أذاعت منظمة " هيومان رايتس ووتش" الأمريكية يوم الأربعاء الماضي (6سبتمبر2017) تقريرا من 63 صفحة عن التعذيب في مصر ، يحمل عنوان "نحن نقوم بأشياء غير منطقية هنا : التعذيب في مصر السيسي " وجاء في التقرير أن ضباط وعناصر الشرطة و" قطاع الأمن الوطني " في مصر ، في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي يعذبون المعتقلين السياسيين بشكل روتيني بأساليب تشمل الضرب والصعق بالكهرباء ووضعيات مجهدة وأحيانا الاغتصاب ، وأضاف تقرير المنظمة الحقوقية الأمريكية أن " التعذيب الواسع النطاق والمنهجي من قبل قوات الأمن يرقى إلى أن يكون جريمة ضد الإنسانية " وأن النيابة العامة تتجاهل عادة شكاوى المحتجزين وبلاغات محاميهم ومنظمات حقوق الإنسان المصرية ، مما يخلق بيئة من الإفلات شبه التام من العقاب " ويقول " جوستورك نائب المديرية التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومان رايتس ووتش إن الرئيس السيسي أعطى ضباط وعناصر الشرطة والأمن الوطني الضوء الأخضر لاستخدام التعذيب كلما أرادوا " ولم يترك الإفلات من العقاب على التعذيب المنهجي أي أمل للمواطنين في تحقيق العدالة " . وتعرض هذا التقرير لنقد شديد ورفض واسع من السلطات المسئولة في مصر ومن الإعلام المصري ومن كتاب وحقوقيين مصريين لهم احترامهم ، مستندين إلى أن التقرير تبني وجهة نظر أحادية ، فأستند إلى أقوال19 معتقلا سابقا وأسرة معتقل آخر ينتمون لجماعة الإخوان أكدوا تعرضهم للتعذيب بين عامي 2014 و2016 ، واستخدم مصطلحات سياسية وليست حقوقية مما يصمه بعدم المهنية مثل الحديث عن ثورة 30 يونيو وانضمام المجلس الأعلى للقوات المسلحة للشعب في 3 يوليو 2013 لإزاحة حكم الإخوان باعتباره " إنقلاب عسكري " وتجاهله للإرهاب والعنف الدموي الذي تمارسه جماعة الإخوان تاريخيا ومنذ فقدها للسلطة ، ووصفها بأنها " أكبر حركة معارضة في البلاد " وكان اغتيال ضباط الجيش الوطني والشرطة المدنية والمواطنين .. معارضة سياسية ! . وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية المستشار أحمد أبو زيد إن تقرير هيومان رايتس ووتش " يعد حلقة جديدة من حلقات الاستهداف والتشويه المتعمد من جانب تلك المنظمة والتي تعبر عن مصالح الجهات والدول التي تمولها .. واستمرار للمحاولات اليائسة للتشويه المتعمد لثورة الثلاثين من يونيو " . وبدلا من الرد على الوقائع المغلوطة أو الناقصة التي وردت في بيان " هيومان رايتس ووتش " ومطالبة النائب العام بالتحقيق فيها لإجلاء الحقيقة ومعاقبة من يستحق العقاب ، جرى التشكيك في مصداقية المنظمة التي أصدرت التقرير وتوجيه الا تهامات لها وأغلبها صحيح وإصدار قرار بحجب ، الموقع الالكتروني لهيومان رايتس ووتش ، متصورين أن هذا الحجب سيمنع وصول محتوى التقرير للرأي العام المصري ، وهو الأمر الذي لم يعد صحيحاً على الإطلاق ، فقد نشر نص التقرير عشرات من المواقع الالكترونية ، ونقلته عنها صحف ومطبوعات أخرى . وتلقت السلطات المصرية التي تعاملت بخفة وعدم مسئولية مع تقرير هيومان رايتس ووتش حول التعذيب في مصر ، وأنكرت تماما وجود تعذيب منهجي في السجون وأقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز عامة ، تلقت ضربة قوية ، عندما أذاعت " لجنة من أجل العدالة committee for justice يوم الجمعة 8 سبتمبر التقرير الصادر من " لجنة مناهضة التعذيب " بالأممالمتحدة نتائج التحقيق الذي بدأته عام 2012 واستمر حتى 2016 حول " منهجية التعذيب في مصر واردة من مسئولين وهيئات الاممالمتحدة بما في ذلك " مفوضية الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان ، ولجنة حقوق الطفل و" المقرر الخاص المعني بالتعذيب " و" الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي " ومن " اللجنة الافريقية لحقوق الإنسان والشعوب " والتي " أيدت الزعم بأن التعذيب مورس بصورة منهجية في مصر طوال فترة التحري " إضافة إلى استعراض التقارير المتاحة علنيا التي أصدرتها منظمات غير حكومية في مصر والعالم مثل " مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف " و" منظمة العفو الدولية " و" المبادرة المصرية للحقوق الشخصية " و" المنظمة المصرية لحقوق الإنسان " و" الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان " و" المجموعة المتحدة للمحامين والمستشارين القانونيين والمدافعين عن حقوق الإنسان " . وكشفت هذه التقارير أن التعذيب يتم للأغراض التالية : معاقبة المتظاهرين والمحتجين معاقبة أعضاء ومؤيدي جماعة الاخوان(منذ2013) انتزاع اعترافات بالاكراه الضغط على المقبوض عليهم لتوريط غيرهم معهم . وهناك حالة أخرى تنفرد بها مصر أطلق عليها " خصخصة التعذيب " عندما يقوم الضباط أو الجنود بممارسة تعذيب لشخص أو أكثر دون طلب من سلطات الدولة أو جهاز الأمن ، ولكن مجاملة لزميل لهم أو لشخص على علاقة خاصة بهم !! . وساعد على شيوع التعذيب في مصر كما يقول حافظ أبو سعده رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان عدة أسباب في مقدمتها " القصور التشريعي في تعريف التعذيب ، وإفلات مرتكبيه من العقاب ، ومعضلة إثبات تلك الجريمة حيث لا تعترف المادة 126 عقوبات إلا بجريمة التعذيب التي تجري بهدف الحصول على اعترافات ، كما أن قانون الإجراءات الجنائية يجعل تحريك الدعاوي في قضايا التعذيب من اختصاص النائب العام " بما يؤدي إلى التغطية على معظم حالات التعذيب " . ولم يعد ممكنا أو مقبولا استمرار هذه الجريمة التي تنتهك بقسوة كل مبادئ ومواثيق حقوق الإنسان ، وهناك برنامج تفصيلي شاركت في إعداده منظمات حقوقية وأحزاب مصرية في مقدمتها " حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي " يقضي تنفيذه على هذه الجريمة التي تلطخ وجه مصر . وعلى الأحزاب الديمقراطية ومنظمات حقوق الإنسان أن تكثف جهودها المشتركة لإلزام السلطات بتطبيق هذا البرنامج وتنفيذه خلال فترة زمنية محددة .