انتشرت في الأيام الماضية جرائم الأسرة التي لم نعتدها في مجتمعنا الذي كان يشهد له الجميع بالأمن والأمان ويضرب به المثل. فجريمة القتل في حد ذاتها جريمة بشعة لكن الأمر يكون أكثر غرابة وبشاعة عندما يتعلق بالآباء والأبناء والأمهات داخل الأسرة الواحدة مما يثير غضب المجتمع إلا أن الغرف المغلقة والأبواب المقفولة تشهد صراعات عائلية رهيبة لا يحبسها إلا الموت "الجمهورية الأسبوعي" رصد عدة جرائم أسرية بشعة شهدتها الأيام الماضية. ففي القاهرة وتحديداً بمنطقة السلام قام جزار بعدما تجرد من المشاعر الإنسانية بإشعال النيران في شقة مطلقته وتحولت إلي جمرة من النيران التهمت الزوجة وبناته الأربعة. وفي الإسماعيلية اتصل موظف بزوجته وأخبرها أن تتوضأ وتجهز نفسها لأنه سوف يعود ليقتلها وبالفعل حضر المتهم وذبح الزوجة وأطفاله الثلاثة أكبرهم لم يتجاوز التاسعة.. وقبلها بيومين قام عاطل بمنطقة بولاق الدكرور بالحضور إلي شقة شقيقته ليطلب منها مبلغاً لإنفاقه علي ملذاته إلا أنها رفضت وقام بطعنها بسكين حتي ماتت وبعدها قطعها جزءين وألقي الجزء العلوي بمنطقة العمرانية والآخر أسفل الدائري ببولاق الدكرور ومن قبل قام موظف بأسيوط بإطلاق الرصاص علي زوجته وأبنائه الأربعة ثم قطع الجثث بالساطور لإخفاء معالم الجريمة. التقينا بالمتخصصين للبحث في أسباب تزايد العنف الأسري وإيجاد طرق للحد منه بعدما بات يؤرق عدداً كبيراً من أفراد المجتمع. علماء النفس والاجتماع وطالبوا بتفعيل دور المؤسسات الدينية والتعليمية في تربية الطفل بالطرق التربوية الصحيحة.. بينما أكد رجال القانون أن عقوبة القاتل هي الإعدام.. وقال رجال الدين إن قتل النفس يعد من الكبائر ويأتي بعد الشرك بالله. في البداية يقول الدكتور مصطفي النجار عميد المعهد العالي للخدمة الاجتماعية بأكتوبر وأستاذ الخدمة الاجتماعية إن تكرار جرائم القتل خاصة الأسري يشير إلي وجود خلل انتاب المجتمع في هذه الآونة مشيراً إلي أن ذلك يرجع إلي عدة عوامل منها حالة الاغتراب النفسي التي سادت بين العديد من المصريين نظراً للحالة الاقتصادية والاجتماعية وتأثيراً عمليات الإرهاب وما تعرضها وسائل الإعلام من مذابح وقتل وحشي يؤثر علي الكثير من الشخصيات الواهنة تأثيراً لا شعورياً. أضاف د.مصطفي أن ذلك ينعكس علي وجود أو إيجاد خلل في التفكير أو خلل عقلي يؤدي إلي هذا السلوك الوحشي وحين تقارن ذلك مع أشخاص في حالة استقرار واتزان نفسي واجتماعي لأر أن نجد مثل هذه السلوكيات. أشار إلي أن هذا الأمر يحتاج إلي متخصصين في الطب النفسي لدراسة وفحص مخ الشخص من خلال أشعة وتحاليل وأجهزة لكشف الخلل والأمر الذي يؤدي إلي ذلك. فيما يري الدكتور مصطفي عوض عميد معهد الدراسات والبحوث الإنسانية والبيئية بعين شمس أن السبب في ذلك يرجع إلي عدة عناصر منها النشأة الاجتماعية خاصة دور الأسرة الذي لم يعد هو المنوط به رغم أهميته فهو المسئول الأول عن النشئة الاجماعية بداية من مرحلة الطفل له حتي سن 4 سنوات فهو كالعجينة يمكن تشكيلها كيفما يشاءون ثم بعد ذلك مرحلة الروضة والابتدائية التي نكمل مشوار التنشئة مشيراً إلي أن الأسرة تضع اللبنة الأولي في التربية الصحيحة بداية من مصروف البيت والمأكل والمشرب. أضاف د.مصطفي أن ثاني هذه العناصر هو الأصدقاء وهو مكمن الخطورة حيث كان في الماضي الأسرة تراقب ابنها وتتعرف علي أصدقائه وأسرهم وكانت الأم تحاول أن تصاحب والدة صديق ابنها لكي تكون مطمئنة علي تربية صديق ابنها حتي تطمئن أن ابنها يصاحب صديقاً جيداً قد يستفيد منه. وإذا رأت أن نجلها يصادق شخصاً ما غير سوي تحول أن تبعده عنه حتي لا يختلط به ويتعلم منه الأشياء المكروهة. وأشار د.مصطفي إلي أن ثالث هذه العناصر وهو المؤسسات الدينية فعليها دور كبير في تنشئة الطفل حيث ان الأزهر والمدرسة والكنائس ما هي إلا منظومة متعاملة تحاول أن تعطي الولد جرعة طيبة نافعة صالحة لخدمة الفرد والمجتمع مضيفاً أن المؤسسة الدينية مع كامل احترامنا لكل المسئولين عنها أن هناك تصوراً رهيباً حتي اليوم بعدما أصبح لها رد فعل وليس فعل مؤكداً أننا خضنا تجارب عديدة في كل المجالات فما المانع أن نضع قضايا المجتمع أمامنا ونختار منها واحدة لمناقشتها تحت مظلة الأزهر وتقوم باستدعاء المؤيد والمعارض للمشكلة وكل منهما يطرح رؤيته وكيفية الخروج منها وتحترم كل رأي بحيث نصل إلي حل جزئي لكل مشاكلنا الاجتماعية. وتقول الدكتورة فادية أبوشهبة أستاذ القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية الجنائية: إن العنف الأسري في تزايد مستمر وقد كان للمركز القومي للبحوث الجنائية السبق في تحذيره من هذه المشاكل حيث كانت في بدايتها وأكدت دراسة أجريت في عام 1988 علي عينات عشوائية في مناطق مختلفة من العاصمة تجمع بين الحضر والريف. أكدت د.فادية أن الأسرة لم تعد كما كانت من قبل وأصبحنا تجد عنفها ما بين قتل للأزواج وتشاجر مستمر طوال الوقت. أشارت إلي أننا بدأنا نري عنف الآباء مع الأبناء والزوج وزوجته أي مع أفراد الأسرة الواحدة تحت سقف واحد وذلك نتيجة لمشاهدة موجات العنف التي يراها الجميع من قتل وسحق خاصة في أفلام البلطجة وتعاطي المخدرات وأصبح الفرد يلاقي مشاكل في عمله أو فشله وعندما يعود لمنزله يكون لديه شحنة غضب فيفرغها في أول من يقابله.. لذلك نجد القتل لأتفه الأسباب وربما يكون في الشك في سلوك أي من الزوجين. وتري د.فادية أن الحل الأفضل لتلك المشاكل التي تؤرق الأسرة هي الاهتمام بالتنشئة الاجتماعية باتباع الأساليب الصحيحة في تربية الطفل بداية من التعامل في التدليل الزائد لطفل عن أخيه والضرب في ساعة غضب يكون نتيجة الانتقام والتشفي بالإضافة إلي حق الوالد في تربية أبنائه كما نصت القواعد الشرعية للأديان السماوية وحق الزوج علي زوجته والعكس كما أن القضاء علي المخدرات والبطالة والتوعية في المدارس والجامعات والكنائس لأهمية العلاقة الزوجية خاصة المقبلين علي الزواج وتكافؤ الفرص بينهم والتناسب في المستوي الاجتماعي والتعليمي ونشأة الأسرة بحيث يكون هناك توازن في جميع المستويات مع الزوجين حتي لا نشاهد جرائم العنف. بينما يري الدكتور فتحي الشرقاوي أستاذ ورئيس قسم علم النفس بجامعة عين شمس أن قتل المحارم المتعلق بالزوجين أو الأبناء يكون حله علي مرحلتين وهي أولاً البحث عن الأسباب والدوافع التي دفعت القاتل لارتكاب جريمته ودراسة حياة الأسرة بالكامل فتجد أن الاضطراب النفسي أو العقلي وتاريخه قبل إقدامه علي الجريمة أنه مختل عقلياً في الباطن وليس ظاهرياً. وإشار إلي أننا إذا حللنا شخصية المجرم فتجد أنه تعرض لعدة عوامل منها العنف اللفظي والبدني والمعنوي وليس لديه القدرة علي حل مشكلات الواقع مهمش اجتماعياً والضغط المادي "الفقر المدقع" بالإضافة إلي عدم التعامل بإيجابية مع الواقع المعايش وعدم الرضا مؤكداً أن كل هذه العوامل بمثابة مؤشرات تدفع للإقدام علي سلوك القتل ولا تعني ذلك أن كل من تعصف بهم هذه العوامل قد يرتكبون مثل هذه الجرائم الشنعاء التي يشيب لها الوجدان. مشيراً إلي أننا نظرنا ووجدنا شخصاً ما أكثر عنفاً وأكثر إنسحاباً عن الواقع وأكثر معاناة من الصراعات النفسية فضلاً عن سلوكياتنا وأفكارنا الغريبة وأن هذا المريض يقدم علي إيذاء نفسه بالانتحار أو غيره من القتل. سألنا خبراء القانون عن عقوبة القاتل قال المستشار رفعت السعيد رئيس محكمة الجنايات السابق إن عقوبة القتل العمد مع سبق الإصرار هي الإعدام مشيراً إلي أن كل جريمة بها أسبابها ودوافعها وأن المجنون الذي اندفع وارتكب جريمة قتل غير العاقل المدرك بما يفعله. أضاف أن من حق القاضي النزول بالعقوبة إلي درجتين من المشدد حتي المؤبد. بينما قال المستشار محمد الحلواني رئيس محكمة إن الحالة الاقتصادية التي تعيشها تدفع بعض الأشخاض لارتكاب مثل هذه الجرائم التي عقوبتها الإعدام مشيراً إلي أن دور المؤسسات الدينية غير موجود حالياً وربما متوقف بعض الشيء ولابد من تفعيل دور هذه المؤسسات حتي تنشأ أجيال واعية وفاهمة وتلقت التعليم التربوي الصحيح. أما علماء الدين فقال الشيخ عطية حسان من علماء الأزهر: إن قتل النفس يعد من أكبر الكبائر ويأتي بعد الشرك بالله مشيراً إلي أن الله عز وجل هو واهب الحياة وليس لأحد أن يزهقها. أشار إلي أن كل الديانات حرصت أشد الحرص علي حماية حياة الإنسان ومن يستحلها ينال أشد العقوبة في الآخرة والدنيا. وأكد أن القتل يشيع الفساد والخراب في البلاد وقال تعالي: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها".. مشيراً إلي أنه لو أتيح لقتل القوي بالضعيف واختل الأمن وأصبحت الحياة حكراً علي الأقوي والأعنف لذلك جعل الإسلام لكل نفس حرماً آمناً.