بقلم : محمود دوير يظل شهر رمضان هواحد المواسم الهامة للدراما العربية خاصة المصرية التى تمثل احد مكونات قوة مصر الناعمة بما صنعته من تاثير هام وساحر فى المنطقة العربية وساهمت فى تشكيل وجدان الشعب العربى وتوثيق صلته بالثقافة وونسق الحياة المصرى وليس من المبالغة فى شئ ان شوارع العواصم العربية كانت تخلو تقريبا من المارة عند عرض حلقات مسلسل رافت الهجان او ليالى الحلمية ومع اقتراب الموسم الرمضانى للدراما المصرية من الانتهاء لابد ان نذكر ان تلك الدرما التى صنعت مكانتها عبر عقود ممتدة تعانى الان من ازمة عميقة تكاد تخرجها من صدارة المشهد العربى ولم يكن هذا التراجع وليد اللحظة الراهنه بل نبهنا اليه منذ سنوات لكنه تجلى هذا العام بشكل صارخ ففى عام عام 2008 بدات الدراما التركية تغذوا السوق العربية . وكان مسلسل “سنوات الضياع ” ومسلسل ” نور “قد حققا انتشاراً واسعاً فى بلدان الوطن العربى وقد تم عرض(65)مسلسلاً تركياً فى عام 2013، بينما ارتفع العدد إلى (75) مسلسلاً خلال عام 2016، وكشفت الأبحاث أن المملكة العربية السعودية هى الأكثر مشاهدة للدراما التركية. ويُمثل هذا مؤشراً لرغبة تركية فى خلق نفوذ ثقافي، وبالفعل تمكنت من ذلك بسبب انتشار الدراما من ترويج واسع لأسلوب حياة الشعب التركي، وامتد إلى أزيائهم وديكور منازلهم؛ فانتشرت فى مصر والدول العربية تلك المفردات الحياتية وكشف هذا عن تراجع فى النفوذ والدور المصرى خلال السنوات الأخيرة مقارنة بما سبق من سنوات . وتكسب الدراما التركية مساحات هائلة من الدراما المصرية التى ظلت صامدة بفضل كتاب مثل اسامة انور عكاشة ومحفوظ عبد الرحمن ووحيد حامد ومخرجين مثل اسماعيل عبد الحافظ ومحمد فاضل وغيرهم من صناع ثروة مصر الفنية التى نفخر بها ونستعيدها دوما وقد ساهم فى زيادة نفوذ الدراما التركية اولا والهندية ثانيا على حساب الانتاج المصرى ساهم فى ذلك تردى المنتج المصرى فى معظمة وندرة الاعمال التى تمتلك مقومات المنافسة فى عالم مفتوح لا تستطيع ولا تملك القدرة على غلق نوافذك امام ثقافات اخرى وتتطلب منك فقط ان ترتقى بمنتجك الفنى سواء على مستوى التكنيك الفنى او الموضوعات التى يتم تناولها وخلال السنوات القليلة الماضية ومع غياب تام لدور الدولة فى الانتاج الفنى والذى تمثل فى قطاع الانتاج باتحاد الاذاعة والتلفزيون والذى تحمل مسؤلية تقديم اعمال تليق بمصر وتاريخها الفنى ومن ناحية اخرى تراجع كبير شهده السوق السينمائى وقلة عدد الاعمال السينمائية التى يتم انتجائها مما دفع عدد كبير من نجوم السينما سواء ممثلين او مخرجين او كتاب الى اللجوء للدراما التلفزوينة هربا من سوق السينما الذى يعانى الكساد مما خلق مناخا مغايرا بكل تفاصيله فى صناعة الدراما سواء فى الموضوعات المطروحة او حتى فى القدرة على المعالجة الفنية ويستثنى من ذلك عدد قليل جدا من الاعمال التى خرجت عن هذا وعن دراما رمضان هذا العام فان الازمة تتفاقمت ويحاول البعض من شركات الانتاج الخاصة التى امتلكت سوق الدراما فى السنوات الاخيرة تحميل مسؤلية ذلك الى احدى شركات الانتاج التى قدمت نسبة كبيرة تصل الى 75%من اعمال هذا العام واعتقد ان ذلك ليس سببا كافيا لتلك الازمة فنحن منذ سنوات نطالب بإلحاح بضرورة عودة الدولة لتحمل مسؤليتها فى صناعة ثقافة وطنية حقيقية مع تواجد لشركات القطاع الخاص التى يحكم بعضها فى احيان كثيرة بمعايير السوق من المكسب والخسارة لكن ما شهده سوق الدراما لم يكن ما نتمناه سواء على مستوى الكم حيث بلغ عدد الاعمال المقدمة على الشاشات المصرية ما يقرب من 24 عملا وهو العدد الاقل على الاطلاق منذ سنوات ستة والاهم ان جودة ومستوى الاعمال كان صادما فمن بين 24 عملا لا يوجد عمل واحد يليق بالفن المصرى رغم اجتهاد البعض ويبقى ملسل ” السهام المارقة ” للمخرج محمود كامل هو الاهم سواء من حيث الموضوع حيث يكشف بجراة شديدة افكار تنظيم داعش ورؤيته للعالم من حوله او على مستوى التكنيك الفنى واداء متميز لابطال العمال “شريف سلامة وهانى عادل وشيرى عادل عائشة ابو احمد ” وياتى هذا العمل فى توقيت جيد جدا ومصر محتشدة لمواجهة افكار الارهاب وتنظيماته وكنا ننتظر ان تقدم لنا شركة الانتاج الرسمية او التلفزيون المصرى اعمالا عديدة تواجه الافكار الظلامية والداعمة للارهاب ودون ذلك العمل فاننا امام عدد من الاعمال التى لا تقدم شيئا هادفا او قيمة حقيقية وانشغلت فى معظمها بدراما اثارة تقليدية جدا فبين البحث عن قاتل فريدة فى “زى الشمس ” وبين حواديت ” حدوته مرة ” وبين كودميديا ركيكة فى سوبر ميرو و”طلقة حظ” والواد سيد الشحات الى اجتهاد “لمس اكتاف ” وروعة اداء” فتحى عبد الوهاب” السهل الممتنع سواء فى لمس اكتاف او فى مسلسله مع ياسيمن عبد العزيز”اخر نفس ” مروروا بالإدعاء والمبالغه فى الزوجة 18 وليس هذا فحسب فقد جاء احمد السقا مخيبا للامال فى “ولد الغلابة ” وواصل محمد رمضان اختياراته الغريبة وموضوعاته “السُبكية ” الهوى ونافسه فى ذات السياق مسلسل “شقة فيصل” الذى يتناول قصة صعود مطرب شعبى فى قصه مستهلكة وحبكة دراميه ضعيفة للغاية تلك النماذج القليلة التى تكشف لنا غياب اى رؤية تحكم اختيارات موضوعات دراما رمضان ولا شئ سوى الحشو والتواجد واحيانا الاسفاف وانعدام الرسالة فى احيان كثيرة بلد تواجه الارهاب وتقدم كل شهداء من اجل قيم الاستنارة والتقدم ويكون فنها هكذا فلا يوجد عمل واحد على خط المواجهة باستناء “كلبش 3” الذى اهم ما فيه نجاح الجزء والاول والثانى ومن ثم تم صناعة الجزء الثالث وبالطبع وسط كل هذا علينا ان نوجه التحيه لصناع “السهام المارقة ” الذى ظلم بمحدودية عرضة على قنوات النهار فقط نودع شهر رمضان وينتهى مولد دراما ينتظرها ملايين العرب كل عام ونكتشف اننا تراجعنا كثيرا وان 2019افقدتنا جزء من رصيدنا وقوتنا الناعمة بعزوف المشاهد العربى عنا بشكل ملحوظ وهنا نذكر ان الدرما السورية هذا العام قدمت عدد من الاعمال الجادة التى تشتبك مع قضايا جادة من ابرزها ” مقامات العشق ” عن قصة حياة محى الدين بن عربى لاشك ان مصر تمتلك مقولات الريادة الفنية سواء من الكتاب او الفنانين او الفنيين الا اننا نحتاج اعادة نظر وادراك رسمى بالاساس لاهمية الفن ماكد مقومات نفوذنا وتاثيرنا وضرورة توفير مناخ حر للابداع واختيارات يكون الجودة والقيمة الفكرية والفنية بحيث تحقق المتعة والتاثير وخلق تعاطف مع قضايانا من خلال اعمال اكثر عمقا واكثر اشتباكا مع واقعنا بعيدنا عن ما يسمى ” دراما الكومباوند ” من جهة ودراما “عشوائية التوكتوك ” من ناحية اخرى - الإعلانات -