئ الدينية التى تحض على التسامح منال عاشور: مطلوب إصلاح أحوال المجتمع وتلبية احتياجات المواطنين السيد الغضبان: إعادة النظر فى البرامج والأعمال الدرامية التى تنشر تفاصيل الجريمة تحقيق: نجوي إبراهيم الناس جرى لها ايه؟!.. سؤال ودهشة على كل لسان فى مصر الجميع يردده والجميع يستثنى نفسه من المسئولية ..يأس يصل إلى حد قتل النفس أو الغير, جرائم قتل مروعة ترتكب داخل نطاق الأسرة الواحدة, والجانى فى هذه الحوادث المفزعة التى نسمع عنها كثيرا كان مرة الأب ومرة الأم ومرة الزوج أو الزوجة، وكان غالبية الضحايا من الأطفال، وفي بعض الأحيان كان الضحايا هم جميع أفراد الأسرة . ورغم محاولة البعض تهوين الأمر، فإن ظاهرة العنف ومذابح القتل العائلى التى تفشت مؤخرا فى المجتمع أصبحت ظاهرة خطيرة. الأمر الذى يدعونا للتساؤل ماذا جرى لنا ؟. حوادث عنيفة أب يقتل زوجته وأطفاله ثم يتخذ قرارا بالانتحار لمروره بضائقة مالية, وأخ يقتل أخيه، وشاب يقتل والده، وأم تقتل ابنتها، وفى حالة أخرى أب يقتل ابنته بسبب الفلانتين.. جرائم بشعة مكررة على صفحات الحوادث أبطالها أفراد الأسرة الواحدة ..الأب الأم الأخ والابناء هذا هو ما آل اليه حال الشعب المصرى.. ومن أشهر الحوادث التي أثارت ضجة في الشارع، قيام زوج بقتل زوجته وابنته الرضيعة قبل انتحاره، حيث تلقت أجهزة الأمن بالجيزة، بلاغًا يفيد العثورعلى 3 جثث داخل شقة بحدائق الأهرام، وتبين من المعاينة المبدئية، أن الجثث من أسرة واحدة لرجل وزوجته وطفلة رضيعة عمرها 8 أشهر, وكشفت التحريات الأولية أن الأب وراء قتل زوجته وابنته قبل انتحاره، بسبب الديون المتراكمة عليه التى فاقت ال30 مليون جنيه، ولذلك انهى حياته منتحرا بعد تخلصه من زوجته خنقا، ورضيعتهما بإلقائها من الطابق الرابع. وفي الغربية، أقدم شاب على قتل شقيقه، بعد أن سدد له طعنة نافذة، أودت بحياته في الحال؛ بسبب خلافات مالية بينهما بقرية كفر العزيزية التابعة لمركز سمنود. كما أقدمت ربة منزل على قتل شقيقها بمساعدة والديها، بمدينة المحلة الكبرى، بعد أن حاول القتيل الاعتداء عليها جنسيا أكثر من مرة, وقامت أم بمركز المحلة بقتل ابنتها خنقا؛ لشكها في سلوكها بعد أن أنجبت طفلا واكتشاف زوجها أنه ليس نجله. وفى منطقة شبرا الخيمة التابعة لمحافظة القليوبية، لم يحتمل موظف رؤية نجلته مع أحد الأشخاص أثناء احتفالهما في الشارع بالفلانتين، فقرر تأديبها بالتعدى عليها بالضرب، حتى فارقت الحياة, وفي 5 فبراير، تجرد عاطل من مشاعر الرحمة والإنسانية وقتل والده بمدينة العبور بالقليوبية، لرفضة الإنفاق عليه, وتبين من التحريات أن المجني عليه يبلغ من العمر 78 سنة بالمعاش، وبالانتقال والفحص تبين وجود جثة المتوفى مسجاة على ظهرها على سرير غرفة النوم، وبمناظرتها تبين وجود آثار خنق وسحجات وخدوش بالرقبة. بمواجهة نجل المجني عليه، الحاصل على الثانوية العامة، ويبلغ من العمر 20 سنة، أقر بارتكاب الواقعة بسبب وجود خلافات عائلية مستمرة بينهما لرفض المتوفى الإنفاق عليه هو وشقيقته ويوم 4 فبراير، شهدت قرية على خضر، التابعة لمركز الرحمانية بالبحيرة مجزرة بشعة، عندما أقدم “نقاش”، على قتل بناته الثلاث وزوجته بالسم، ثم شنق نفسه نظرا لمروره بحاله نفسية. ولقيت ربة منزل مصرعها على يد زوجها بعد أن قام بطعنها 16 طعنة بسلاح أبيض “سكين” بسبب خلافات عائلية بمدينة الغنايم, وفى كفر الشيخ، أقدم طبيب مصرى على قتل أطفاله الثلاثة وزوجته، واستطاعت أجهزة المباحث فك طلاسم الجريمة رغم ادعاء الزوج المتهم بالقتل فى البداية بأنه وجد زوجته وأبناءه مقتولين من قبل مجهولين عند وصوله إلى المنزل، قبل إبلاغه الشرطة، لكن بعد تضييق الخناق عليه اعترف بارتكابه الجريمة بسبب سوء حالته النفسية لكثرة الخلافات الأسرية بينه وبين زوجته. وفى الآونة الأخيرة، وقعت العديد من جرائم القتل لأزواج البطل فيها زوجة خائنة وعشيقها, فنرى عروسا لم يمر على زواجها سوى أسبوع ومهدت لعشيقها استدراج زوجها، لقتله من أجل حب زائف، وأخرى تسهل دخول عشيقها لمسكن الزوجية لينهال على زوجها طعنا بالسكين بعد تخديره. السياسات الاقتصادية المرعب في الأمر أننا بدأنا نعتاد قراءة مثل هذه الحوادث مع أننا إذا ركزنا في التفاصيل سنجد ان أغلب الجرائم ترتكب بسبب الضغوط الاقتصادية والأزمات المالية, فخلال السنوات القليلة الماضية تعرض المجتمع لعدة هزات اقتصادية جعلت الكثير من المواطنين غير قادرين على مواصلة الحياة والتكيف مع الاوضاع الجديدة بداية من تحرير سعر صرف وانخفاض قيمة الجنيه المصرى, وزيادة معدلات التضخم وبالتالى ارتفاع جنونى لاسعار كافة السلع الغذائية وزيادة فواتير الكهرباء والغاز واسعار الوقود ..كل هذه الازمات ادت لتفاقم معدلات الجريمة بشكل عام والجرائم الاسرية بشكل خاص .. فأوضحت دراسة بعنوان “الدوافع الاجتماعية والاقتصادية لجرائم القتل في الأسرة المصرية” للدكتورة حنان سالم، أستاذ علم الاجتماع الجنائي جامعة عين شمس، أن جرائم القتل العائلي تمثل من ربع إلى ثلث إجمالي جرائم القتل، وتحدث هذه الجرائم لأسباب عديدة، أبرزها جرائم الشرف والعجز الجنسى للازواج وانخفاض الوازع الدينى وانخفاض المستوى التعليمى أو الجهل, وخلافات الميراث والضغوط النفسية, والمشكلات الاجتماعية ..مؤكدة أن ثالوث الفقر والادمان والبطالة يمثل أبرز الاسباب. وأكدت الدراسة أن السياسات الاقتصادية الحديثة من بين أبرز أسباب تضاعف معدلات القتل العائلي، لما أحدثته هذه السياسات من مشكلات اجتماعية واقتصادية خطيرة أبرزها البطالة وانخفاض الدخول خاصة مع ارتفاع الأسعار. إذ أدت هذه التحولات لتأثير سلبي واسع المدى على النسق الثقافي والقيمي داخل الأسر؛ فأصبحت السلبية والأنانية واللامبالاة والفردية هي القيم المنتشرة بين أفراد الأسرة الواحدة بدلاً عن التعاون والمشاركة والولاء والانتماء التي كانت سائدة في الماضي. الفقر والإدمان وأكدت د.فادية أبو شهبه، استاذ القانون الجنائى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن العنف الأسرى قديما كان يحدث بهدف التربية, أى تأديب الأب لابنائه أو الزوج لزوجته، أما الآن اصبح أكثر تطرفا وتحول إلى جريمة قتل كاملة الأركان تتم بمنتهى القسوة ..لافتة إلى أن هذا الأمر الذى دفعنا فى المركز لعمل دراسات وأبحاث حول الأسباب التى تدفع لارتكاب مثل هذه حوادث القتل البشعة التى تتم داخل نطاق الأسرة. وأوضحت د.فادية أن هناك العديد من الدوافع منها على سبيل المثال: العوامل الاقتصادية التى لعبت دورًا مؤثرًا في هذا التحول، وخاصة الفقر وبطالة رب الأسرة وانخفاض مستوى الدخل والديون وارتفاع الأسعار, مشيرة إلى أن الضغوط الحياتية أدت إلى التفكك الأسري وانهيار التماسك بين أفراد الأسرة، فبسبب عدم كفاية الدخل يضطر الكثير من الأزواج للترحال للبحث عن عمل بالخارج، أو هجر أسرته والتخلي عن مسئولياته تجاهها، وبالتالي ترتفع نسب الطلاق والمرأة المعيلة، مع زيادة تشغيل الأطفال وتسريبهم من التعليم للمساعدة في موارد الأسرة، ولجوء البعض للإدمان كوسيلة للتغيب عن الواقع المؤلم، وكل هذه العوامل تصب باتجاه ارتكاب المزيد من الجرائم الأسرية والمجتمعية وانهيار الأمن داخل المجتمع. وأشارت إلى أن الأجواء الأسرية المشحونة بالتوتر والصراع تكون بيئة مُهيَئة للإصابة بالأمراض العقلية والنفسية والسلوكية للأبناء, أي أنها تفرز للمجتمع أجيالاً متأهبة لارتكاب مزيد من العنف والجريمة والانحراف. خلل فى نظام الزواج وتابعت د.فادية أنها تقابلت مع عدد كبير من المسجونين والمسجونات فى قضايا قتل عائلى وجدنا أن الزوج الذى يقتل زوجته يكون نتيجة تاريخ سابق من العنف الذى يمارسه ضدها، فهناك حالة لزوج قام بحرق زوجته لأنها رفضت ارتداء النقاب، وأوضح أنه قام بتحذيرها وضربها من أجل الامتثال لأوامره، ولكنها رفضت فحرقها, أيضا الزوجة التى تقتل زوجها فهذا يرجع لعدم أسباب أما العنف أو عدم التوافق الجنسى أو بسبب الزنا أو لعدم وجود انسجام فى المعاملة, وهذا يرجع لوجود خلل فى نظام الزواج بأكمله, وعدم اختيار الزوجين على أسس سليمة حيث نجد أغلب الآباء والأمهات يفضلون العريس الغنى ويتجاهلون التوافق بين الطرفين, كما أن انتشار الإدمان وتعاطى المخدرات, يلعب دورا بارزا فى انتشار الجرائم الأسرية، خاصة أن معظم هذه الجرائم تحدث تحت تأثير المخدر. إعادة التأهيل وأوضحت د. فادية أن العلاج ليس فى تغليظ القوانين فنحن لدينا ترسانة من القوانين, فالعقاب لن يحل المشكلة, المطلوب هو الوقاية والمواجهة, ولذلك لابد من إعادة تأهيل الأسرة من جديد, وان تقوم وزارة التعليم بدورها فى تنشئة الصغار تنشئة سليمة, ورجال الدين يقومون بدورهم فى نشر المحبة والتسامح بين الآخرين وأحكام السيطرة على الشيوخ الذين يقومون بالفتوى أن العنف ضد المراة ليس حراما وتأديب الزوجة وضرب البنات لتربيتهن وغيرها من الأمور التى تؤدى إلى تراكم مشاعر الكره والبغض بين أفراد الأسرة الواحدة, وإحكام الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعى والمواقع الإباحية حتى نحمى الأسرة من إشعال النيران بداخلها. دوافع مختلفة ومن جانبها، أكدت د.نادية رضوان، استاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن دوافع ارتكاب الجرائم الأسرية تختلف من جريمة لأخرى, غير أن السبب الأساسى لأغلب الجرائم المادة, وطموحات الشخصية المصرية فى الغنى السريع, وشيوع ثقافة الكماليات وتحويلها لأساسيات مثل اقتناء السيارة الفارهة والفيلا وأحدث أنواع الموبايل، وهى أعباء جديدة إضيفت على كاهل الأسرة وافرزت أعباء اجتماعية, فضلا عن الثقافات الموروثة التى تجعل الأبناء تحت رحمة آبائهم وأن ضربهم وتعذيبهم نوع من التأديب وكذلك الزوجة ملك لزوجها ومن حقه تعذيبها وقتما شاء وأيضا قتلها بدافع الغيرة أو الشرف، أيضا العلاقات الزوجية والطلاق وقوانين الاحوال الشخصية كل هذا بحاجة لاعادة النظر، وكذلك تردي الدور الثقافي في المجتمع عبر وسائل الإعلام والدراما وتسليط الضوء على الجرائم وأعمال العنف والبلطجة التي تزيد من التقليد الأعمى لكل ما نراه علي الشاشات، الأمر الذي يتسبب في انحدار المستوي الاخلاقي والفكري وزيادة أعمال العنف، فأصبحت المادة المعروضة تبرز العنف والسلوكيات الخاطئة أكثر من كونها تعالجها، فهناك العديد من المشاهد التي تبث في نفوس الأطفال روح العنف والتحريض عليه، وجعلهم يخلطون بين الواقع وما يحدث على الشاشة. اضطربات نفسية ومن وجهة نظر خبراء علم النفس توضح د.منال عاشور، استاذ علم النفس بجامعة حلوان، أن ارتكاب شخص ما لجريمة قتل أسرى غالبا ما يكون بسبب اضطرابات نفسية أو نتيجة لضغوطات الحياة، ولكن هذا لا يعنى أن كل شخص يمر بضغوط أو أزمة نفسية يقتل اقرب الناس إليه, ولكن الشخص الذى يقدم على هذا الجرم مريض نفسى غير قادر على الثبات أمام الأزمات والضغوط, وقد يظهر عليه بعض الأعراض والشواهد قبل ارتكاب جريمته منها أن يكون سريع الغضب يميل للعزلة شارد الذهن باستمرار لديه نظرة تشأومية,عدوانى فى تصرفاته, وأحيانا يظهر فى الأسر الفقيرة التى تعانى من درجات عالية من الحرمان المادى والمعنوى نوع من أنواع العنف الأسرى حيث يؤدى تعطل الزوج عن العمل ظهور خلافات بسيطة داخل الأسرة تتطور بشكل سريع إلى صور من العنف اللفظى ثم البدنى وقد تنتهى بالقتل. واوضحت أن السلوك العنيف هو نتاج عدة عوامل مجتمعية أفرزت كل التغيرات التى طرأت على الشخصية المصرية سواء العنف أو القتل او الانحرافات الاخرى بكل صورها, لافتة إلى أن انهيار منظومة القيم فى المجتمع أدت الى انتشار الأنانية واستحلال دم الآخرين . وأضافت نحتاج لوقت طويل لإصلاح أحوال المجتمع ونحتاج لمواجهة اولا مشكلة الفقر، ثم يأتى بعد ذلك إصلاح التعليم والخطاب الدينى والاعلاء من شأن القيم الايجابية, ووسائل الاعلام تقوم بدورها فى توضيح سمات الشخصية التى تعانى من اضطرابات نفسية واهمية عرضها على المختصين حتى لا يتفاقم الأمر. دور وسائل الإعلام فيما أكد الإعلامى “السيد الغضبان” ظهور مشاهد العنف على شاشات التليفزيون والسينما له أثر فى ازدياد الجرائم الأسرية لافتا إلى أن وسائل الإعلام وخاصة الدراما ساهمت بشكل كبير فى تفشى العنف فى المجتمع, فوسائل الإعلام تقوم بشرح مفصل للجريمة فضلا عن الأعمال الدرامية التى تجسد جرائم بشعة ويتفنن صناع الدراما بصنع مشاهد القتل والحرق والذبح، مما يؤثر فى الأطفال والشاب العصبى صغير السن ويقوم بتقيلدها فى اى مشادة كلامية بينه وبين احد افراد اسرته, كما ان الاعلانات المستفزة عن الشقق الفاخرة وانواع الموبايل والاجهزة الكهربية والسيارات كل هذا يساهم فى اكتئاب الاغلبية نظرا لعدم قدرتهم على اقتناء مثل هذه الاشياء, وتعظيم دور البلطجى والخارج عن القانون واظهاره فى صورة البطل هذا يؤثر فى الناس البسطاء والأميين وصغار السن ويصبح التقليد هو اول رد فعل لهؤلاء الاشخاص. وطالب “الغضبان” بضرورة إعادة النظر فى الخطاب الإعلامى سواء البرامج الحوارية التى تنشر تفاصيل الجريمة أو الأعمال الدرامية وأيضا الإعلانات حتى نقنن من حدوث هذه الجرائم, ولابد أن نعيد زمن الفن الجميل الذى يختار وينتقى من الواقع, فالفن رسالة وليس مجرد ناقل للواقع.