يعد رحيل المترجم الفلسطيني صالح علماني، خسارة كبيرة لحركة الترجمة في الوطن العربي، نظراً للدور الكبير الذي قام به في تعريف الثقافة العربية بأدب أمريكا اللاتينية والأدب الإسباني بشكل عام، فقد عكف لأكثر من 40 عاماً على تعريف القارئ العربي بأهم الأدباء اللاتينيين أمثال “ماركيز” و” فارجاس يوسا” و”بورخيس”، فيعود إليه الفضل في ترجمة عشرات الروايات والتي شكلت ما يسمي” ب “موجة الواقعية السحرية” وقد بلغت ترجماته في هذا الإطار أكثرمن سبعين كتاباً ، تنوعت ما بين الترجمات الأدبية والترجمات الفكرية . وكانت آخر ترجماته رواية الكاتب البيروفي “ماريو فارجاس يوسا” والتي تحمل عنوان “سيطنات البنت الخبيثة” . كان “علماني” عاشقاً للأدب المكتوب بالأسبانية منذ شبابه المبكر، وقد بدأت علاقته به عام 1970 حين سافر إلى “برشلونة” لدراسته الطب، والذي تركه بعد ذلك ليدرس الصحافة. وعن تلك التجربة يقول “علماني” في إحدى شهاداته الأدبية: ” في إسبانيا وأثناء دراستي كنت أعمل في الفترة المسائية في الميناء ، واختلطت بعالم القاع ، وبينما كنت أتسكع في أحد مقاهي “برشلونة” ذات مساء، قابلت صديقاً يحمل كتاباً نصحني بقراءته، وكانت الطبعة الأولى من رواية “مائة عام من العزلة” لجابريل جاريثا ماركيز ” وعندما بدأت في قراءتها أصبت بصدمة، حيث وجدت لغة عجائبية شدتني بعنف إلى صفحاتها ، فقررت أن أترجمها إلى اللغة العربية ، وعندما عدت إلى مدينة”دمشق”، نسيت الرواية في غمرة انشغالاتي، لكن ماركيز وكتاباته ورواياته ظل يشدني إلى ذلك العالم السحري ، فترجمت قصصاً قصيرة له ونشرتها في بعض الصحف السورية في ذلك الوقت ، تم ترجمة رواية ” ليس لدي الكولونيل من يكاتبه ” لنفس الكاتب عام 1979 ، وقد لفت الكتاب نظر الناقد حسام الخطيب والذي كتب قائلا : أن هناك شاباً فلسطينيا يترجم أدباً مجهولاً لقراء العربية . وربما كانت مقالة ” الخطيب ” هذه هي ما شجع ” علماني ” على المضي في طريقه الذي قادته إليه الصدفة أولاً ، وإلى امتهان ” الترجمة ” رغم أنه كان في تلك الفترة قد بدأ في كتابة روايته الأولى التي مزقها ، لاقتناعه أن طريقة الإبداعي الحقيقي يكمن في “الترجمة” وقد ترجم “صالح علماني” كل أعمال ماركيز باستثناء رواية ” خريف البطريرك ” ثم بدأ في ترجمة أعمال و” فارجاس يوسا ” . وربما كانت ترجمة الأدب اللاتيني من أصعب الترجمات لأنه تعتمد على التفاصيل في الكتابة الإبداعية، ومن هذه الصعوبة ولد التحدي لدى “علماني” فراح يترجم لأدباء من تيارات وأجيال مختلفة في اللغة الأسبانية ومنهم “ماريو بينديتي” الذي ترجم له رواية “الهدنة ” وترجم كذلك لإيزابيل الليندي عددا من أهم روايتها مثل “باولا”. وقد حصل علماني على جوائز متعددة في مجال الترجمة منها ” جائزة ” خيردو دو كريمونا ” الدولية عام 2015 ، وجائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز في الترجمة عام 2016 .